رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أسامة غريب يكتب :الطعن في الظهر

بوابة الوفد الإلكترونية

هل صحيح أن الطعن من الأمام أكرم وأحفظ للود من الطعن في الظهر؟ هل ضربة السكين في القلب من موقع المواجهة تختلف عن تمزيق نفس القلب اذا تم غرس السكين به من الخلف؟.لقد ذكر أحد الحكماء في موضع السخرية واليأس من الصداقة ان الصديق الحقيقي هو الذي يطعنك من الأمام، بينما يقول الصحابي الجليل خبيب بن عدي: ولست أبالي حين أُقتل مسلماً..على أي جنب كان في الله مصرعي.

لقد سمعنا في المأثور الشعبي من يتمنى على صديقه اذا ما قرر ان يبيعه ان يجعل الثمن غالياً ومكافئاً لقيمة الصديق وحجم الصداقة، لأنه قد وقر في النفوس ان البيع بالرخيص مؤلم للغاية.. وفي يقيني ان بيع الصديق لصديقه بثمن مرتفع يدفع حقاً الى الحنق والغضب، لكنه ذلك الغضب الذي يخفت بالتدريج ويتلاشي، بينما البيع بثمن بخس تأثيره مدمر فهو يدفع الى قاع من اليأس والاكتئاب والمرض النفسي نتيجة الشعور الخاطئ بالهوان والضعة..فهل تتوافق هذه الأمنية بالبيع بثمن غال مع سخرية الحكيم الذي طلب الطعن من الأمام وفاء للصداقة!.ولكن لماذا الطعن من الأساس بين الأصدقاء وهل صار البيع حتمياً حتى نطلب الترفق عند اجرائه ونطلب اللطف فيه؟.يبدو ان الأمر كذلك، ولكن اذا كان البيع بالغالي مفهوماً فكيف نفهم مزايا تلقي الطعنة من الأمام؟ أعتقد ان وصم الطاعن من الخلف بالجبن قد وصّف الحالة لكن دون ان يفسرها، ذلك ان حامل السلاح الذي يبغي الشر بخصمه أو بصديقه يملك امكانية الحسم في كل الأحوال سواء واجه الرجل وطعنه من الأمام أو باغته ورشقه من الخلف، فما الذي يجعله يخشى النظر في عيني الضحية ويؤثر ان يدفن نفسه وسلاحه في الظهر متفادياً تلاقي العيون؟ أظن السبب يكمن في ان العيون ليست مجرد وسيلة للرؤية والابصار لكنها تختزل الانسان كله في نظرة، وبامكانها ان تحمل في لمحة كل الأمل والألم والعتاب، وهي حاملة ومستقبلة رسائل طوال الوقت، لهذا فان كثيراً من الناس تتحاشى النظر في عيون من تحدثه سواء من أجل ان تخفي الكذب الذي تلوكه أو الشر الذي تضمره، وقد قالوا من قديم ان الصبَ تفضحه عيونه، أي ان العاشق مهما اجتهد في اخفاء مشاعره فان نظرة منه الى المحبوب يراها الناس، كفيلة بكشف قصة الحب التي اجتهد العاشقان في

تخبئتها، والشاعر أحمد فؤاد نجم وصف عيني المرء بأنهما «شباكين ع القلب دوغري موصّلين» أي ان ما يعتمل في داخل النفس وما يموج به الصدر من مشاعر وأفكار يجد ترجمة تنقلها العينان للناس بمنتهى البساطة..لذلك فان القاتل يخشى من مواجهة كل ذلك ويتحاشى ان تلتقي عيناه بعيني صديقه خشية ان يُضمّن المقتول نظراته رسائل لا تُحتمل في تلك اللحظات بها ذكريات عن ملاعب الصبا وعن الفتيات وعن المشاجرات التي دخلها لأجل صديقه والمواقف التي حماه فيها من الفضيحة وستر عليه فيها وكذلك المرات التي أنقذ حياة قاتله من الموت..كل ذلك لا يود القاتل ان يتعرض له خشية الكوابيس الليلية التي ستصاحبه بقية العمر وتفسد عليه المغانم التي حصدها من طعن صديقه..هذا فضلاً عن الأشعة التي تخرج من العينين المغدور صاحبهما..تلك الأشعة التي يخشاها الناس حتى في أوقات السلم والحياة الطبيعية فيما بينهم، ويمكن لمثال المصعد ان يكون كاشفاً حيث يخشى الغرباء الذين يضمهم الأسانسير ان تتلاقى نظراتهم خوفاً من الأشعة التي لا يبطلها سوى الود بين الناس، فيحملق كل منهم في السقف أو يتشاغل بالعبث بشاربه أو النظر في المحمول..يحدث هذا لتفادي الأشعة التي تخرج من العينين خشية ان تحمل موجات ضارة.لكل ذلك فان الحكيم قد وصف الصديق الحقيقي بأنه ذلك الذي يطعن من الأمام، وربما قصد ان يستثير نخوة صديقه القاتل ويستدرجه الى ملعبه حيث تتلاقى نظرات العيون وقت الطعن فيضمن بهذا ان يقذف بقاتله الى أتون العذاب الأبدي.
نقلا عن صحيفة الوطن الكويتية