رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

شريف عبدالرحمن سيف النصر يكتب:حجر ضخم في مياه السياسة المصرية

شريف عبدالرحمن سيف
شريف عبدالرحمن سيف النصر

شكلت قرارات الرئيس المصري محمد مرسي بإلغاء الإعلان الدستوري المكمل وإقالة وزير الدفاع المشير محمد حسين طنطاوي، ورئيس الأركان الفريق سامي عنان، نهاية مفاجئة لحالة ازدواجية السلطة التي عانت منها مصر منذ تنحي الرئيس السابق.

وتكمن أهمية هذه الخطوة في أنها تحمي، ولو على نحو مؤقت، الثورة المصرية من تكرار النموذج الأوكراني، حيث كان على الثورة هناك أن تظل مرتبطة برجال الأعمال، الذين وصفوا بشركاء الثورة وحماتها أيضا، الأمر الذي مثل عبئا دائما على البلاد أدى بها إلى أن تعود إلى نقطة الصفر بعد أن نجح ممثلو النظام القديم في استغلال هذه الازدواجية للاستيلاء على السلطة مرة أخرى.
ويبدو أنه من المبكر جدا أن يدعي أحد قدرته على تفسير هذه القرارات على نحو شاف، فالأبعاد التي تم على أساسها اتخاذها مازالت مجهولة، ورغم التصريحات التي أطلقها اللواء محمد العصار، والتي أكد من خلالها أن قرارات إحالة القائدين إلى التقاعد تمت بموافقة والتنسيق مع مسؤولي المجلس العسكري، إلا أنه لم تتضح لحد الآن طبيعة الترضية التي حصلت من أجل تمرير هذا القرار، وكيف تمكن الرئيس المصري في استمالة القيادات العسكرية إلى صفه وإقناعهم بقبول التغييرات الجذرية التي أقدم عليها، كما لم يتضح السر الذي جعل اتخاذ هذه القرارات ممكنا في هذه المرحلة وغير ممكن قبل ذلك، مع العلم أن الجيش المصري يخوض في هذه الأثناء عملية ساخنة في شبه جزيرة سيناء متعقبا من قاموا بتنفيذ مجزرة الحدود التي راح ضحيتها 16 مجندا في الجيش المصري.
ورغم كل أوجه الغموض التي تحيط بهذه الخطوة، تظل هناك إمكانية لاستقراء عدد من الدلالات والتحديات المهمة التي تولدت عنها، أول هذه الدلالات أن الرئيس المصري يبدو أنه قد استوعب الفخ الذي نصب من قبل للبرلمان المنتخب، والذي تسبب في تآكل دعمه شعبيا قبل أن يتم استهدافه قانونيا بقرار الحل، وكان مضمون هذا الفخ هو إغراق الرئيس في جملة من القضايا الجزئية التي كانت كفيلة —حال تفرغه لها— أن تستهلك كل وقته وتبقيه في المربع رقم صفر، وهذا ما أخطأ فيه البرلمان "المنحل" حينما غفل عن حسم القضايا التي قامت من أجلها الثورة وعلى رأسها تحديد العلاقة مع مؤسسات الدولة العميقة واستئصال الفلول من مواقع التأثير واستغرق في مواجهة القضايا الجزئية التي بدا أنها مصنوعة خصيصا لاستهلاك الوقت والجهد، ثم لكي تكون بعد ذلك الحجة التي تتم إدانته بسببها.
أيضاً من الدلالات الإيجابية المرتبطة بقرارات الرئيس أنه لأول مرة يقيم الدم المصري التقييم الذي يستحقه، فحتى إذا كانت خطوة الإقالات قد تمت في إطار توازنات القوى بين الرئيس والمجلس العسكري، فإن هذا لا يحجب حقيقة أن التصرف الجريء من الرئيس المصري جاء كنتيجة منطقية للاعتداء الفج الذي تعرض له الجنود المصريون في سيناء. ليسجل هذا الإجراء المرة الأولى تقريبا منذ ما يزيد على الثلاثة عقود التي يتم فيها التعاطي مع الكوارث الوطنية بمستوى الجدية الذي يستحقه الموقف. فمقتل 16 جنديا مصريا ما كان ينبغي أن يمر دون رد فعل مساو له في الخطورة ومضاد له في الاتجاه، وهذا ما عبرت عنه القرارات الأخيرة.
القرارات الرئاسية أيضا أظهرت حجم التأييد الذي يحظى به الرئيس مرسي في الشارع المصري، فبعد أن كان البعض يزعم أن الرئيس يأخذ قرارات تفوق حجمه وصلاحياته (بمناسبة قراراته بإعادة البرلمان إلى الانعقاد وتحصين اللجنة التأسيسية)، يأتي هذا القرار (الأضخم في تأثيره) ليبين أن الرئيس يتمتع بتأييد فعلي من قطاعات واسعة من المصريين ممن تلقوا هذه القرارات بالقبول، حيث شارك الآلاف

من المصريين في مظاهرات لتأييد قرارات رئيس الجمهورية، وهتف العشرات في أكثر من مدينة مصرية دعما لها. هذا التعاطي الشعبي يظهر أن قطاعات واسعة من المصريين تقبل أن يكون لسفينة الوطن ربان واحد، وتقبل أن يمارس الرئيس المنتخب صلاحيات استثنائية، بدلا من أن يمارسها مجلس عسكري غير منتخب.
أما أبرز التحديات التي يثيرها القرار فهي أن الرئيس الآن أصبح مسؤولاً عن الدولة بشكل كامل، وبخاصة بعد أن جمع إلى جانب صلاحياته التنفيذية الصلاحيات التشريعية، على الأقل لحين البت في موضوع إجراء انتخابات برلمانية جديدة، فضلا عن صلاحية تشكيل جمعية تأسيسية لكتابة الدستور حال تعثر الجمعية القائمة حاليا. وعليه لا يوجد الآن ما يمكن الاعتذار به لتبرير البطء في تحقيق أهداف الثورة. فمنذ الآن فصاعدا لن توجد شماعة المجلس العسكري أو الإعلان الدستوري المكمل. هذه الصلاحيات الواسعة للرئيس من المتوقع أن ترفع من وتيرة الانتقادات التي ستوجه إليه من خصومه والتي ستركز على اتهامه بمحاولة الاستئثار بكافة السلطات فضلا عن الاتهام التقليدي بالسعي إلى أخونة الدولة المصرية (رغم أن أيا من التعيينات الجديدة لا تضم أسماء إخوانية).
من ناحية أخرى من المتوقع أن تثير السهولة التي تمت بها إقالة القيادات العسكرية وإلغاء الإعلان الدستوري المكمل الشكوك حول كل ما كان يتداول في السابق بخصوص انخراط المجلس العسكري في مخطط لعدم تسليم السلطة أو إجهاض الثورة. وهذا سيثير بدوره تساؤلات حول ما إذا كان من الأفضل أن يتم تكريم قادته بدلا من الإطاحة بهم على هذا النحو الذي يرى البعض أنه لا يتفق مع دورهم في حماية البلاد طوال المرحلة الانتقالية. ولكن هذا الانتقاد ينبغي أن يوجه في حقيقة الأمر بدرجة مساوية إلى القادة المقالين، فالأمر المؤكد أن قادة المجلس العسكري أثبتوا عدم قدرتهم على كسب ود المصريين أو استثمار حالة التقارب الهائلة التي تلت قيام الثورة، وهذا ما ظهر من خلال حالة الارتياح الشعبي الواسع التي قوبل بها قرار تنحيتهم.
وأيا كانت الإيجابيات أو التهديدات التي صاحبت إصدارها تظل هذه القرارات بمثابة حجر ضخم ألقي في مياه السياسة المصرية الراكدة منذ فترة، لتنهي حالة الاسترخاء السياسي التي وسمت الأسابيع الأولى من حكم الرئيس المدني الأول في تاريخ الدولة المصرية، والذي تعلق عليه الجماهير مسؤولية إنقاذ الثورة المصرية والعودة بها إلى طريقها الصحيح
نقلا عن صحيفة الشرق القطرية