رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عادل درويش يكتب:إعادة محاولة بيع الترام

عادل درويش
عادل درويش

الهجوم الإرهابي على مركز الحدود المصرية وقتل 16 جنديا مصريا لم يكن مفاجأة. كذلك هوية الإرهابيين وآيديولوجيتهم، وهوية معاونيهم عبر الحدود، وأيضا ردود فعل الأطراف المختلفة، مصرية وغير مصرية، كلها كانت متوقعة ليس فقط لأسباب بديهية، بل لأدلة وظروف تاريخية.

دوافع النشاط في سيناء أصلا إجرامية، أضافت عليها الجماعات الجهادية الإرهابية قناعا سياسيا. المغالطة التاريخية تسمية الإرهاب جهادا إذا كان الضحايا غير مسلمين وصفتهم بروباغندا الديكتاتوريات بـ«الأعداء» لكنه جريمة في تعريف القانون.
فالقتل، والاختطاف، وتدمير الممتلكات، بصرف النظر عن هوية الضحية، جرائم في أي بلد في العالم.
وسواء كان هدف العملية إحداث تغيير في الموازين السياسة أو لتحقيق أرباح مادية (كصناعة التهريب عبر الأنفاق، خاصة البضائع مرتفعة الثمن والإلكترونيات وكماليات خارج القدرة الشرائية لنصف سكان أوروبا وغالبية المصريين) تظل عملا إجراميا.
وعبر التاريخ لا توجد أي حدود دولية في العالم لم يرتبط التهريب عبرها بشبكة واسعة من عصابات الجريمة المنظمة تتحكم في تهريب البشر الراغبين في العمل في بلدان غنية، والمخدرات، وبضائع الرسوم الجمركية المرتفعة، والرقيق الأبيض من النساء، والسلاح.
المغفلون فقط من يصنفون التهريب إلى نشاط إجرامي وجهاد نبيل. خاصة عندما اشترى بعض الصحافيين، تكاسلا أو جهلا، ترام بروباغندا الديكتاتوريات وروجوا أن المجاهدين من أجل فلسطين سيتحلون بأخلاق فرسان مائدة الملك آرثر المستديرة عندما لا يطعن الفارس غريمه إذا سقط السلاح من يده.
روج راكبو ترام بروباغندا الديكتاتورية الناصرية عن فلسطين؛ لصرف طاقات وانتباه الأمة المصرية عن انتهاك حقوق الإنسان وإهدار موارد مصر في أطماع النظام العروبية. وتطابق شعارات النظام الناصري مع شعارات البعثين السوري والعراقي، وديكتاتورية الجنون القذافي الليبي في هذا الصدد ليس مصادفة.
ولأن الفساد وسرقة خزينة الدولة بحرمانها من الضرائب والرسوم الجمركية والرشى بشعار «شيللني واشيلك» كان ملمحا أساسيا من نظام الحزب الوطني (الاتحاد الاشتراكي سابقا) وامتد من قمة النظام حتى عسكري المرور، فإن المسؤولين «طنشوا» (فعل باللغة المصرية مقابله بالعربية «تغافل المرء عن الخطأ بمزاجه») لضلوعهم مباشرة أو غير مباشرة في «بيزينس» التهريب بدفع الإتاوة على جانبي الحدود.
وعلى المستوى الشخصي طمأنت حماس العناصر الفاسدة في أقدم بيروقراطيات العالم باستمرار التهريب في اتجاه واحد، أي البضائع المشتراة من تجار رفح إلى غزة، والتعهد بعدم تهريب أسلحة وعناصر إرهابية و«شيللني واشيلك» بخير رواج السوق.
فوضى سقوط مبارك ووصول من تتلمذ الحماسيون في مدارسهم الآيديولوجية للحكم غيَّر المعادلة.
التيار الإسلامي الجهادي الذي حصد جهود شهداء ثورة 25 يناير (كانون الثاني) أطلق سراح إرهابيين عرب وفلسطينيين من السجون المصرية توجهوا مباشرة إلى سيناء ودخلوا غزة عبر أنفاق التهريب ابتداء من فجر 29 يناير 2011.
وأدعو القراء لمراجعة مقالة الزميل عادل الطريفي الأربعاء 8 أغسطس (آب) حتى لا أكرر ما ذكره من أسماء المنظمات والعناصر الإرهابية التي وجدت الملاذ في غزة وتسربت إلى سيناء، ومحاولات إقامة إمارة إسلامية جهادية من ماركة أفغانستان والصومال فيها.
لكني سأضيف ما دونته عبر السنوات في مقابلاتي مع زعماء منظمات راديكالية فلسطينية - قبل ظهور التيار الإسلامي الجهادي على الساحة السياسية - في لبنان أثناء تغطيتي الأحداث هناك ابتداء من منتصف السبعينات، أو ما نشره زملاء من مراسلي «فليت ستريت» كديفيد هيرست مراسل «الغارديان» المخضرم في بيروت، وشيخ الصحافة الراحل المرحوم جون بوللوك. من تأكيدات الراديكاليين الفلسطينيين أنهم يبذلون أقصى ما في وسعهم لإشعال الحرب العربية - الإسرائيلية الشاملة الخامسة. وفي تقديرهم، بمن فيهم عناصر محسوبة على تيار «المصالحة والتسوية السلمية»، أن الحروب العربية - الإسرائيلية عبر الحدود تكتسب بعدا عالميا يؤدي إلى تحريك القضية وتدخل القوى الكبرى وضغوط أميركا على إسرائيل.
وبعد مبادرة المرحوم الرئيس السادات بالسلام

المصري - الإسرائيلي لم تخف هذه العناصر انزعاجها من خروج الجيش المصري من المعادلة وبذلت أقصى جهودها، لنسف السلام. وما هجوم الراديكاليين من الصحافيين الفلسطينيين المستمر على مصر في عهدي السادات ومبارك، وهجوم الصحافيين أنفسهم على المملكة العربية السعودية بعد مبادرة خادم الحرمين للسلام الشامل، إلا تنفيذا للاستراتيجية (البعض يتقاضى أجر الهجوم من كيانات خليجية صغيرة).
ولذا فمغفلون أيضا من يعتقدون أن حماس والتيار الإسلاموي يفكران استراتيجيا خارج إطار «ضرورة إشعال حرب أخرى لتحريك القضية الفلسطينية»؛ هذا بجانب الهدف الآيديولوجي على المدى الطويل، وهو تدمير الدولة القومية من أجل أممية الخلافة الإسلامية. والجزء الأخير استراتيجية المدى الطويل لجماعة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها التي لم يصدر عنها أو عن حزبها الحرية والعدالة رسميا ما يشير إلى تخليهم عن هذا الهدف. وما حماس إلا امتداد وفرع للجماعة وفكرها.
وهنا نسوق السبب الذي لا يجعل رد فعل «الإخوان» على مصرع 16 مصريا في عملية إرهابية مفاجأة. تريثت المخابرات والقوات المسلحة المصرية قبل الإعلان رسميا عن الجهة المسؤولة مباشرة، ومدى مشاركة حماس (رغم إطلاق الصواريخ والقذائف من داخل غزة التي تسيطر عليها حماس، على الموقع المصري) حتى تتأكد من التحقيق وتجمع الأدلة. في الوقت نفسه، مثلما لاحظ الزميل الطريفي، أسرع «الإخوان» في بيانهم الرسمي، بيع الترام للشعب بمحاولة إبعاد التهمة عن إخوانهم في حماس (ولم يطالبوها حتى بإجراء تحقيق) واتهام إسرائيل بتدبير العملية وقتل المصريين، وتوجيه نشطائهم وشباب ساذج للتظاهر أمام مقر السفير الإسرائيلي في القاهرة.
من حيل النشالين في ترام القاهرة أن يضع النشال المحفظة المسروقة (بعد إفراغها من محتوياتها) في جيب نشال آخر أقل شهرة أو راكب بريء عندما يلمح مخبر شرطة يصعد الترام.
المطلوب اليوم من الجيش المصري تدمير جميع أنفاق التهريب، وجمع الشرطة والمخابرات الأدلة عن عصابات التهريب على الجانب المصري من الحدود؛ تمهيدا للقبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة. مشكلة نقص البضائع في أسواق غزة (خاصة الكماليات) ليست مشكلة مصرية، بل من صنع حماس، وبإمكانها حلها في 24 ساعة بقبولها الاتفاقيات والمواثيق الدولية ومع الاتحاد الأوروبي (المسؤول عن فتح وإغلاق معابر رفح) ومع جارتهم إسرائيل، وقبلها مع الإدارة الفلسطينية برئاسة محمود عباس التي قاتلوها وأخرجوها من غزة.
أما «الإخوان»، فرد فعلهم على العدوان الإرهابي على الجنود المصريين كان إجابتهم على أسئلة امتحان مفاجئ سيعلن الشعب المصري نتيجته عاجلا أم آجلا.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط