عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فهمي هويدي يكتب :ملاحظات على رحلة الرئيس

فهمي هويدي
فهمي هويدي

رحلة الرئيس محمد مرسي إلى الصين وإيران تستدعي العديد من الملاحظات والتساؤلات، خصوصا أننا نعلم الآن أن زيارة الصين لها أهدافها الاقتصادية بالدرجة الأولى، في حين أن زيارة إيران التي قيل إنها سوف تستمر أربع ساعات فقط لا تحتمل أكثر من توجيه بعض الرسائل المقتضبة التي قد يتداخل فيها السياسي مع الاقتصادي.

وإذا جاز لي أن أقارن بين الزيارتين فقد أقول إن زيارة الصين تستهدف دخول البيت والتفاعل مع أهله. أما زيارة إيران فلا تتجاوز محاولة التعرف على العنوان وفتح باب البيت المستعصي، والاكتفاء بمجرد إلقاء السلام على أهله. وهدف الأولى تحقيق المنافع أما هدف الثانية فقد لا يتجاوز وصل ما انقطع.
ما عندي من ملاحظات وتساؤلات منصب على الشق الاقتصادي من الزيارة بوجه أخص، الذي هو أكثر تحديدا ووضوحا في الوقت الراهن.
الملاحظة الأولى إننا ينبغي ألا نتوقع جذبا للاستثمارات الخارجية إلى مصر قبل إصلاح الأوضاع الداخلية والبدء بتحريك عجلة التنمية في البلد. لأن المستثمر يتوجه إلى البيئة التي يطمئن إلى أنها تشكل إغراء جاذبا له، وهو ليس مستعدا للمغامرة بالذهاب مثلا إلى بلد أغلق فيه 2000 مصنع أبوابه، ومصانعه الكبرى تعاني مشكلات تهددها بالإغلاق. لذلك فقد تمنيت أن يعالج الرئيس والحكومة معه المشكلات الأساسية التي يعاني منها الاقتصاد في الداخل، قبل أن يخاطب أهل الخارج. وللعلم فإن ذلك ما فعلته الصين والهند. حيث لم تتقاطر عليهما الاستثمارات الخارجية إلا بعد أن اقتنع المستثمرون بأنهم مقبلون على فرصة واضحة المعالم وليسوا مقدمين على مغامرة لا تعرف عواقبها.
الملاحظة الثانية تعيد التذكير بأهمية مراجعة ونقد الفلسفة الاقتصادية المهيمنة في مصر، والتي كان لها تأثيرها الواضح على برنامج «النهضة» الذي تبناه الدكتور مرسي. وهي الفلسفة التي تعطي الأولوية لتحرير التجارة وتشجيع الاستثمار والاستقدام من الخارج، في حين تتجاهل للأسف معطيات الداخل وقدراته وخصوصيته. الأمر الذي يعني أنها تعتني بالاستنساخ بأكثر مما تعتني بالإبداع، وتقدم الحلول الجاهزة والمعلبة على الحلول المبتكرة النابعة من القدرات الذاتية والإمكانات المحلية.
الملاحظة الثالثة متصلة بسابقتها وتعد ترجمة عملية لها. ذلك أن وفد رجال الأعمال الذي سافر مع الرئيس في رحلته ضم أشخاصا يمثلون شركات تجارية ومكاتب للاستيراد، الأمر الذي أعطى انطباعا باهتمام الحكومة بالاستيراد من الخارج، وعدم اهتمامها بالإنتاج والتصدير. ولم تكن تلك هي الملاحظة الوحيدة على الوفد المسافر لأنني سمعت من بعض رجال الأعمال قولهم إن الذين رافقوا الرئيس في رحلته هم أنفسهم المجموعة التي التقته بعد توليه السلطة، وقيل لي أيضا إن عددا من رجال الأعمال الذين التفوا حول جمال مبارك وأبيه في النظام السابق، وحققوا

من وراء ذلك مكاسب لا حدود لها، استطاعوا أن يلتفوا حول القيادات الجديدة وأن يصبحوا من أركان الوضع الاقتصادي المستجد. ومن المفارقات أن العديد من الخبرات والكفاءات التي حوربت وأبعدت عن محيط العمل العام في ظل النظام السابق بسبب اعتراضهم على سياساته، هؤلاء تم إقصاؤهم واستبعادهم أيضا من المشهد الحالي، ربما تأثرا بآراء ومواقف عناصر النظام السابق الذي فرضوا أنفسهم على مشهد ما بعد الثورة.
الملاحظة الرابعة أنني أدركت أن ضعف التواصل بين الرئاسة والحكومة وبين النخبة ومؤسسات المجتمع ليس مقصورا على السياسيين والإعلاميين وحدهم، ولكنه حاصل أيضا بالنسبة للاقتصاديين ورجال الأعمال. وفيما فهمت فإن ذلك التواصل فيما خص الأخيرين يكتنفه الغموض، بمعنى أنه بات مقصورا على دائرة محدودة مغلقة على ذاتها، في مسلك يبدو متأثرا بأساليب وتقاليد الجماعة، التي لم تنفتح بعد على نهج الدولة، الذي ينبغي أن يتسم بالوضوح والشفافية.
الملاحظة الخامسة والأخيرة هي أنني كنت قد دعوت في وقت سابق إلى ترتيب لقاء بين رموز السلطة في مصر وبين الخبرات الاقتصادية المصرية، للاتفاق على تشخيص الأزمة ومحاولة وضع حلول لها تعالج الثغرات الحاصلة بعد ترتيب أولوياتها. وبشكل أخص تحدد نقطة البدء وما هو عاجل من الأهداف وما هو ضروري وما يمكن تأجيله، لكن يبدو أنه ليس لدى السلطة التنفيذية استعداد لممارسة مثل هذا الوضوح والشفافية في الوقت الراهن.
إن الارتباك مفهوم في بدايات تأسيس النظام الجديد، والأعذار مطلوب أيضا، مع ذلك فإنني أتمنى أن تمارس الجهات المعنية بترتيب رحلات الرئيس من جانبها نقد الذات وتصحيح الأخطاء أو إزالة الالتباسات، حتى تحقق تلك الرحلات النجاح المرجو لها، بحيث تصبح إضافة إلى رصيد الوطن، وليس مجرد فرصة لتلميع صورة الرئيس وإثبات حضوره والإشادة بتحركاته.