رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

علي الرشيد يكتب :الأسد إذ ينتقم من شعبه في أشد لحظات يأسه

بوابة الوفد الإلكترونية

لا غرابة أن يكون شهر أغسطس الفائت أكثر أشهر الثورة السورية دموية منذ انطلاقتها في شهر مارس 2011، حيث قتل فيه وفق تقديرات المرصد السوري لحقوق الإنسان 5440 شخصا، والسبب ببساطة أن بشار الأسد دخل مرحلة الانتقام من شعبه، بعد أن يئس من قدرته على قمع الثورة والانتصار عليها، وهو يرى بأم عينيه كيف أنها لم تستثن شبرا من أرض سوريا، وكيف أن الجيش الحرّ يحقق مزيدا من النجاحات النوعية على الأرض في الأشهر الأخيرة.

علامات الانتقام تتمثل في حجم القصف الجوي والحمم التي يصبها على رؤوس المدنيين في المحافظات والمناطق والقرى والأحياء التي تقف كتائبه المسلحة عاجزة عن دخولها أو اقتحامها أو الوصول إليها، وفي تدمير بيوتها وبناها التحتية، أو في حجم المجازر المروعة والإعدامات الميدانية التي يرتكبها في المناطق والقرى والأحياء التي يستطيع الوصول إليها، حيث زادت وتيرتها مؤخرا، ولعل هذا هو سبب ارتفاع حجم الضحايا في الشهر الماضي مقارنة بالأشهر الأخرى التي سبقته من عمر الثورة، وبالمناسبة فإن هذا النظام لم يعرف حرمة لخصوصية الأشهر أو المناسبات، حيث إن شهر أغسطس صادف شهر رمضان المبارك الذي يفترض أنه شهر عبادة وتراحم وتكافل، وعيد الفطر الذي يفترض أنه فرصة لإدخال الفرحة على النفوس ورسم الابتسامة على الوجوه وصلة الأرحام، وزيادة التواصل والتزاور بين المسلمين.
ما يشجع الأسد وكتائبه وشبيحته على مواصلة الانتقام هو:
ـ المجتمع الدولي الذي يكتفي بالتفرج على مناظر الموت اليومية حتى الآن، وإطلاق التصريحات المنددة بأفعال القتلة والتحذيرات الكلامية من عواقبها، دون أن تكون هناك إجراءات عملية رادعة للأخذ على يده، بل إن ثمة تحليلات ترى أن هذه العملية مقصودة، حيث ستصب في مصلحة الكيان الصهيوني الذي يسره أن يرى سوريا تحتاج إلى سنوات من إعادة الإعمار بعد انتصار الثورة، وقد يكون بإمكان هذا المجتمع أن يفعل الكثير، دون التدخل العسكري المباشر، كحظر سلاح الطيران الذي يستفرد به الأسد، وإقامة المناطق العازلة، وتمكين المعارضة من بعض الأسلحة النوعية كالأسلحة المضادة للطائرات، وتقديم العون المالي لهم.
ـ استمرار الدعمين الإيراني والروسي لهذا النظام على المستويات الاقتصادية والعسكرية لمنع منظومة حكمه من الانهيار، وجيشه من الاندحار، مع اختلاف الأجندات، فطهران تدعمه بقوة لأن انهيار نظامه يعني انهيار كامل الهيكل الذي عملت إيران على تشييده في السنوات الأخيرة بالشرق الأوسط كدولة ذات توجهات طائفية وتوسعية إقليمية، أما موسكو فتحاول استرداد دورها الدولي ومقايضة الغرب مقابل ذلك عبر سوريا.
إن وراء انتقام نظام الأسد أسباب كثيرة لعلّ أهمها، صعوبة مواجهته للثوار على الأرض، بحكم سيطرة الأخيرين على مساحة واسعة سوريا قد تصل إلى 60 % منها في أقل تقدير، وازدياد اعتماده بصور أكبر على القصف الجوي، وفشله في استعادة حلب من أيدي الجيش الحرّ، رغم مرور أكثر من شهر على معركته التي أطلق عليها اسم "أم المعارك"، وإنهاك واستنزاف قدرات كتائبه في أكثر

من محافظة وموقع من دير الزور والبوكمال شرقا إلى حمص وحماة غربا، ومن حلب وإدلب شمالا، إلى دمشق وريفها جنوبا، وانتقال الجيش الحر من سياسة الدفاع إلى الهجوم ونجاحه في تنفيذ عمليات نوعية تمثلت في إسقاط وتدمير الطائرات والاستيلاء على المطارات والمقرات العسكرية والأمنية، واستمرار المظاهرات السلمية رغم شدة العنف ضد المدنيين، وغيابه عن الشمال السوري غيابا شبه تام وبخاصة الريف الحلبي وحتى حدود تركيا.
وعلاوة على ذلك يشعر بشار الأسد أنه صار منبوذا من السواد الأعظم من شعبه الذي يهتف بسقوطه صباح مساء ويحطم صوره وتماثيله، وأنه لولا الدعم الذي يتلقاه من إيران وروسيا لكان قد سقط كما سقط أمثاله من حكام دول الربيع العربي التي نجحت ثوراتها، وأن هذه الدول ليست حريصة عليه أو على نظامه كحرصها على مصالحها، وهي بناء على ذلك قد تتخلى عنه ـ أو يتخلى بعضها عنه ـ في أي لحظة تتغير فيها المعطيات وتختلف فيه لعبة المصالح. ومثل هذا الوضع يجعل بشار الأسد في حالة نقمة عارمة، وكراهية للجميع تجاه الداخل والخارج، وهو يستشعر وضعه الراهن والمستقبلي بعد مضي أكثر من عام ونصف العام على الثورة ضده، ويتصرف على أساس: "أنا ومن بعدي الطوفان"، قصفا وتدميرا، متَّبِعا سياسة الأرض المحروقة التي قد ينتهجها المستعمرون تجاه الدول التي يحتلونها.
وبناء على ما سبق؛ فإن المتوقع أن تتواصل وتتزايد دموية النظام تجاه شعبه وانتقامه منه في الأيام القادمة، وذلك كلما شعر الأسد أن ساعة رحيله قد دنت. لقد استنزف الأسد وأبوه من قبله خيرات سوريا واعتبراها مزرعة خاصة بهما وبأسرتهما طيلة أكثر من أربعين عاما، وهاهو الأسد الابن يفعل الشيء نفسه في تعامله مع الثائرين ضد حكمه، فهو يستنزف دماءهم ويقتِّل أسرهم وذويهم، ويخرِّب ديارهم، معتقدا أنه لن يخسر شيئا طالما أنه راحل عن وطن لا ينتمي إليه فعليا، طال الزمن أم قصر.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط