رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

عبدالله ناصر العتيبي يكتب:مرسي العربي ومرسي الأفريقي ومرسي المسلم!

عبدالله ناصر العتيبي
عبدالله ناصر العتيبي

كتب الدكتور منصور حسن عبدالرحمن وهو أحد قراء موقع صحيفة الأهرام، تعليقاً على خبر نشرته الصحيفة عن كلمة الرئيس محمد مرسي في الدورة 67 للجمعية العامة للأمم المتحدة ما يأتي:

«ذهب مرسي ليقدم شخصه للمجتمع الدولي لا أكثر ولا أقل».
وأظن أن صاحبنا الدكتور منصور، قفزاً مني في قلب نواياه، يعتقد أن مرسي لم يحمل معه إلى مبنى الأمم المتحدة هموم بلده ومنطقته ولم يعطهما ما يكفي من الاهتمام، وإنما اكتفى بتغليف مرجعيته الإخوانية وتقديمها هدية أنيقة للعالم في محاولة منه لتطمين المتشكك في وجود ديموقراطية في ظل مرجعية دينية، ولتبرير اختيار الشعب المصري جماعةً ذات خلفيات إقصائية.
لكني أظن أن مرسي لم يستغل هذا المحفل الدولي للترويج لشخصه أو مرجعيته السياسية أو الفكرية، فهو لم يوغل في تزويق اللغة بحثاً عن حضور ذي تأثير مباشر في منطقة الجماليات في عقول مستمعيه، من أجل استدرار انتباههم الموقت لعظمة مصطنعة. ولم يتحدث عن دوره شخصياً في مستقبل المنطقة. ولم يُفصل في شرح عملية الانتقال الديموقراطي في مصر ودور جماعته في ذلك، والتي كان من أهم ثمارها وجوده في مبنى الأمم المتحدث كممثل شرعي للشعب. الأمر الوحيد الذي أثنى به على نفسه كان إشارته إلى أنه أول رئيس مصري منتخب، وأظن أن هذه الإشارة جاءت على سبيل التعريف لا أكثر، وبالتالي فإن تعليق أخينا الدكتور منصور لم يكن في محله من الناحيتين الشكلية والموضوعية، وربما كان وراءه شيء من حتى «الضد - إخوانية»!
جاء مرسي إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة حاملاً ثلاثة نماذج «مرسوية» عامة، بدأها بالعربي ثم الأفريقي ثم الإسلامي، وحمّل كل نموذج حزمة من المطالب «الناعمة» التي لا تصطدم مع المفاهيم الدولية العامة، لكنها في المقابل لا تصنع موقفاً حاداً يمكن أن يغير من مجرى السياسة الدولية باتجاه مناطق الحلول!
كانت كلمة مرسي كوزموبوليتانية أنيقة وذات أطراف أممية، لكن على خلاف امتعاض صاحبي الدكتور حسن، فإن لي بعض الملاحظات الصغيرة التي تتعلق بكيفية أدائه على منصة الأمم المتحدة ومدى تأثير كلمته في المجتمع الدولي.
في البدء تحدث مرسي عن حق الفلسطينيين في إنشاء دولتهم المستقلة وأشار في شكل ضمني إلى دعمه مشروعَ حل الدولتين، لكنه على رغم ذلك لم يذكر إسرائيل صراحة، واستبدلها في الجزء المتعلق بالصراع العربي - الإسرائيلي في خطبته بـ «الطرف الآخر» حيناً، والضمير المستتر الغائب أحايين كثيرة. هذا التجاهل المتعمد لوجود إسرائيل لا يستقيم مع الندية العربية - الإسرائيلية التي يفترض في مرسي أن يكون من أبرز فرسانها بحثاً عن حل دائم وشامل، ولا يستقيم كذلك مع الواقع المصري الذي يحتضن سفارة إسرائيل في وسط القاهرة! ولا يتفق مع دعوته المجتمع الدولي إلى نصرة الحق الفلسطيني ودعم القضية الفلسطينية في مقابل «شبح» لا يظهر في أقوالنا، لكنه يمد رجليه في أفعالنا.
حاول مرسي كثيراً أن يقفز فوق الكلمات كي لا تلمس كلمة إسرائيل فمه، لكن كان من الواضح أن هذه الكلمة العبرية تحضر بقوة في عقله ويتم إخفاؤها بقوة أيضاً في المنتج النهائي للتعبير، إذ إنه عند الحديث عن الشعب السوري، استبدل بفلتة من لسانه السوري بـ «الأسـ»، ثم ما لبث أن صحح الكلمة في وعيه الحاضر!
كان على مرسي أن يعرف أن نقطة السلام الأولى ينبغي أن تكون مشتملة على الوجود الإسرائيلي كواقع (في القول والفعل)، لا يمكن الافتكاك منه تاريخياً، اتساقاً مع المبادرة العربية التي أعلنت في بيروت في عام 2002، ولا يمكن في الوقت الحاضر، تقنياً، أن نعمل على السلام العربي - الإسرائيلي من دون الاعتراف أولاً بوجود إسرائيل ككيان متحقق على أرض الواقع. ولا يمكن أن يقبل منا العالم أن نتجاهل إسرائيل عندما نتحدث إليه، فيما نطالبه بأن يساعدنا على الضغط عليها لقبول العتبة الأولى في سلم أحلامنا!
حديث مرسي عن السودان كان أيضاً مخالفاً لما كان يتوقعه منه المجتمع الدولي. مرسي خلال كلمته أوضح عن دعمه الكامل لنظام حسن البشير وطالب المجتمع الدولي بمد يد العون له، كي يعبر السودان بدولتيه منعطف الفرقة والشتات. كان

مرسي في هذه الجزئية عروبياً أكثر من اللازم وهو يدعو المجتمع الدولي لدعم نظام عليه الكثير من الملاحظات، التي أدناها احتفاظه بالسلطة المطلقة منذ ما يزيد على 23 عاماً، وأعلاها الإبادة غير الإنسانية لأطياف مختلفة من المكون السوداني. لا يمكن أن يبرر ويفهم العالم مبدأ: «وما أنا إلا من غزية إن غزت»... في الوقت الذي نطلب منه دعم قضايانا العادلة! كان حرياً بمرسي أن يرسل للعالم رسالة مفادها أن الشعب السوداني في حاجة لوقوف المجتمع الدولي بجانبه لتجنيبه الفرقة والشتات، سواء بالدعم المباشر للشعب أو للأخذ بيد الحكومة - بطرق شتى - للتحول نحو الديموقراطية الكاملة، لكن أن يطلب من العالم أن يحتضن نظاماً مطلوباً للعدالة الدولية ويدعمه، فهذا واحد من أسباب كثيرة تجعل المجتمع الدولي ينظر منذ سنوات طوال للمطالب العربية «العادلة» نظرة تشكيك وريبة.
حديث مرسي عن سورية ومطالبته نظام الأسد بالرحيل شابه الكثير من الضبابية أيضاً، فرفضه القاطع للتدخل العسكري لإسقاط النظام لم يُعزز بخطة عمل واضحة تسفر في النهاية عن وقف نزيف الدم السوري. كل ما قاله مرسي هو أن علينا أن نمنع التدخل العسكري، ونمضي بقية وقتنا في الانتظار! وعلى رغم إشارته إلى اللجنة الرباعية التي شُكلت بمبادرة مصرية إلا أنني أعرف ومرسي يعرف والقارئ الكريم يعرف أن الحل ليس في وسع دول المنطقة فقط، بل يجب الضغط على أميركا والدول الغربية لتساهم في خلق ممرات اختراق استخباراتية مناسبة، يستطيع بها السوريون القضاء على نظام بشار من الداخل، ويأتي بعد ذلك دور دول المنطقة سواء في اللجنة الرباعية أو تجمع دول الجوار في ضمان انتقال الحكم في شكل سلس وسلمي، من خلال حكومة منفى تتشكل برعاية هذه الدول، وتتولى إدارة شؤون البلاد في الفترة الانتقالية لخمس سنوات على الأقل لتقطع الطريق على الجماعات المتطرفة والقوى غير الديموقراطية وغير المدنية من الانفراد بحكم بلد يتخلق من جديد، ويطمح للتعددية غير المحسوبة وصناديق الاقتراع «غير كاملة النمو» ولو كان ذلك على حساب استقرار مستقبله.
وأخيراً فإن مرسي أيضاً لم يوفق في جزئيته الإسلامية عندما خلط بين منصبه الرئاسي والعداء لكل مَنْ يعادي رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه. كمواطن مسلم لك كل الحق في عداء من عادى الرسول، لكن كرئيس دولة يتحدث من منبر الأمم المتحدة من عليك أن تعادي؟! صانع الفيلم الذي هو في فضاء غير فضائك؟ أو رئيس دولة صانع الفيلم الذي هو الند الفعلي لك؟!
كان مرسي واضحاً وصريحاً وشفافاً وعاقلاً في كلمته، لكنه جاء مدفوعاً بعاطفة الجماهير، وفات عليه أن السياسة ليست خطبة جمعة خالصة وليست تدبير ليل مؤامراتي خالص، وإنما بين ذلك قوام.

نقلا عن صحيفة الحياة