رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

عبدالله بشارة يكتب :الخوف على مصر.. وليس منها

عبدالله بشارة
عبدالله بشارة

كل منا يتابع أحداث مصر باهتمام خاص، مثل غيري أقرأ صحافة مصر «الأهرام» «الأخبار» يوميا لمتابعة المنحى الذي يسير عليه النظام الجديد، الذي جاءت به انتخابات حرة ونظيفة لكنها تمثل %25 من الناخبين المصريين البالغ عددهم خمسين مليون ناخب.

وقد أفرز هذا الوضع شيئا من الحراك الوطني المصري الذي يستكثر على النظام الحالي اللجوء الى قرارات استراتيجية حاسمة تأخذ مصر الى دروب جديدة وذلك اعتمادا على ان المبايعة للنظام الحالي محصورة في أقل من الثلث وبما لا يمنحه الشرعية المتكاملة لتمرير قرارات جوهرية.
ومهما حاولنا التقليل من تأثير ذلك الاجتهاد السياسي فان الحقائق تظهر التوجه نحو المزيد من التشكيك في حق الرئيس مرسي تبني القرارات ذات الطابع الذهبي الاستراتيجي النادر التي تمس نظام الدولة المصرية.
وقد تابع القراء تلك الحقيقة فما تنشره الصحافة المصرية من جدل عن مضي الرئيس في التبديل البنيوي للادارة بعد ازالة الهيمنة العسكرية وبعد ان أظهر الرئيس الميل نحو اعادة شرعية البرلمان الاخواني الذي عطله العسكريون سابقا.
مثل هذا الجدل يصعد المخاوف من النزوح نحو التسرع في اتخاذ القرارات المصيرية ذات العلاقة المباشرة بالأمن المصري والتي تمس تراث الدولة المصرية وقواعد تأسيسها، وما يزيد من هذه المخاوف هو حقائق التاريخ المسجلة بأن مصر سيئة الحظ من قرارات قياداتها التي دمرت مصر بسبب ارتجاليتها وجرها للدولة المصرية الى موقع سيئ عطل تطورها وأخرها عقودا من الزمن.
أقرأ من تاريخ مصر، سجل محاكمة الزعماء المصريين قبل ثورة 1952.
في محكمة الثورة المصرية المنعقدة في مارس عام 1953، ويرأسها عضو مجلس الثورة عبداللطيف البغدادي، وعضوية البكباشي السادات، وقائد الجناح حسن ابراهيم، وقف المتهم ابراهيم عبدالهادي باشا، رئيس الوزراء المصري 1949/1948 الذي جاء بعد اغتيال النقراشي باشا في ديسمبر 48 - بتهمة زج جيش مصر في معركة فلسطين قبل ان يتخذ الجيش أهبته في الخوض في غمارها- هذه هي التهمة الكبرى ضد رئيس الديوان الملكي ورئيس الوزراء السابق، وبالطبع نفى المتهم هذا الاتهام الخطير، وطالب بشهادة الفريق محمد حيدر القائد العام ووزير الحربية آنذاك.
يرد الفريق حيدر في شهادته أمام المحكمة: بأن قادة الجيش - هيئة أركان حرب القوات المسلحة- درسوا الموقف من الناحية العسكرية «ورأوا ان الجيش المصري تسليحه ناقص ويلزمه الكثير من المهمات العسكرية وأن الجيش ما يدخلش أرض فلسطين محاربا وأن هذا الموقف نقل الى رئيس الحكومة – محمود فهمي النقراشي باشا ويضيف الشاهد، الفريق حيدر، بأن الملك فاروق اتفق مع رؤساء الدول العربية في اجتماع حصل في أنشاص بأن تدخل الدول العربية في فلسطين، وأن القرار تم اتخاذه في مؤتمر أنشاص عام 1947، ويستطرد الشاهد بأن رغبة الملك كانت دخول الحرب، ولم تكن الحكومة موافقة على ذلك القرار، لكنها لا ترفض الطلب أمام اصرار الملك على الدخول، خاصة وأن الملك عبدالله، ملك الأردن فيما بعد، شارك في اتخاذ القرار، وكان الملك فاروق خائفا من طغيان نفوذ ملك الأردن».
بهذه البساطة الساذجة وبكل استهتار في رأي العسكريين وتجاهل موقفهم، يأخذ الملك فاروق مصر الى حرب لا يريدها أحد ولم يستعد لها أحد، ولم يتحمس لها سوى الملك لأسباب شخصية سياسية، وتتحمل مصر تلك الهزيمة التي أدت فيما بعد الى طرد فاروق في ثورة الغضب عام 1952.
والسؤال الذي وجهه رئيس المحكمة – البغدادي - الى ابراهيم عبدالهادي عن زج الجيش المصري بحرب لم يكن مستعدا لها، يمكن ان يوجه الى القيادة المصرية عام 1967، التي أقحمت الجيش المصري في مواجهة غير متكافئة مع اسرائيل، ودون استعدادات وبلا دراسة عميقة عن حقائق الوضع العربي والاقليمي، وانما دخلت القيادة المصرية في الهوجة الجماهيرية السياسية المتحمسة التي عطلت الفكر الصحيح والعقل المتأمل، وأتت بالخيبة التاريخية التي لن يتعافى منها العرب، لاسيما في الأراضي الفلسطينية، ولولا الرئيس السادات لبقت اسرائيل في سيناء الى ما شاءالله..
حكمت محكمة البغدادي على ابراهيم عبدالهادي باشا بالاعدام بعد ان حددت المحكمة مسؤوليته السياسية في زج الجيش المصري بحرب فلسطين بدون استعداد، وخفف الحكم الى الأشغال الشاقة المؤبدة وأطلق سراحه فيما بعد وتوفي وهو في الثمانينيات من عمره.. وسجل التاريخ بأنه كبش فداء لقرار الملك الأرعن.. (تفاصيل المحاكمة في الجزء الأول من تسجيلات محاكمة الثورة).
هذه الملاحظات عن تاريخ مصر الحديث تأتي في صياغ مشاعر الخوف من احتمال تجديد التخبطات السياسية التي تفرزها الحماسات الجماهيرية وعادة ما ترافق دبلوماسية البلكونات والميادين أصوات الخطب الحماسية تندفع فيها القيادة الى قرارات كارثية، ويتعاظم الخوف من سوابق اتخذت فيها حماقات سياسية مندفعة لطموحات شخصية أو من استسلام للغوغائية الطاغية..
وبالامكان ان تتم حماية مصر من المطبات التاريخية الفاسدة اذا ما تم تأمين حكم ديموقراطي تتسيده المساءلة لمنع التصرف الفردي

في مصير مصر والمصريين، وترتبط آليات القرارات المصيرية في برلمان واع بقواعد العمل في العلاقات بين الدول وعلى دراية بالتبدلات الدولية، ومع التزام بالمبادئ المتفق عليها داخل المجتمع الدولي، ووفق القيم الكونية في حق المواطن في التعبير الحر عبر صحافة بلا قيود، ومساءلة دون خوف، واستفسار دون عقاب، وضمان حق الفرد في المشاركة في اتخاذ القرار المصيري.
ولا يجب ان يغيب عن ذهن قيادة الاخوان حقائق التحولات الكونية في العلاقات بين الشعوب وفي الالتزام بالمواثيق والاتفاقيات الدولية المعقودة بين الدول والتي يكون المجتمع الدولي طرفا فيها، وهنا تبرز أهمية الالتزام بالاتفاق الذي عقدته مصر مع اسرائيل في وثيقة السلام بين الطرفين، فلا مجال للعبث مرة أخرى في موضوع مملوء بالمتفجرات، ويكفي القيادة المصرية الحالية القراءة المتأملة للاتفاق بين مصر والأمم المتحدة برعاية أمريكية والتي تم التوصل اليها في أعقاب العدوان الثلاثي عام 1956.
وأتذكر ان سمو الأمير، وكان وقتها وزيرا للخارجية، ذهب في شهر أغسطس عام 1967، لمقابلة الرئيس جونسون للحديث حول آثار عدوان عام 1967، وكان الرئيس الأمريكي يلوح في شرحه بالتفاهم الأمريكي – المصري لاحترام الاتفاق الذي تم في اطار الأمم المتحدة وانتهى بجلاء قوات التحالف الثلاثي، وعدم احترام مصر الناصرية لذلك التفاهم، عبر طردها للقوات الدولية من مضيق تيران..
ويعرف الرئيس مرسي بأن مصر الآن بحاجة الى الدعم العالمي في جهدها للتخلص من المتاعب الاقتصادية والعودة الى السلوك الاعتيادي في الترحيب بالاستثمارات العالمية وباقتباس فنون الادارة المالية والاستثمارية وتوسيع مصادر الدخل القومي وضخ المنافذ الواسعة للسياحة.
وبايجاز المطلوب ان يأخذ الرئيس المصري الدولة المصرية الى منابعها التاريخية في الاستنارة والتسامح والاعتدال والاحتكام الى العقل والانسجام مع قواعد العمل الدولي، وأن يتصرف كقائد يرفض الاستحواذ على مصر من قبل حزب الاخوان المسلمين، وأن يبقي الدبلوماسية المصرية المنفتحة تاريخيا على نهجها في التعامل الواقعي مع الشأن العربي والدولي، فلا مكان لهيمنة اقليمية ولا مكان بالاستنجاد بشعارات فارغة، فالعلاقات المصرية-العربية تكون دائما مثمرة ومبهجة ومريحة لجميع الأطراف اذا ما واصلت مسارها بدون أيديولوجيات قومية أو اسلاموية، ولا أشك بأن الرئيس مرسي على اطلاع تام على مسببات الحرب العربية الباردة في الخسمينيات والستينيات والتي كانت عاملا ضمن عوامل أخرى في كارثة 1967، فلا ادعاءات بالرجعية ولا حماية بالمواعظية المتدينة، وانما علاقات انفتاح قائمة على التبادلية في المصالح والاطمئنان المشترك.
ثورة يناير المصرية ليست ثورة على حسني مبارك ونهجه كما يقول خصوم الرئيس السابق، وانما هي ثورة من أجل الحرية ورفض لنظام الاستبداد والاحتكار وهي معارضة قوية للأيديولوجيات القومية المتطرفة وغيرها التي أقحمت مصر الوديعة في حروب وخصومات مع العرب لأنهم لم يقبلوا فرض الطاعة عليهم.
مصر الجديدة هي مصر الاستنارة ودعم الابداع، وعلى الرئيس مرسي ان يتناغم مع تلك الحقيقة، ولعل الرئيس يدرك بأن هناك الكثير من الخوف على مصر من احتمالات الابتعاد عن مسار الاعتدال واحتمال استعادة نزعة المغامرات الفجة التي كان حصادها سجلا من الكوارث والخيبات، ومصر العاقلة رصيد ضخم للعرب، وغير ذلك يبقى الجميع، مصر والعرب، في حالة ترقب لا ترضي أحدا..
نقلا عن صحبفة الوطن الكويتية