رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

شريف عبدالرحمن سيف النصر يكتب:الواقع لا تنقصه الإثارة

شريف عبدالرحمن سيف
شريف عبدالرحمن سيف النصر

كان الرسام الفرنسي جوستاف كوربيه يرسم صورا مباشرة جداً، لا تحوي أي بعد رمزي، ولكنه مع ذلك كان يعتبر نفسه الأصدق بين مصوري عصره، وكان يقول إن المهم هو الصدق في نقل الواقع، فاللوحة الصادقة تفعل في النفس أكثر مما تفعله عشرات الرموز والإيحاءات التي كانت تمتلأ بها لوحات معاصريه من فناني أوروبا. سمى اتجاه كوربيه بالاتجاه الواقعي، وأثار هذا الاتجاه جدلاً فى البداية حيث اعتبر جافاً وغير مثير، خاصة وأن محاكاة الواقع كانت تعني الجمود أو الخلو من العاطفة أو التأثير.

ولكن لاحقاً أعيد اكتشاف كوربيه وبدأ النقاد يفكون أسرار واقعيته، ويثنون على الفلسفة التي يمثلها، تلك الفلسفة التي ترى أن الواقع لا يخلو من الإثارة. المهم أن يتم نقل تفاصيله بصدق، فمن خلال التعبير الصادق عن الواقع يمكن أن تتجلي الكثير من المعاني العميقة. بطبيعة الحال ظل البعض على رفضهم لهذا الاتجاه، و أصروا على الاستمرار في إضافة المحسنات، غير الحقيقية، إلى رسوماتهم للواقع بغرض جعله أكثر إثارة مما هو عليه.
تداعت إلى ذهني هذه المعلومات عن المدرسة الواقعية وأنا أتابع الطريقة التي تعامل من خلالها الكثيرون مع أخبار التفجير الذي حدث فى مقر جهاز الأمن القومي السوري، وخبر وفاة رئيس المخابرات المصري السابق عمر سليمان، فعلى الرغم من أن هذه الوقائع—في صورتها المجردة والمباشرة—تمتلئ بالمعاني البليغة التي لا تنقصها الإثارة، والتي لم تكن بحاجة لأكثر من أن يتم تناولها كما هي، ومن دون التطوع بإضافة أى نوع من المؤثرات إليها، على الرغم من ذلك، تم التعامل مع هذه الأحداث من خلال أكثر المداخل افتعالا وهو المدخل المؤامراتي وذلك بهدف زيادة جرعة الإثارة والتشويق فيها.
وفي إطار نظرية المؤامرة تم الربط بين هذين الحدثين وراجت تكهنات مفادها أن رئيس جهاز المخابرات المصري السابق لم يمت على نحو طبيعي، وإنما لقى حتفه أثناء حضوره نفس الاجتماع الذي لقي فيه المسؤولون السوريون مصرعهم، ولإكمال الحبكة المؤامراتية أضيف إلى أسماء من قتلوا من الجانبين المصري والسوري، أسماء أخرى تركية بل وإسرائيلية أيضاً، مثل نائب رئيس المخابرات التركي، هاكان فيدان، (على الرغم من صدور تكذيب من جهاز المخابرات التركية لهذا الخبر)، بالإضافة إلى مسؤول كبير في جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (يدعى بن عوزي شامير)، زعم مروجو هذا الخبر أن خبر وفاته أذيع حصرا على التلفزيون النمساوي! ولم يذع في أي مصدر آخر.
وهكذا لم يستطع البعض أن يقبل الواقع الثري مجردا من الإضافات المفتعلة، ولم يستطع أن يقتنع أن الواقع يمكن فهمه فقط من خلال ما يحويه من تفصيلات. وعليه كان لابد —وفقا لهذا الفريق— من أن يتم استدعاء شيء ما خارق للطبيعة، شيء من نوعية المؤامرات الكونية أو الخطط الماسونية لقوى الشر التي تعمل من وراء ستار، والتي لا يمكن إحباط عملها أو تعطيل مخططاتها!
وفي إطار التفسير بالمؤامرة، لا بأس أن تجتمع كل الأضداد، فالإخوان يتحالفون مع أمريكا، والمخابرات المصرية تتحالف

مع المخابرات السورية، والمخابرات الإسرائيلية تنسق مع حزب الله، أما الاستفسار المشروع: كيف تجتمع كل هذه الأطراف المتناقضة على مصلحة واحدة وهدف مشترك؟ فليس له إجابة واضحة، كما أن السؤال البرئ من نوعية ما الذي يمكن للمخابرات المصرية أن تقدمه من أجل إفشال الثورة الشعبية السورية في الوقت الذي لم تنجح فيه في إحباط الثورة التي نشبت في عقر دارها في مصر؟ فليس له بدوره تفسير فى إطار نظرية المؤامرة التي تطرح على أنها تفسير نهائي مصمت، لا يجوز أن يعقب عليه بالمزيد من التساؤلات.
إن الاستسلام لمثل هذا النوع من التفكير التآمري، ورفض التعامل مع الواقع من خلال منطق الدليل والبرهان، يعكس حالة مرضية من قلة الثقة بالذات والهوس بقدرات الآخرين. ولقد كان الراحل القدير الدكتور عبد الوهاب المسيري يعزو شيوع هذا التفكير إلى الكسل العقلي لدى البعض، فبدلاً من إجهاد العقل بالبحث عن التفسيرات الحقيقية لأى موضوع، يتم دوما إرجاعه إلى مؤامرة كبرى ومتآمرين أخفياء يخططون كل شيء ويدبرون لكل شيء. ولكن الغريب حقا أن الجهد الذهنى الذي يتطلبه فهم الواقع على نحو مباشر يقل كثيرا عن الجهد الذي يبذله أنصار نظريات المؤامرة في محاولتهم التوفيق بين المؤامرات المتناقضة التي يحشون بها تفسيراتهم للواقع. فالأمر إذن يتعدى مجرد الكسل العقلي ليشير إلى أزمة فى الاستدلال لدى من يمارسون هذا النوع من التفكير.
إن الواقع الذي تحياه الأمة العربية والإسلامية هذه الأيام ليس بحاجة إلى أي من الإضافات التأثيرية، فهو واقع ملحمي بامتياز، سيتوقف عنده قارئ التاريخ بعد ألف سنة، معتبرا إياه بمثابة ترجمة مباشرة لإرادة الله التي تعلو على إرادات خلقه، ولهذا فإن فهم هذا الواقع يمكن أن يتحقق على نحو أفضل من خلال توظيف مدخل السنن الإلهية بأكثر مما يتحقق باستخدام منطق المؤامرات الخفية، وذلك دون أن يتضمن هذا تجريدا لتفاصيل هذا الواقع من جاذبيتها أو أوجه الإثارة فيها
نقلا عن صحيفة الشرق القطرية