رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

جلال عارف يكتب :غابت سيناء.. وصعد الإرهاب إلى المنابر

جلال عارف
جلال عارف

في صلاة عيد الفطر المبارك، ألقى مرشد جماعة الإخوان المسلمين في مصر الدكتور محمد بديع، خطبة العيد في أحد المساجد بمحافظة مرسى مطروح حيث يقضي إجازة صيف، وكان من ضمن ما قاله إن على المصريين أن يفخروا بأن لديهم الآن أول رئيس للجمهورية (يقصد الدكتور مرسي) يحفظ القرآن كاملاً، ويؤم الحرس الجمهوري في الصلاة.

هذا أمر طيب ـ هكذا قال المراقبون السياسيون ـ ولكن ما هي العلاقة بين ذلك وبين المطلوب من الرئيس المصري؟ إن أحداً لم يطعن في أخلاق الرجل ولا تدينه، ولكن المطلوب منه الآن سياسات وأفعال يحاسب عليها من الناس، وليس فقط عبادات يؤديها كل مسلم حاكماً كان أو محكوماً.
أقوال المرشد تعكس المناخ الذي عاشت مصر فيه الأيام الماضية التي صادفت إجازة عيد الفطر، بعد أحداث إقالة القيادات العسكرية. كان الصراع في العيد على أشده بين الإخوان المسلمين وبين الجماعات السلفية، للاستيلاء على ساحات المساجد في صلاة العيد. وتحولت المنابر إلى ميدان للحشد السياسي، وكان الغريب أن يتم تجاهل الحرب الدائرة في سيناء ضد الإرهاب، لتكون الحملة مركزة على الخصوم السياسيين في الداخل، ولتتواصل أحاديث التكفير لهم، وليكون الختام بدعوة إلى "ذبح" من يعارض رئيس الجمهورية أو يطالب بالخروج عليه.
الحرب في سيناء التي غابت في خضم استغلال مناسبة العيد لتحويل المساجد إلى منابر للحشد الحزبي، كانت حاضرة لدى قيادات الجيش وجنوده الذين يخوضون معركة صعبة وسط ظروف بالغة الدقة، وكانت حاضرة في تعليقات وتهديدات إسرائيلية، بسبب ما أسمته مخالفة مصر لشروط المعاهدة معها بإدخالها أسلحة ثقيلة إلى سيناء دون التفاهم على ذلك! وكانت حاضرة في جهود كبيرة يتم بذلها لترميم جسور الثقة مع قبائل سيناء، التي لا يمكن للحملة ضد الإرهاب أن تنجح إلا بتعاونها.
الظروف الصعبة التي تخوض فيها القوات المسلحة المصرية حربها ضد الإرهاب في سيناء، تأتي من طبيعة المعركة ضد عصابات وليست ضد جيوش، ومن طبيعة المنطقة الجبلية وسط سيناء حيث يتوافر الملجأ الحصين لهذه العصابات، ومن ترسانة الأسلحة التي تم تهريبها وتخزينها في سيناء، خاصة في الفترة الأخيرة بعد الثورة في مصر، وبعد انهيار الأوضاع في ليبيا التي تحولت إلى مصدر لتهريب أحدث الأسلحة، ومن محدودية القوات المسلحة في هذه المناطق..
عنصر آخر أضيف في هذا المجال، وهو انعكاس الأحداث الأخيرة والتغييرات الجوهرية في قيادة الجيش. ورغم أن الأمور مرت ـ حتى الآن- بسلام بسبب احترافية الجيش، وبسبب أن الانقلاب جاء من داخل القيادة ودون مقاومة حقيقية، إلا أن هناك آثاراً سلبية تحاول القيادة الجديدة التعامل معها.
فرغم أن الأغلبية من ضباط القوات المسلحة كانت ترى ضرورة التغيير في القيادة، وكانت لها انتقادات كبيرة على أسلوب إدارتها قبل الثورة، وعلى القرارات التي تم اتخاذها بعد الثورة في المجال السياسي، إلا أن هذه الأغلبية لا توافق على الأسلوب الذي تم به إقصاء هذه القيادات، ولا على أن ينتهي الأمر بإعطاء كل السلطات للإخوان المسلمين، وتحس بأن هناك قوى في الداخل تريد تصفية الحسابات مع جيش مصر، وأن هناك قوى في الخارج (وهذا هو الأخطر) تريد ضرب آخر قوة عربية مسلحة موجودة على الساحة!.
في ظل هذه الظروف الصعبة التي تواجه جيش مصر وهو يخوض الحرب ضد الإرهاب ومن أجل استعادة السيطرة على سيناء، تأتي التهديدات الإسرائيلية لتمثل عنصر ضغط جديدا على الإدارة المصرية، ولتمثل أيضاً عنصراً للتحدي الذي لا يحتاج فقط للقوة العسكرية، بل ـ

قبل ذلك وبعده ـ للإرادة السياسية التي تعرف كيف تدير المعركة، وكيف تحقق المطلوب في هذه المرحلة وهو استعادة السيطرة على سيناء، وكسر القيود المفروضة منذ كامب ديفيد، دون الدخول في حرب غير مطلوبة الآن.
فإسرائيل تريد الإبقاء على المعاهدة مع مصر بلا تعديل، لأنها تحقق لها كل متطلباتها، وتترك سيناء "رهينة" لديها.. منزوعة السلاح، محرومة من التنمية التي لا يمكن أن تتم وهي مهددة من الإرهاب ومن إسرائيل في وقت واحد! وإسرائيل تريد استغلال الموقف الحالي، لكي تفرض تعاوناً أمنياً قالت مصادرها إنه غير مسبوق، ولكي تفرض أيضاً كسر الجليد في علاقتها مع القاهرة، وبدء اتصالات سياسية مع القيادة المنتمية للإخوان المسلمين، وهو هدف تشاركها فيه واشنطن التي لم تمنح "الإشارة الخضراء" للإخوان، إلا بعد تعهد واضح باحترام المعاهدة مع إسرائيل ضمن الشروط الأخرى التي وافق عليها "الإخوان" مقابل التأييد الاميركي لهم! ومع ذلك يبقي الباب مفتوحاً لتعديل الملاحق الأمنية للمعاهدة، وهو ما ينبغي الإصرار عليه بكل قوة..
التحدي الآخر الذي تواجهه القوات المسلحة المصرية وهي تخوض الحرب ضد الإرهاب في سيناء، هو ترميم الجسور مع القبائل السيناوية. وتعتمد القوات المسلحة في ذلك على علاقات قديمة ووثيقة مع هذه القبائل، التي لعبت دوراً كبيراً في الحروب ضد إسرائيل، وكان شيوخها على الدوام عونا للقيادة السياسية المصرية حين تكون هذه القيادة على مستوى المسؤولية، وحين تجسد الخط الوطني وتستطيع توحيد الأمة وراءها.
والآن تعود القوات المسلحة وتحاول استثمار علاقاتها القديمة مع القبائل لمحاصرة الإرهاب، مستغلة أن هذه العناصر الإرهابية وامتداداتها السلفية لم تكن توجه هجومها للدولة ومؤسساتها فقط، بل أيضاً لنفوذ شيوخ القبائل واحترامهم المتوارث الذي كان عاملاً في استقرار الأوضاع في المنطقة لعهود طويلة.
في ظل هذه الظروف المعقدة، تخوض القوات المسلحة المصرية حرباً صعبة لاستعادة السيطرة على سيناء واستئصال جذور الإرهاب هناك، بينما تتحسب الأجهزة الأمنية كلها لمواجهة الموقف ومنع الإرهابيين من نقل معركتهم إلى قلب الوادي، وهو ما هددوا به في منشورات وزعوها في صلاة العيد.. يدرك المراقبون جيداً أن الأمر لن يحتاج لتهديدات إضافية، وأن المعركة في سيناء لا بد أن تحسم أولاً في القاهرة التي تواجه الآن فتاوى الذبح، كما واجهها الشهداء على الحدود في رفح!.
نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية