رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

جهاد الخازن يكتب:(حظّي هذه الايام «هباب)

جهاد الخازن
جهاد الخازن

جاءني صديق وأنا داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة وقال بقلق مصطَنَع: أهرب، إختفِ، إختبئ. سألته لماذا؟ فقال إن اسرائيل وأنصارها «قطعوا لي ورقة»، وهي عبارة لبنانية تعني أنهم يريدون رأسي.

الصديق قال إنه قرأ في مترو نيويورك دعايات تقول «خذ جانب المدينة ضد المتوحشين، أيِّد اسرائيل ضد جهاد». المقصود هنا الجهاد، إلا أنها تُكتب بالانكليزية من دون «ال» التعريف، فيبقى من الكلمة إسم العبد الفقير الذي هو أنا.
إذا اختفيت قريباً، فالقارئ يعرف مَنْ يطالب بدمي، ولكن أتجاوز استهدافي لأنبّه القارئ الى العنصرية الفجّة في اعتبار أعداء اسرائيل متوحشين، وهي دولة نازية جديدة عنصرية مجرمة، الوحشية إسم آخر لها.
لم أكن بحاجة الى اسرائيل وعصابتها لأعرف أن حظّي هذه الايام «هباب»، فقد هطل المطر فجأة ليغسلني وتركني من دون عصْر، وعندما حملتُ مظلة تلاشت الغيوم بما يشبه السحر.
وتابعني سوء الحظ داخل قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة وهي مسقوفة فلم تمطر السماء على رأسي وحدي، وإنما وجدتُ أنني أريد أن أسمع كلمات المسؤولين العرب وبعض الكبار، وأجد أن بين خطاب أريد سماعه وآخر عشرة خطباء بعضهم لم أكن أعرف أسماء بلادهم. وحدث ذات يوم الأسبوع الماضي أن استيقظتُ مبكراً لأسمع كلمة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، فقد كان أول الخطباء. وسمعته وانتظرت ساعتين لأسمع خطاب الرئيس المصري محمد مرسي، فقد كان بينهما ثمانية خطباء.
وإذا كان ما سبق لا يكفي، فكل خطيب سمعته أطال من دون أن يكون أجاد، وتذكرت قول الشاعر: خَطَبتَ فكنتَ خطْباً لا خطيبا / يُضاف الى مصائبنا العظام. بل إن كل خطيب سمعته تجاوز الدقائق المسموح له بها، وعندما يحدث هذا يُضاء ضوء أحمر أمامه حتى «يتكتم». غير أن الخطباء هذه السنة جميعاً كانوا مصابين بعمى ألوان، واعتقدوا الأحمر أخضر وبعضهم لا يزال يتحدث.
لم يكن الخارج أفضل، فهناك ركن مخصص للمتظاهرين، ورأيت رئيس غينيا يسير مع وفده، وعلى الجانب الآخر متظاهرون عصبيّون يرتدون قمصاناً حمراء يسيرون ويلوّحون بقبضاتهم مهددين ويشتمون الدولة كلها. وأصابني أنصار التيبت وغيرها بالصمم لارتفاع أصواتهم. وكان المتظاهرون السوريون ضد النظام صاخبين أيضاً. ولعل أفضل تظاهرة هذا الموسم كانت من شاب واحد رفع لافتة صغيرة تقول «كذبوا عن العراق، والآن يكذبون عن ايران».
في الجمعية العامة أنا عضو وفد (وأحياناً وفدين) وأختار عادة أن أجلس مع الوفد اللبناني، فلي فيه أصدقاء مثل السفير أخينا نواف سلام وزوجته أختنا وزميلتنا سحر بعاصيري. وهناك عادة متدربون شبان وشابات،

يُرسلون لقضاء سنة تدريب، وبعضهم يبدو صغيراً الى درجة أن أكاد أناديه بكلمة «عمّو».
هذه السنة جلستُ كثيراً مع الوفد الأردني، فالترتيب الأبجدي أعطى الأردن موقعاً أمام المنصة تماماً. وقال لي صديق لبناني: لو أن قطر في هذا الموقع لقلتُ إنها اشترته.
ومن المطر والخطباء الى الكتب، فأنا أعرف نيويورك منذ عقود، والشارع الخامس (فيفث افنيو) المشهور يفصل بين شرق مانهاتن وغربها، ومضى يوم كانت فيه أربعة متاجر كبيرة لبيع الكتب والآن لم يبقَ سوى متجر واحد وأخشى أن أعود السنة المقبلة ولا أجده. وشكوتُ أمري فقال لي زميل دراسة سابق في جامعة جورجتاون إن متجر الكتب المشهور الذي كان يشغل مبنى بكامله أغلِق أيضاً.
خير جليس في الزمان كتاب، وأترك للمتنبي أن يركب «أعز مكان في الدنا»، أو صهوة حصان. غير أن تكنولوجيا العصر تعني ألا نتجول في أروقة مكتبة ونتصفح الكتب ونختار ما نريد، بل أن نطلبها عبر مواقع بيعها على الانترنت.
هذا ظلم، وقد اتهمتُ به أيضاً، فأحد أعضاء الوفد المصري قال لي إنني أظلم الإخوان المسلمين ولم أدافع عن نفسي، وإنما قلتُ له إن الأمة كلها مظلومة، فلماذا لا يُظلم الإخوان معها. على الأقل، الرئيس محمد مرسي لم يتهمني بشيء.
وأختتم بشيء لم يحدث، فقد غاب الرئيس العراقي جلال طالباني هذه السنة، لأنه يمر بفترة نقاهة بعد مرض. مام جلال صديق ذكي ظريف جداً يروي الطرف عن نفسه، ولعله يخترعها، فلا أراه حتى يحكي لي شيئاً جديداً، وكان آخر ما سمعتُ منه وعنه: تعددت الأسباب والموت واحد... من لم يمت بالسيف مات بالشتا.
أقول إن الشتاء على الأبواب.
نقلا عن صحيفة الحياة