رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

سليمان جودة يكتب :وجهان للشبه بين مرسي وعبد الناصر

بوابة الوفد الإلكترونية

أذكر الآن، أني كنت قد كتبت في هذا المكان، قبل عدة أسابيع، عن قصة الصحافي الإنجليزي الذي كان قد التقى جمال عبد الناصر، بعد أن استقر له الحكم في القاهرة، في مطلع الخمسينات من القرن الماضي، وكان أن سأله سؤالا محددا، عن موقع إسرائيل على أجندته، كرئيس جديد لمصر.

لم يكن السؤال إياه، هو السؤال الوحيد في اللقاء بينهما طبعا، وإنما جاء ضمن أسئلة أخرى، ثم تبين لاحقا، أن هذا السؤال على وجه التحديد، كان هو المقصود من وراء اللقاء كله، وما عداه كان نوعا من التفاصيل للتغطية على الغرض الأصلي، وكانت إجابة عبد الناصر عنه أن تل أبيب لا تشغله الآن، وأنه مشغول بتنفيذ خطة كبيرة للتنمية في بلاده.
قيل فيما بعد، وهو كلام منشور، في أكثر من موضع، إن الصحافي قد نقل جواب السؤال إلى ديفيد بن غوريون، رئيس وزراء إسرائيل وقتها، وأن الأخير عندما سمع بما جاء على لسان عبد الناصر، قال تلقائيا: «هذا أسوأ خبر سمعته من مصر!». ولم يكن الخبر الأسوأ بالنسبة له، أن الرئيس المصري، غير منشغل بإسرائيل، وإنما كان الخبر الذي أزعج رئيس الوزراء الإسرائيلي للغاية أن «ناصر» مشغول بالتنمية ليحقق مستوى من المعيشة أفضل، لأبناء بلده، ولا بد أن اتجاها كهذا، حين يسود في مصر، ويسيطر على عقل رئيسها، فإنه قطعا لا يسعد القائمين على الحكم في الدولة العبرية!
تذكرت القصة في إجمالها، عندما طالعت تفاصيل الحوار الذي أجراه صحافيان من صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية مع الرئيس محمد مرسي، قبيل مغادرته إلى نيويورك، الأحد الماضي، ليشارك في الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، ويُلقي كلمة مصر فيها.
هناك وجهان للشبه، بين ما جرى مع عبد الناصر، قبل نصف قرن تقريبا، وما جرى مع مرسي.. أما وجه الشبه الأول، فهو أن الحوار، في الحالتين، جرى بعد شهور من وجود الرئيس الجديد على مقعده، وأما الثاني، فهو أن هناك تشابها، من نوع ما، بين كلام قيل هناك، على لسان الرئيس عبد الناصر، وكلام قيل هنا، على لسان الرئيس مرسي، مع اختلاف السؤال في المرتين.
ذلك أن عبد الناصر، إذا كان قد قال، في حينه، إن ما يهمه، هو أن يحقق نموا، ثم تنمية من بعده، للبلد، فإن مرسي، بدوره، قد قال إن مصر لا تعادي الغرب، ولن تعاديه، ولكنها في الوقت نفسه، لن تكون تابعة له.
ومفهوم، أن عدم التبعية الذي يقصده الرئيس مرسي، ويتمناه، لن يتحقق، إلا إذا بدأ هو فانشغل لسنوات بما كان عبد الناصر، قد قرر، ابتداء، أن يعكف عليه، ويشغل نفسه به، على المستوى الاقتصادي.
غير أن الأهم هنا، هو هذا السؤال التالي: هل يستطيع مرسي أن يحقق الاستقلالية التي يريدها، لبلده، بحيث يكون البلد قادرا بالفعل، لا بالقول وحده، على أن يقيم علاقة من عدم التبعية، بينه وبين الغرب عموما؟!
وبمعنى آخر: هل يستطيع الرئيس مرسي، أن يقفز فوق العقبات الحقيقية التي يمكن أن تقف في طريقه، وهو يسعى إلى تحقيق ما يعنيه في حواره؟!
نعرف أن عبد الناصر، كان قد طلب من البنك الدولي، أن يمول بناء السد العالي، ولكن لأن اتجاهه ذاك، نحو التنمية، مع أشياء أخرى، من جانبه، لم تكن تعجب الولايات المتحدة، فإنها أوعزت من ناحيتها، إلى البنك، بأن يمتنع عن توفير التمويل اللازم، فكان أن لجأ الرجل إلى تأميم قناة السويس، لعله يستطيع من عائدها، أن يوفر ما امتنع البنك الدولي عن توفيره.
نحن، إذن، أمام رئيس كان يعني ما يقول، ولذلك، فإنه عندما تبين له، أن تمويل البنك للسد العالي، يمكن أن يعترض طريق استقلالية قراره، وعدم تبعية بلاده، قفز فوق هذا العائق، وقرر أن يتجه إلى تحقيق هدفه، من مورد آخر على نحو مباشر!
قد نختلف اليوم، حول سلوك عبد الناصر، وحول كلامه، ولكن ما يعنيني في هذا المقام، أن أؤكد أن هذه الحالة من عدم التبعية التي أشار إليها الرئيس مرسي، لن تُتاح بالكلام، أو بمجرد الرغبة فيها، وإنما تُتاح بالقدرة عليها، قبل الرغبة وبعدها!
وليس سرا، أن مصر تفاوض صندوق النقد الدولي، هذه الأيام، على اقتراض 4.8 مليار دولار، وإذا عرفنا أن حزب الحرية والعدالة الذي يمثل الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، التي ينتمي إليها الرئيس، كان - أقصد الحزب - قد عارض بشدة، هذا القرض، قبل انتخاب الرئيس، ثم عاد، في الوقت الراهن، ليؤيد الحصول عليه، ويتحمس له.. إذا عرفنا ذلك، أدركنا بالتالي، على الفور، إلى أي حد يمثل القرض حالة من الضرورة بالنسبة لحكومة الدكتور مرسي، وأدركنا أيضا مدى الصعوبة في أن يتخلى الرئيس، أو حكومته، عن القرض.
إن الحكومة التي تطلب قرضا بهذا الرقم، ثم تلح في الحصول عليه، لا بد أن تتمهل، قبل أن تفكر في عدم التبعية، فضلا عن أن تنتقل من مجرد التفكير، إلى التصريح بذلك علنا!
وعلى جانب آخر، فإن أحوال الاقتصاد المصري، في أيامنا الحالية، ليست خافية على أحد، من حيث صعوبتها البالغة، وشدة ظروفها، ولو كان هذا الاقتصاد، في حالته الطبيعية، أو حتى شبه الطبيعية، ما كانت الحكومة قد لجأت إلى طلب قرض بهذا الحجم، وما كان القرض قد بدأ في صيف العام الماضي، من عند 3.2 مليار دولار ليصل في صيف هذا العام إلى 4.8 مليار، وما كان الاحتياطي الأجنبي في البنك المركزي، قد تراجع إلى ما يقرب من نصف ما كان عليه عند قيام ثورة يناير 2011، وما كان العجز في ميزانية الدولة قد وصل في موازنة العام الحالي إلى 170 مليار جنيه، وما كان.. وما كان!
غاية ما أريد أن أقوله، إن كلام الدكتور مرسي، عن عدم تبعية مصر للغرب، كلام جميل، بل وممكن، بشرط أن يكون اقتصاده سوف يسعفه في ذلك، وبشرط أن يعكف على خطة من النوع الذي كان عبد الناصر قد عكف عليها اقتصاديا، وبشرط أن يكون، وهو يتكلم، قادرا، على أن يستغني عن قرض صندوق النقد، وأن يحصل عليه، إذا تم، بشروط مصر، لا بشروط الصندوق، وبما أن الشروط في مثل هذه الحالات، يضعها المقرض، لا المقترض، فإننا في حاجة إلى أن نراجع مفهوم عدم التبعية، ومتى يمكن أن ينطوي على مضمون، ثم متى يكون كلاما مفرغا من المعنى؟!
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط