عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مصطفى الغزاوى يكتب :23 يوليو 1952 .. ستون عاماً !

بوابة الوفد الإلكترونية

حالة من التشاحن داخل مصر حول ثورة 23 يوليو 1952، وكأن ثورة 23 يوليو كانت يوما وليست هي ستين عاما منذ ذلك اليوم. الجدل حول توصيف اليوم، ومن هو القائد؟ أو التغني بإنجاز كان، أو لم يتحقق، هو هروب من واجب الإدراك والتعلم والمسؤولية.

الذين يهاجمون، يمارسون ذات الأداء الذي استمر طوال الستين عاما الماضية، حرب نفسية القصد الرئيسي فيها ألا تتحرر مصر من التبعية وألا تملك إرادتها. وأن كل ما مضى كان كابوس ليل بهيم، وأنه أكاذيب وتاريخ للتعذيب وإعدام للديمقراطية، ولأنهم وحدهم يملكون الحقيقة، فعبد الناصر ليس هو قائد تنظيم الضباط الأحرار، وليسوا هم من جاءوا باللواء محمد نجيب، ولكن العكس، نجيب هو الثورة، وعبد الناصر هو من انقلب عليه، وهكذا يستمر الهجوم من البدايات عن تعمد جاهل بالتاريخ ووقائعه، ويقلبون الحقائق، ثم الاعتماد على مجرد الكلام لنقد ونقض وقائع جرت فوق الأرض لا يستطيع الكلام أن ينفيها من الوجود أو التاريخ أو يلغي ما ترتب عليها من آثار مجتمعية.
23 يوليو ليست يوما انقضى، ولكنها حركة مجتمع على مدى ستين عاما، وسط عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية لينتهي إلى عالم العولمة، وحصار المنطقة واختراقها والسيطرة على مقدراتها.
وهذا ما يجب على المدافعين عن ثورة يوليو إدراكه، فهم أحد احتمالين، إما أنهم يدافعون عما كان، وهم بذلك يحاولون تبرير وجودهم وعجزهم الآني بادعاء الانتماء لما جرى إنجازه بحركة مجتمع كامل، دفع فيها من العرق والدم والصبر ما يتجاوز قدرة الأفراد وبعقيدة وطنية جسدتها إرادة الفعل بنجاحاته وإخفاقاته، ومع ذلك وجد المجتمع ذاته تتحقق.
والخيار الثاني، امتلاك روح الثورة، وعلى منهاج الاستقلال الوطني والتحرر الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وباتجاه الأمة العربية، رغم الرياح التي عصفت بهذه المفاهيم والمعاني، من الداخل قبل الخارج، ومن الأنظمة التي أعلنت ذات الشعارات والمعاني وهي في الحقيقة كانت تبحث عن وراثة دور، والثورات ليست أدوارا تورث، وحركة المجتمع ليست تجارة سلع.
قال الأستاذ خالد محيي الدين عضو الضباط الأحرار وزعيم حزب التجمع المصري: "لقد استطاع جمال عبد الناصر أن يجمع مجموعة من الضباط الشباب من مختلف الاتجاهات السياسية حول أهداف الثورة الست"، والتي تحددت في التالي:
1. القضاء على الإقطاع.
2. القضاء على الاستعمار.
3. القضاء على سيطرة رأس المال على الحكم.
4. إقامة حياة ديمقراطية سليمة.
5. إقامة جيش وطني قوي.
6. إقامة عدالة اجتماعية.
وقبل السعي إلى تأسيس تنظيم الضباط الأحرار، كانت الفكرة الحاكمة هي أن الجيش عصا الملك في مواجهة الشعب، وأن انتزاع العصا من يد الملك هو الطريق لتحقيق أهداف الثورة.
الأمم لا تصنع تاريخها بالعرق والدم والفكر والإرادة، لتهدره أو تقع فريسة التجمد عند مرحلة من مراحله. وعندما تحدد الأمم أهداف نضالها، وتقرر أن هذه الأهداف هي مبررات الوجود، تصنع منها معيار مرجعيتها لقبول أو رفض كل ما يواجه مسيرتها سواء كان من الداخل أو من الخارج.
هل يدرك المهاجمون أو المدافعون معنى الاحتلال البريطاني لمصر؟ هل عاشوا تحت الحصار للمنازل، وترويع الأسر، ومطاردة الشباب واعتقالهم؟
هل يدركون معنى شعار "على الاحتلال أن يحمل عصاه على كتفه ويرحل أو يقاتل دفاعا عن وجوده"! كانت لغة جديدة، لم تكن حديث ساسة وسياسة وقصر وصراع على السلطة، ولكنها كانت لغة قرار للفعل، بدأ قبل 23 يوليو واستمر بعدها في موجات توافقت مع الحركة الشعبية لمقاومة الاحتلال البريطاني، حتى تحقق الجلاء.
وماذا يعني قانون الإصلاح الزراعي، هل هو تنفيس عن حقد تجاه كبار الملاك، أم أنه تحقيق للقضاء على الإقطاع، ألم تبقى المواجهة مع الإقطاع حتى منتصف الستينيات؟، فالظواهر الاجتماعية لا تنتهي لمجرد الرغبة في إنهائها، ولكنها تستغرق زمن إيجاد البديل ثقافة وسلوكا وإمكانية.
وماذا يعني تمصير المصالح الأجنبية في مصر، والمعنى ليس فقط في امتلاك مقدرات وطن، ولكن المعنى يشمل أيضاً كيف جرى إتمام ذلك. فقد خرجت التقارير من السفارات الأجنبية في مصر تقول إن المصريين الذين يدخلون إلى مكاتب الشركات الأجنبية فجأة ودون سابق إنذار، يعلمون كل شيء عنها، ويتجهون إلى ما يريدون حيث مكانه بمجرد دخولهم ودون إرشاد من أحد من هذه الشركات.
وهو ما جرى عند تنفيذ قرار تأميم قناة السويس، لم يكن الأمر مجرد اتخاذ قرار سياسي وإعلانه، ولكن واكبت ذلك دراسة القدرة على التنفيذ وتوفير الإمكانات لها، وتقدير الموقف قبل القرار وبعد إنجازه، ولعل أزمة المرشدين الذين أضربوا عن العمل بعد التأميم لإحراج الإدارة المصرية وإثبات عجزها، ولكن تم التعامل مع الموقف وإدارة الأزمة وتجاوزها مما يعني أن المواقف لم تكن عنتريات ولكنها إدارة وإرادة سياسية تدرك معنى القرار وتبعاته.
وإذا أردنا إدراك معنى البناء، فقصة النصر للتصدير والاستيراد والسيد محمد غانم ما يؤكد أنه لم يكن هناك شيء يتم بالصدفة، فقد طلب عبد الناصر من محمد غانم معايشة شركات التصدير والاستيراد والعمل بها ثم طلب منه تأسيس الشركة وبرأسمال 80 ألف جنيه، ولتصبح شركة النصر هي البوابة إلى الدائرة الإفريقية، وليست مجرد شركة للتجارة، بل تخطت ذلك إلى دعم الحركات التحررية في إفريقيا، وكانت أفرعها محطة ارتكاز لتفجير الحفار الذي استأجرته إسرائيل للتنقيب في خليج السويس بعد حرب 67.
ورغم الجهود العظيمة التي بذلت لبناء السد العالي، والتخطيط والتنفيذ، وتحقيق الهدف في توقيته، إلا أن علامة فارقة كانت الرابط بين خبرة البناء في السد وبين حرب 1973 حيث تمت الاستفادة من مدافع المياه التي كانت تستخدم للتجريف في السد كي تستخدم في فتح الثغرات في خط بارليف. ثم الموقف من الدائرة الإسلامية، لم يكن أبداً دعوة للخلافة الإسلامية مجهولة المصدر والمضمون والمقصد،

ولكن التعامل مع الدائرة كان تعاملا مع الشعوب، ليتحول الأزهر إلى منارة علمية لعلوم الدين وعلوم الهندسة والطب وغيره من العلوم الإنسانية، ولم يكن الموقف من الأزهر يعني الخصومة مع الكنيسة، ولكن مشهد افتتاح الكاتيدرائية المرقصية بالعباسية كان ترجمة واضحة لمعنى هتاف "عاش الهلال مع الصليب" وهو ما أجهض كل محاولات الفتنة في ثورة 1919.
ثم تعبير انقلاب العسكر وحكم العسكر، فأين هم العسكر - الانكشارية والمماليك - الذين ينزعون عصا الملك من يده ويرفعون أهداف الشعب ويتجهون لتحقيقها واستطاب منزوعو العلاقة مع التاريخ وتطوره ترديد هذه العبارات دون أن يبذلوا جهدا لتحقيق أهداف الثورة، ولكن حركة المجتمع كانت أقوى بعد يونيو 1967 وجرت الوقائع التالية:
الأولى تظاهرات عمال حلوان وطلبة الجامعة فبراير 1968، وتم إصدار بيان 30 مارس كدليل عمل لفترة التحرير، ولعل البعض يعود لقراءة ماذا قالت حركة المجتمع.
الثانية أن النكت الشعبية نالت من رجال القوات المسلحة ووقف عبد الناصر وبوضوح ومكاشفة ليقول إن النكت تنال من معنويات الرجال وقدرهم، وأنها تمثل جانبا من حرب نفسية تستهدف مصر، لتتوقف النكت ويسود تيار شعبي رافض لأي نكتة تنال من القوات المسلحة، هكذا كان فعل الرجال وهكذا كانت حركة المجتمع.
الثالثة أن هذه الفترة شهدت وضع رؤية للعلاقة بين القوات المسلحة وبين الدولة، وأن القرار السياسي بيد السلطة السياسية، وليست هناك دولة داخل الدولة، تم هذا وفي أولى اللحظات بعد يونيو 1967 ولتكون هذه هي قاعدة العمل حتى حرب التحرير.
والنقطة الرابعة في استيعاب معنى العسكرية المصرية، تتمثل في الإجابة عن السؤال الأهم في معركة الإرادة واسترداد الشرف العسكري، من كان يقاتل في حرب الاستنزاف وحرب 1973؟ ألم يكونوا خريجي الجامعات المصرية وبلا استثناء؟ أي كل مصر، هل يعلم أحد ممن يتحدثون عن العسكر معنى هذا الاندماج وأثره على مصر، وأثره على القدرة القتالية للجيش المصري.
إن ذلك كله هو حركة مجتمع وليست حركة فئة أو جماعة أو أفراد. إن الاتصال في الأهداف بين ثورة يوليو وثورة يناير يؤكد أن حركة المجتمع تسعى لاستكمال أهدافها.
إن شعار "عيش حرية عدالة اجتماعية" كان دلالة على ما جرى إهداره بعد حرب التحرير 1973 ابتداء من سياسة الباب المفتوح الاقتصادية "الانفتاح"، وانتهاء إلى تسليم الإرادة الوطنية لأمريكا لأنها تملك 99% من أوراق اللعبة.
حركة المجتمع وليست الرؤية الاشتراكية لعبد الناصر هي التي استدعت قاعدة الـ50% عمالا وفلاحين كأعضاء بالمجالس المنتخبة، هذا تعبير عن حقيقة القوى الاجتماعية التي لا تستطيع منافسة مالكي الأموال على المقاعد النيابية، ليضمن لهم حقهم في التمثيل النيابي، إنه حركة مجتمع أيضاً يحاول من لا يملك الآن ومن لا يستحق سلب العمال والفلاحين هذا الحق.
والفارق كبير بين إلغاء نسبة الـ50% من العمال والفلاحين وبين وضع ضوابط وضمانات تنفيذها، ولقد عاصرت هذا الأمر عندما تقدم بعض المهندسين بطلب شطبهم من النقابة لأنهم سيخوضون الانتخابات بصفة "فلاحين"! ونزف القلب دماً عندما تجد مهندسا شابا يريد شطب اسمه من عضوية النقابة حتى يستطيع أن يسافر للخارج في مهنة أقل درجة ولأنها هي المتوفرة أمامه وتوفي احتياجه للعمل ولقمة العيش.
إن الصراع الذي تخوضه حركة المجتمع المصري من أجل التقدم في مواجهة أعداء الخارج والانتهازيين في الداخل، هي قصة ثورة يوليو أو الحقبة بين ثورتين، لتنفجر إرادة الشعب من جديد في ثورة يناير 2011.
إن ثورة يوليو ليست خطابا يلقى في مناسبة عيد قومي بارد لا ينتمي للثورة بأي معنى، كما أنها ليست زيارة لضريح عبد الناصر، إنها قصة عمل ونضال وبناء، هي قصة شعب وأمة، هي قصة حركات التحرر الوطني في كل مكان، والشعوب الساعية إلى الحرية والتنمية والعدالة الاجتماعية
نقلا عن صحيفة الشرق القطرية