رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

شريف عبدالغني يكتب :الإنجاز الوحيد لـ «جمال مبارك»!

شريف عبدالغني
شريف عبدالغني

في عدد الاثنين 21 مايو الماضي بـ «العرب»، وقبل انطلاق انتخابات الرئاسة المصرية بيومين، كتبت مقالاً عنوانه «حلف غير مقدس لإعادة مبارك إلى حكم مصر!».

ذكرت فيه أن هناك ثلاث جهات تخوض محاولات مستميتة لإبقاء نظام «مبارك». الجهات هي: أولاً «رجال النظام الذين ما زالوا في مواقعهم أو ما يعرف بالدولة العميقة»، وثانياً «العسكر»، وثالثاً «أنظمة خارجية» لديها رغبة في إعادة إنتاج «مبارك» جديد يضمن لهم استمرار «انكسار» مصر، فضلاً عن إخماد الثورة ومنع انتقال شررها إلى خارج الحدود المصرية.
ذكرت أن «الإخوان المسلمون» هم الرقم الصعب الذي تدور حوله معادلة التحالف غير المعلن بين الجهات الثلاث، وإن الجماعة هي العدو المشترك لكل هذا الخليط الذي يتداعى على السلطة في القاهرة، كما تتداعى الأكلة على قصعتها.
أما وقد فشلت محاولات هذا الحلف غير المقدس، ولم تفلح عشرات الملايين التي ضخوها لمساندة «تلميذ مبارك» أحمد شفيق، وأجهزة الدولة التي سخروها لصالحه، والحملة الإعلامية التي شنوها لتشويه منافسه المرشح «الإخواني»، ووصل الدكتور محمد مرسي بإرادة الشعب إلى سدة الرئاسة، فقد ظن بعض الحالمين أن الأمر استتب، وأن «الحلف» سيتعامل مع الواقع باحترافية سياسية. لكن يبدو أن التحالف الشيطاني يرفع شعار «لا يأس مع الحياة.. ولا استسلام أمام مرسي».
الرئيس المصري استهل حكمه بتوجيه رسائل سلام واطمئنان حقيقية إلى الداخل والخارج، وأكد تقديره للعديد من الفئات التي تظن أنه جاء ليصفي حسابات الميراث القديم معها، وأولها الشرطة. كما قال إن مصر لن تتدخل في شؤون غيرها من الدول في الوقت نفسه الذي لن تسمح فيه لأحد بالتدخل في شؤونها. التقى «مرسي» العديد من قيادات الشرطة في أجواء من الحب. كما تبادل الرسائل واللقاءات «الطيبة» مع بعض مسؤولي الخارج. لكن يبدو أن هذا الحب وتلك الطيبة من جانبه لم تقابل بالمثل من الطرف الآخر. لقد التقوه وخرجوا و «اللي في القلب في القلب».
في سهرة رمضانية عند أحد الأقارب حضر اثنان من ضيوفه. ضابط شرطة وقاض. الاثنان ينتميان لجهتين تعدان من أركان «الدولة العميقة» التي تشكلت طول عصر المخلوع، وطالهما ما طال الحياة المصرية عموما طوال 3 عقود من تجريف للعقول وإفساد للذمم. يعرف القاصي والداني أن العمل في جهازي الشرطة والقضاء في عصر مبارك كان يتم عبر ثلاثة طرق لا رابع لها: الأول دفع رشاوى، والثاني «وراثة» المنصب، والثالث واسطة كبيرة جداً. القبول بهذه الصيغة من الطبيعي ألا يتطلب الكفاءة أو التميز أو مستوى فكرياً أو ثقافياً. النتيجة أن هذين الجهازين الخطيرين ضما عناصر هي في الأصل لا تملك المؤهلات اللازمة. من دفع رشاوى كبيرة للدخول سيعمل حتماً بعد تخرجه على استردادها بشتى الطرق غير المشروعة غالباً. ومن «ورث» المهنة عن أبيه فالمؤكد أنه سيحتمي بحماه، وسيكون أكثر الفئات قبولاً لـ «توريث» الحكم لجمال مبارك حسب الخطة الموضوعة.
بحكم شيطان المهنة تحدثت مع الضيفين الشابين، وقد منيت النفس أن يكونا نموذجين يختلفان عن العقليات السائدة في هذين الجهازين. قلت ربما أفلتا من ثالوث «الرشا» و «الوراثة» و «الواسطة» لينضما إلى العناصر الجيدة في الشرطة والقضاء. لكن أمنياتي كانت صرحا من خيال فهوى عند أول عبارة نطقا بها.
سألت «الضابط» عن سبب عدم التواجد الأمني في الشارع، ومدى صحة ما يقال: إن الشرطة ترفع شعار «الإضراب المقنع» عن العمل، بمعنى أن يذهبوا إلى مكاتبهم معززين مكرمين لإثبات حالة دون أن يعملوا عقاباً للشعب على قيامه بالثورة.
لما عرف بمهنتي حاول «التنظير». لكنه فضفض بكلمات كارثية: «الشرطة لن تقوم بدورها إلا بعد أن يعرف الناس الأدب والاحترام في التعامل». عبارته تعني حسب فهمه أن يصمت المصريون كما كان يحدث طوال عصر مبارك عن أي إهانات من هذا الضابط أو ذاك، ويعتبرون أنه شرف عظيم أن تهوى يد الضابط الكريمة على «قفا» أي مواطن، أو تدخل «عصاه» القويمة في مؤخرة أي متهم. كما لم ير عيباً في تلقي رجال الشرطة الرشاوى، وتساءل: «وفيها إيه يعني لما

يحسنوا دخلهم زيهم زي كل الموظفين اللي بياخدوا إكراميات في مصالح الحكومة».
أما «القاضي» فنمّت كلماته عن عقلية تستحق الرثاء والشفقة. استنكر أن يقف عضو برلماني صغير السن في مجلس الشعب «المنحل» ليطالب بإقالة الدكتور كمال الجنزوري «رئيس الوزراء السابق» من منصبه. وقال: «ده حتى عيب لأن الجنزوري في عمر أبوه». حاولت شرح أن الموضوع ليس فيه عيب أو عدم احترام، وأن العضو يمارس دوره الذي كفله له القانون بالرقابة على الحكومة، فضلاً عن أن مسألة السن ليس لها دخل في الأمر. لكنه تقبل الكلام على مضض، واتفق مع الضابط في أن الناس هي السبب في عدم عمل الشرطة، وقال: «زمان كنت تلاقي الواحد بيخاف من أمين الشرطة، دلوقتي ما بيخفش حتى من الظابط».
طبعاً لم يقتنعا معاً أيضاً بما قلته بأن مبدأ «الخوف» أصلاً مرفوض في العلاقة بين المواطن والشرطة، والمطلوب علاقة احترام وفق القانون. واختتما الاثنان رأيهما فيما يحدث في مصر حالياً بالقول: «مش مرسي بيقول هيحل المشاكل في 100 يوم.. لما نشوف»!!
ما خرجت به أن رأى كليهما يعبر عن حالة عامة داخل الشرطة والقضاء. وبمناسبة القضاء تنتشر في مصر عبارة «أحكام القضاء خط أحمر.. لا يجوز التعليق عليها»، وكأنها أحكام منزّلة من السماء يجب تقبلها كما هي دون أدنى تعليق. المحكمة الدستورية مثلاً ارتدت مؤخراً أرجل أرنب سريع القفزات وحكمت بسرعة مذهلة ببطلان مجلس الشعب المنتخب، رغم أنها في واقعتين مشابهتين عامي 1984 و1987 تلبست جسد سلحفاة وانتظرت 3 سنوات حتى أصدرت حكماً مشابهاً. إذا جاء مراقب وقال إن الحكم «مسيس» لقصقصة ريش الرئيس المنتخب بحل المجلس الذي يشكل فيه «الإخوان» الأكثرية، وقتها يكون مشككاً من حملة الأجندات الأجنبية.
أما الأنظمة الخارجية التي وقفت قلباً وقالباً مع مبارك وكانت تتمنى إعادة إنتاج نظامه، فالواضح أنها لم تستسلم أيضاً بعد فوز «مرسي». قرأت مقالاً لكاتب عربي شهير معروف توجهاته ومن يحركه ويمول الجريدة الكبرى التي يكتب فيها، يطالب فيه الرئيس المصري باستكمال ما وصفه بـ «إنجازات» جمال مبارك!! أما مدير مكتب الصحيفة نفسها بالقاهرة والمعروف بعلاقته الوثيقة بأجهزة الأمن أيام مبارك، فقد انتقد سعي الرئيس لأخذ صلاحياته التي صادرها «العسكر» لحسابهم، وأكد أن «مرسي» غير قادر على إنجاز أي شيء. وتحدث بكلمات ساخرة عن مشروع النهضة الذي يسعى الرجل لتطبيقه.
عموماً ألتمس العذر للضابط والقاضي. هما نتاج عصر فاسد وتعليم جاهل وإعلام مضلل. أما الكاتب الشهير فأنا واثق أنه يعلم في قرارة نفسه أن الإنجاز الوحيد لجمال مبارك هو نجاحه في الزواج من فتاة تصغره بأكثر من 20 عاماً!
نقلا عن صحيفة العرب القطرية