رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

فهمي هويدي يكتب :أهراماتنا الجديدة في مصر

بوابة الوفد الإلكترونية

في الأسبوع الماضي، استقبلت الساحة السياسية المصرية مولودا جديدا باسم حزب الدستور يقوده الدكتور محمد البرادعي، وحسب معلوماتي فإن مؤسسيه أنفقوا أسبوعين أو ثلاثة في مناقشة ما إذا كان المولود الجديد يكون حزبًا فقط أم عنوانا لتحالف أحزاب عدة..

ومن الواضح أن كفة الفكرة الأولى هي التي رجحت. ويبدو أن حزب الدستور لن يكون آخر المواليد وإن كان أحدثهم، لأنني أعرف أن هناك خمسة أحزاب أخرى على الطريق. وطالما أن الباب مفتوح على مصراعيه فينبغي أن تتوقع المزيد، علما بأن بعض الأحزاب الجديدة ــ والقائمة أيضاً ــ تعول على البث الفضائي بأكثر من تعويلها على التأييد الجماهيري على الأرض. ولئن خبرنا في السنوات الأخيرة نماذج لأحزاب لم يكن لها وجود يذكر إلا من خلال الجريدة التي تصدرها، فإن التطور الجديد في الموضوع لم يكتف بالجريدة ولكنه توسل في إثبات الحضور بإنشاء قنوات تلفزيونية، وهذه الأخيرة ظهرت بوضوح بعد الثورة. ويبدو أن رجال الأعمال في ظل النظام السابق اكتفوا في إثبات الوجود بتحالفهم مع السلطة، وبعد سقوط ذلك النظام وسقوط ذلك التحالف بالتالي. فإنهم نقلوا نشاطهم إلى ساحة الإعلام الذي استمدوا منه القدرة على إثبات الحضور والقوة على التأثير في الرأي العام، وفي القرار السياسي أيضا.
الترحيب مستحق بالحزب الجديد وبكل حزب آخر يتوسم مؤسسوه أن بوسعهم أن يقدموا شيئا من خلاله للناس والوطن. والتقدير واجب للمناخ الجديد الذي أتاح للأحزاب أن تخرج من رحم المجتمع وليس من مقر جهاز أمن الدولة. بالتالي فإنه سمح لأصحاب الأفكار أن يجهروا بما عندهم دون خوف أو وجل، ويحتكمون بعد ذلك إلى الناس الذين يقررون من خلال الانتخابات الحرة ما إذا كان الحزب يجب أن يستمر أو يندثر، دون أن يخضع كل ذلك لوصاية من جانب الرئيس وزبانيته أو أجهزته الأمنية.
لا أجد غضاضة في أن تظهر في الفضاء المصري عشرات الأحزاب، وهو ما عبرت عنه من قبل، منبها إلى ثلاثة أمور، الأول أننا عانينا طويلا من الجدب السياسي الذي أدى إلى إخراج المجتمع من السياسة وعزوفه عنها، وهذا الشعور بالجدب ولد رغبة عارمة وشوقا شديدا إلى التنفيس والمشاركة بعد الثورة، التي أعادت الناس إلى السياسة وأنهت زمان قطيعتهم لها وغربتهم عنها. لذلك فإنه يظل إيجابيا وصحيا أن نشهد ذلك التسابق والتنافس على تأسيس الأحزاب. أما الأمر الثاني فهو أن ذلك التنافس أمر مشهود في دول عدة. حتى أن اليابان بعد خروجها من هزيمة الحرب العالمية الثانية تشكل فيها نحو 400 حزب تنافست على استعادة الحلم الذي أجهض. الأمر الثالث أنه لا قلق من ظاهرة كثرة الأحزاب طالما كنا واثقين من نزاهة الانتخابات، لأن تلك النزاهة ستتكفل بتحديد الأحجام الحقيقية لكل حزب، ومن ثم تجنيب البلاد احتمالات التشرذم والفوضى.
من الجدير بالملاحظة أنه في الوقت الذي تتكاثر فيه الأحزاب حينا بعد حين، فإن

الطبقة السياسية في مصر أدركت أنه يتعين الانتقال إلى مرحلة التحالفات فيما بينها، أغلب الظن لأنها أدركت أن الكثرة أضعفت الجميع في الانتخابات البرلمانية، الأمر الذي مكن الإخوان ومعهم السلفيون ــ وهما الأكثر تنظيما ــ من الفوز بالأغلبية. فظهرت في الأفق خلال الأسابيع الأخيرة كيانات حملت أسماء من قبيل: تحالف الأمة المصرية ــ التيار الشعبي ــ التيار الثالث ــ التيار الوسطي ــ التيار اليساري.
هذه التحالفات بدورها ينبغي الترحيب بها، إلا أنه يعيبها ثلاثة أمور، الأول أنها تتشابه في برامجها ولا تقدم تنوعا فكريا يذكر، إذا استثنينا التيار اليساري، وهو ما يعطي انطباعا بأنها تحالفات حول أشخاص وليس أفكار الثاني. إنها تكاد تلتقي على محاولة منافسة الإخوان وتحديها، بالتالي فهي متفقة على ما ترفضه ومختلفة حول ما تقبل به، الأمر الثالث أنها تندرج تحت مسمى القوى المدنية، الذي سيظل تعددها سببا في إضعاف موقفها في مواجهة الإخوان.
هذا بدوره ينبغي ألا يكون سببا للانزعاج إذا نظرنا إليه باعتباره خطوة باتجاه النهوض من وسط أنقاض النظام السابق ــ الذي لم يتح لأي قوة سياسية حقيقية أن تتبلور وتنضج في عمل الشرعية، بحيث لم تتوفر القدرة التنظيمية إلا للجماعات التي تشكلت خارج الشرعية (الإخوان والسلفيون مثلًا).
لا أعرف ما إذا كان تعدد القبائل السياسية سوف يستمر أم لا، لكنني أذكر بما سمعته ذات مرة من الدكتور عبدالعزيز كامل رحمه الله (الوزير الأسبق وأستاذ الجغرافيا السياسية) من أن العمل الجماعي ليس من السمات المتعارف عليها لدى المصريين. وقد دلل على ذلك بالأهرامات الثلاثة التي خلفها الفراعنة وظلت دليلا على أن كل فرعون رفض أن يدفن في هرم آخر، وقرر أن يبني لنفسه هرما مستقلا، وهي فكرة قد تحتاج إلى مناقشة، لكنها تدعوني إلى التساؤل عما إذا كانت خلفية التحالفات الجديدة التي ظهرت في مصر موصولة بفكرة الأهرامات الثلاثة أم لا؟.

نقلا عن صحيفة الشرق القطرية