عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عبد المنعم سعيد يكتب :الربيع السلفي في الشرق الأوسط

بوابة الوفد الإلكترونية

منذ عام مضى كانت «عملة» الربيع العربي لا تزال رائجة، ولها مبرراتها، فحتى جماعة الإخوان المسلمين كانت تتحدث عن الدولة المدنية، وجميع القوى وجدت في الديمقراطية هدفا لها. كان الحديث عن الدساتير يسير في اتجاه الخلاص من ملامح الاستبداد، وكان الكل يشمر عن ساعده استعدادا لفترة من البناء والتعمير، على أسس جديدة هذه المرة كما قيل، حيث لا زواج بين المال والسلطة، ولا سيطرة لعسكر، وإنما لقوى ديمقراطية يانعة، وشباب جديد تربى في رحاب «فيس بوك» و«الإنترنت» أو آخر ما أنتجته الحضارة المعاصرة من علم وعولمة.

قبل أن يمر عامان على نشوب الثورة التونسية حيث كانت بداية الربيع، تغيرت الصورة تماما، وحتى الجدل الذي كان ذائعا بين الإخوان المسلمين والقوى الليبرالية في المنطقة في الصحف والشاشات التلفزيونية أخذ في الشحوب وظهرت على السطح جيوش جديدة من «السلفيين» لهم هيئة مختلفة؛ فهناك دائرة خاصة على الجباه، وهناك انتشار للجلباب القصير، واللحية ممتدة إلى أقصى مدى، تمثل من ناحية طاعة دينية، ولكن الأهم كما يبدو فهو إعلان سياسي. هذا الإعلان أخذ في كثير من الصراحة يقدم نوعا من الازدواجية التي تقوم من ناحية على الاستفادة من كل أشكال «الديمقراطية» من حرية التعبير والانتخابات والمجالس الشعبية؛ ومن ناحية أخرى إعلان أن لذلك طبيعة مرحلية. وربما كانت جماعة حازم أبو إسماعيل السلفية هي الأكثر فجاجة من الجميع عندما أعلنت خروج الليبراليين واليساريين عن الدين الإسلامي ومن ثم فإن العلاقة معهم ليست المنافسة في ساحة انتخابية، وإنما حرب بين الإسلام ومنكريه.
تدريجيا اختفى «شباب الثورة» والربيع، وحتى من بقي منهم مثل «الألتراس» «الأهلاوي» في مصر فقد أصبح الأقرب إلى جماعة فاشية تريد فرض رأيها على المجتمع بغض النظر عن سيادة القانون. ولكن هؤلاء ضمن الصورة العامة لا يمثلون الكثير، ولم يكن أحد في أكثر كوابيسه جنونا يتصور أن يحل محل استبداد زين العابدين بن علي جماعات تسير في الشوارع تقتحم الأفراح، وتتدخل في سلوكيات البشر في المحلات العامة. أصبحت الجماعات السلفية منتشرة في شوارع مدن الربيع العربي الذي بعد أن كان يعبر عن ثورة «الياسمين» و«اللوتس» أصبح سائدا فيه لون أسود لسيدات منتقبات، ومعهن رجال تسود وجوههم الجهامة والغضب الشديد، والإحساس الكامل أنهم بسبيلهم للسيطرة على الكون.
ولكن حتى هؤلاء السلفيون فيهم قدر من الرحمة، فحتى الآن يقسمون اتجاههم إلى السيطرة إلى مرحلتين، واحدة منهما على الأقل سوف يقبلون المنافسة مع فرق أخرى، وبعد فوزهم الكاسح المنتظر فلن تكون هناك فرق أخرى بعد أن قال الشعب كلمته. بل إن هناك من يريد أن يختصر المرحلتين؛ فأعلن السيد حازم صلاح أبو إسماعيل في القاهرة أنه يريد انتخاب جمعية تأسيسية للدستور، وعندما يتم اكتساحها من قبل جماعته والجماعات المشابهة يكون الأمر قد حسم منذ البداية. ولكن ذلك أمر وارتباط السلفية بالسلاح أمر آخر، فقد قطعت السلفية العربية طريقا طويلا من طاعة ولي الأمر إلى حمل السلاح ليس ضده فقط ولكن ضد المجتمع المسلم نفسه حتى يسير على الصراط الذي حدده فقهاء السلفية التي تجمدت رؤيتها عند صورة مجتمع بدائي لا يعترف بالآخر، ولا يقر أن الدنيا قد تغيرت بحيث لا تسمح بزيجات البنات في سن التاسعة لأن مسؤوليات الأسرة والعلاقات الإنتاجية والاجتماعية لا تسمح للأطفال بتحمل هذه المسؤولية.
ومع ذلك فإن المحاجاة مع من حمل السلاح صارت من المستحيلات التي لا رجاء فيها. وخلال الشهور التي سبقت ظهر أن الجماعات السلفية المسلحة قد باتت حقيقة زاحفة على المجتمعات العربية. صحيح أن بعضا منها كان موجودا قبل «إشراق» الربيع العربي مثل تنظيم الشباب في الصومال الذي لم يعجبه كثيرا حكم جماعة الإخوان ممثلة في حركة المحاكم الشرعية. وكانت هناك أسماء ترددت عن جماعات سلفية جهادية في العراق، والشام، والجزيرة العربية، ولكن هذه ظلت محكومة بتوازن للقوى مختل في غير صالحها على الإطلاق ولصالح السلطات

الحاكمة. ولكن الحال الآن ليس كذلك فقد تغيرت الصورة تماما.
لقد أتاح «الربيع العربي» وثوراته «السلمية» في مصر وتونس، والعنيفة في اليمن وليبيا وسوريا، حالة ثرية من الحركة للسلفيين، خرجوا فيها من سباتهم في الجمعيات الشرعية وأنصار السنة المحمدية التي تقوم بالعمل الاجتماعي ويحتمي فيها الناس من إغراءات الدنيا وشكوكها. ومع وجود هؤلاء في الشارع وفي قلب المظاهرات والاعتصامات والإضرابات، أصبحت هناك شعرة رفيعة من سلفية من نوع آخر، جهادية هذه المرة، وحاملة للسلاح الذي كان هائلا في المخازن الليبية، وبقايا الحرب الأهلية في السودان، والمتوافر من كل نوع مع الحرب الأهلية في الصومال واليمن والعراق.
وهكذا تحركت البنادق والمدافع والقواذف والصواريخ كما يحدث في الأواني المستطرقة، وبرزت السلفية المسلحة في جماعة الطوارق في شمال مالي، ومنها جرت الامتدادات التي تدعم جماعة «القاعدة» في المغرب «الإسلامي» الممتدة أفريقيًا حتى جماعة بوكو حرام في نيجيريا. ولكن ليبيا كانت هي التي باتت جنة السلفيين المقدسة حيث السلاح والفوضى وأفراد جاءوا من سجون غوانتانامو وعلى استعداد لقيادة جماعات أنصار الشريعة والتي كان من بينها من هاجم القنصلية الأميركية وقتل السفير الأميركي كريستوفر ستيفنز ومعه اثنان من عناصر المخابرات الأميركية واثنان من حراس «المارينز». أصبحت الصلة بين جماعة أنصار الشريعة في بنغازي، ومثيلاتها في درنة وتونس وبقية المغرب الإسلامي تمثل شبكة واسعة تعتدي على المساجد الصوفية، وتصفي قتلا المسؤولين الأمنيين في الأنظمة السابقة دون محاكمة، وتقوم بمقام جماعات لضبط الأخلاق العامة كما تتصورها. وفي حادثة جرت في السويس قامت واحدة من هذه الجماعات بقتل شاب لأنه لم يثبت لهم أن الفتاة التي تسير معه هي خطيبته. ولكن التماس بين الجماعات السلفية والعنف في مصر وصل إلى أقصاه في سيناء حيث بدأت جماعة الجهاد والتوحيد وأنصار بيت المقدس حربهم الخاصة ضد إسرائيل، ولما اعترضت قوات الأمن المصرية والقوات المسلحة تم قصف مقر الأمن في محافظة شمال سيناء، وجرى الاعتداء على مواقع للجيش المصري. وتم ذلك بالتوازي مع شن هجمات على إسرائيل بغرض فرض الصراع والحرب على الثورة المصرية التي لا تزال تعيش آمال الربيع الذي تقوم فيه بالتنمية وبناء البلاد وإسعاد العباد.
التحول جوهري ويجري بمرونة شديدة، فإذا كانت السلطة قوية خلقت السلفية قواعدها بغطاء من الدين والتقوى. وإذا ضعفت السلطة ووهنت بفعل لفحات الربيع خرجت في شكل أحزاب تسعى إلى الهيمنة من خلال الديمقراطية لمرة واحدة، وإذا هانت السلطة تماما، كانت الحرب المسلحة على الدولة والمجتمع. الصورة بائسة، ولكن الأكثر بؤسا أن لا أحد يراها، أو يفعل شيئا بشأنها.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط