رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فهمي هويدي يكتب :معيار استقلال القرار

فهمي هويدي
فهمي هويدي

من أخبار أمس أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أجرى اتصالا هاتفيا مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لإقناعه بعدم حضور قمة عدم الانحياز في طهران.

وطبقا لما نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت فإن نتنياهو قال في اتصاله الهاتفي إن ذهاب الأمين العام للأمم المتحدة إلى طهران يضفي الشرعية على نظام يهدد السلام العالمي. لم تشر الصحيفة إلى رد السيد بان كي مون، لكنني أتصور أن أي مهتم بالسياسة سوف يعتبر كلام رئيس الوزراء الإسرائيلي مزحة سمجة، لأن الجميع يعرفون نتيجة استطلاع الرأي الذي قام به الاتحاد الأوروبي، والذي ذكرت الأغلبية في نتائجه أن إسرائيل وليست إيران هي الأكثر تهديدا للسلام العالمي. ولكن السيد نتنياهو لا يراهن فقط على ضعف ذاكرة الأمين العام للأمم المتحدة، ولكنه يستخدم في خطابه استقواء بلاده بالولايات المتحدة الذي جعلها تتحدى الإرادة الدولية بممارستها في الأرض المحتلة، كما تتحدى أحكام محكمة العدل الدولية خصوصا في قرارها بطلان إقامة السور العازل.
أحد الأسئلة التي تطرحها  واقعة الاتصال الهاتفي ما يلي: هل تلقى الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي اتصالا مماثلا من نتنياهو؟.. معلوماتي أن مصر لم تعلن رسميا أن رئيسها لن يحضر المؤتمر، لكنني قرأت خبر امتناعه عن حضور المؤتمر في الصحف الإسرائيلية والصحف السعودية التي تصدر في لندن. وإذا نحينا جانبا دلالة تلك المصادفة، فإن السؤال يظل واردا، خصوصا أن مصر في تعاملها مع الملف الإيراني لاتزال فيما بدا حتى الآن ملتزمة بالإطار الذي ظل معمولا به في عهد الرئيس السابق. الأمر الذي يدعونا إلى إعادة صياغة السؤال لكي يصبح على الوجه التالي: هل كان الرئيس المصري بحاجة إلى اتصال من رئيس الوزراء الإسرائىلي أو غيره لكي يمتنع عن المشاركة في قمة  طهران؟
ليست لدىَّ معلومات في هذه الجزئية تحديدا، لكنني أفهم أن الضغوط التي مورست على الرئيس المصري لكي يقاطع قمة طهران لم تمارس من إسرائيل أو الولايات المتحدة، ولكنها كانت من الدول العربية من ناحية ومن المؤسسة العسكرية المصرية من ناحية ثانية. وليست بعيدة عن الذاكرة التصريحات التي أدلى بها الدكتور نبيل العربي حين تولى وزارة الخارجية، قبل انتخابه أمينا عاما للجامعة العربية، والتي دعا فيها إلى تصويب العلاقة مع إيران، بحيث يتم التطبيع بين القاهرة وطهران كما هو الحاصل مع بقية الدول العربية. ذلك أن تلك التصريحات أحدثت دويا شديدا في منطقة الخليج بمجرد إطلاقها. واضطر الدكتور العربي حينذاك لأن يقوم بجولة خليجية لكي يشرح فيها وجهة نظره ويهدئ من خواطر القادة الخليجيين.
اتصالا بهذه النقطة فإن وزارة الخارجية المصرية كانت في الماضي ومازالت في الحاضر، منحازة إلى فكرة التطبيع مع طهران، ليس فقط لأن مـد الجسور

مع الجميع في الخارج يعد جزءا أساسيا من وظيفتها الطبيعية، ولكن أيضا لأن الدبلوماسية المصرية مدركة تماما لأهمية تعزيز العلاقات بين الدول المحورية الثلاث في الشرق الأوسط، وهي مصر وتركيا وإيران. بقدر ما أنها مدركة لحجم الخسائر التي تترتب على عدم التواصل بين أضلاع ذلك المثلث، والتي من شأنها إضعاف كل دولة على حدة، والتأثير سلبا على قضاياها المشتركة. ولم يعد سرا أن ثمة قوى إقليمية ودولية (إسرائيل والولايات المتحدة بوجه أخص) أشد حرصا على إحلال التقاطع محل التواصل بين أضلاع ذلك المثلث.
معلوماتي أيضا أن حذر المؤسسة العسكرية أكبر في مسألة السياسة الخارجية، وأنها في ذلك أقرب إلى الالتزام بالخطوط المرسومة لمصر في عهد النظام السابق، ولابد أن يلفت انتباهنا في هذا الصدد أن التصريحات الإسرائيلية والتسريبات الأمريكية تتحدث بثقة واطمئنان أكثر عن تلك المؤسسة، وتعتبرها الطرف الأكثر تفهما لها وتعاونا معها.
لكن العنصر الأكثر حسما في المشهد يتمثل في عدم استقرار الجبهة الداخلية، الأمر الذي لا يشجع القيادة السياسية على فتح ملف السياسة الخارجية وتصويب ما يعتورها من عوج لا يستقيم استمراره في ظل الثورة التي قامت دفاعا عن كرامة المواطنين وكرامة الوطن أيضا. الأمر الذي يستصحب ضرورة الانعتاق من معسكر التبعية واستعادة الاستقلال الوطني. وهي النقلة التي لم تتحقق حتى الآن. وهو ما قد يفسر لنا اعتذار الرئيس المصري عن عدم المشاركة في قمة طهران دون أن يتلقى اتصالا هاتفيا من نتنياهو. ليس فقط لأنه لا يريد. ولكن لأنه في ظل المعادلات الراهنة لا يستطيع.
لقد أصبحت العلاقة مع إيران أحد معايير استقلال القرار السياسي المصري. الأمر الذي يسوغ لنا أن نقول إن قرار مصر تطبيع العلاقات مع طهران، سيكون إعلانا عن انعتاقها من أسر التبعية وانتقالها إلى فضاء الاستقلال المنشود