رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

احمد القديدي يكتب :ليلة انقلاب القذافي العجيب على الزعيم بورقيبة

بوابة الوفد الإلكترونية

منذ ثلاثين سنة وبالأخص في ليلة من ليالي شهر مارس 1982 حدث لنا في تونس أمر غريب كنت دون إرادتي أحد شهوده و"لاعبيه" وإلى يوم الناس هذا أعتقد أن لا أحد لا في بلادي ولا في ليبيا الشقيقة يعرفه أو حتى سمع عنه. واليوم ونحن نعيش مرحلة الربيع العربي وتغيير مفهوم "أسرار الدولة" التي كان يمكن أن تضر بمصالح تونس لو أننا كشفناها في عز عهد العقيد الليبي وعهد الزعيم التونسي فالرجلان اليوم في ذمة الله ورحمته ولا بأس من أميط بعض الستائر عن محطات تاريخية مجهولة ليعتبر بها الشباب العربي حين يدرك كيف كانت تدار دولهم في لحظات من الزمن القديم وهي دول مشخصنة يلبسها رجل واحد يحيط به حزب واحد يحملها أمراضه البدنية والنفسية ويتحصن برهط غريب من البطانة الفاسدة القوية والبطانة الصالحة المستضعفة. وإليكم أسرد هذه الواقعة التي ظللنا في منافينا الطويلة نتذكرها ونتندر بتفاصيلها.

في مارس 1982 أدى العقيد القذافي زيارة إلى تونس نسميها نحن رسمية ويصر "قائد الثورة" على تسميتها بالشعبية. وهو ليس مجرد اختلاف في التسميات الدبلوماسية لأن بورقيبة كان يعتبر القذافي مجنونا وكان القذافي يعتبر بورقيبة مريضا بالخرف (وهذا سمعته شخصيا من الرجلين بالطبع كل على حدة) وكان العقيد يعلن لنا فجأة بأنه سيزور "مقام والده الزعيم بورقيبة" فيشكل بورقيبة لجنة استقباله في المطار وتنتظر اللجنة لكن العقيد يحل ببلادنا عن طريق البر من معبر رأس جدير! وفي المرة الثانية حين دعا القذافي نفسه لزيارة تونس شكل بورقيبة لجنتين لاستقبال الضيف واحدة في المطار والثانية في رأس جدير تحسبا للمقلب الأول فكانت المفاجأة! وهي أن "القائد" وصل إلى ميناء صفاقس عبر البحر وعادت اللجنتان بخفي حنين! السبب هو أن العقيد يفضل الوصول إلى تونس متسللا للالتحام مع الشعب معتقدا أن الجماهير التونسية ستهب لاستقبال "زعيم الجماهيرية" بتلقائية وحماس بل وربما نصبته قائدا لثورتها الشعبية وهو ما لم يحصل أبدا.
أما في مارس 1982 فقد حل الضيف مبجلا (مع خمسين فتاة عسكريات في غاية الجمال والأنوثة يحملن إشارات على زنودهن كتبت عليها عبارة النصر أو الشهادة) حتى أن بورقيبة سأل ضيفه مداعبا: النصر في أي معركة والشهادة من أجل أي غاية؟)، وقرر بورقيبة إسكانه في قصر السعادة بالمرسى وكلف وزير الدفاع صلاح الدين بالي "بالعناية بالضيف" أي في الحقيقة بالطبع ضمان سلامة العقيد ولكن أيضا إحاطة وحداتنا وأجهزتنا الخاصة بتحركاته والحذر من مكالماته واتصالاته والتحسب لكل مبادرة قذافية غير متوقعة.
وفي اليوم الثاني من تواجد قائد الفاتح بيننا اتصل برئيس الحكومة محمد مزالي وطلب منه أن يبعث بصحفي تونسي يحاوره على قناتي تونس وليبيا مباشرة.. فتصرف مزالي أمام هذه المفاجأة بحكمة واتصل بي هاتفيا ليعلمني بالأمر وكنت آنذاك رئيس تحرير لسان الحزب الحاكم وقال لي: حاوره أنت يا أحمد مع مدير الإذاعة عبدالعزيز قاسم وستكتفي قناتنا بالتسجيل لتبث الحديث قناة ليبيا وحدها مباشرة لأن

القذافي سوف لا يتردد عن كيل الشتائم لبورقيبة والهادي نويرة رئيس الحكومة السابق. وحللت مع عبدالعزيز قاسم بقصر السعادة حيث استقبلنا العقيد ورحب بنا وأخذني بالحضن مؤكداً لي أن عائلة القديدي من أخواله المقربين وأجرينا معه الحديث وهو خطاب العقيد المعروف والمكرر عن الكتاب الأخضر والنظريات العالمية الثالثة وبالفعل كال بعض التهم لمن عطلوا مشروع الوحدة بين تونس وليبيا وشتم "أمريكا" وانصرفنا شاكرين وكان يعتقد أن قناة تونس بثت كلامه مباشرة. وعندما هممنا بالمغادرة اقترب مني الرائد العواني وهو الضابط المكلف من وزارة دفاعنا بتأمين العقيد وهو من نفس مدينتي القيروان ليقول لي إن القذافي دعاه لتناول الشاي معه منتصف الليل وكلفني أن أستشير له وزير الدفاع ليأذن أو لا يأذن. فالرائد العواني وطني منضبط ويدرك خلفيات سلوك العقيد. وبالفعل اتصلت بصلاح الدين بالي وبمحمد مزالي فكلفاني بإبلاغ الرائد الأمر بأن يستجيب لدعوة العقيد ويتصل بوزير الدفاع مباشرة بعد المقابلة ويعلمه بتفاصيلها. وذهب الرائد يتناول الشاي مع العقيد فإذا بالقذافي يقول له: "ما شاء الله أنت عليك سمات الضباط الأحرار فلماذا لا تقوموا بإكرام والدنا الزعيم بورقيبة أمد الله في أنفاسه وتعفوه من أتعاب ومشقة السلطة وتضعوه على أريكة من ريش يستريح بعد سنوات المنافي والسجون والكفاح ونحن في الجماهيرية سنتكفل بكل شيء لمساعدتكم على هذا العمل الوطني الصالح".
كانت هذه رسالة العقيد الغريبة التي قرأناها على حقيقتها أي تدبير انقلاب على بورقيبة في عقر داره ولم يخبر بها أحد الزعيم الذي كان في الحقيقة يدشن مرحلة أرذل العمر ولكن تونس لم تكن في حاجة إلى هزات من هذا الصنف غير مأمون العواقب وإلى مغامرات قذافية مجهولة التداعيات في منطقة مغاربية مستقرة تبحث عن وحدتها وأخذ نصيبها من التنمية ونعرف جميعا ما آلت إليه الأمور في تونس وليبيا منذ ذلك التاريخ إلى اليوم. اللهم اهدنا إلى صراطك المستقيم أنت الهادي وأنت الرحمن الرحيم.
نقلا عن صحيفة الشرق القطرية