عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فهمى هويدى يكتب:قلق من تمصير الأزهر

فهمي هويدي
فهمي هويدي

منذ شهر تقريبا يتعرض المسلمون في ميانمار (بورما سابقا) لمذبحة مروعة يتجاهلها الجميع، بحيث لم تكترث بها المنظمات الدولية أو الأزهر الشريف. صحيح أن بعض التقارير أشارت إليها، كما سمعنا صوتا للأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي دعا إلى وقف المذبحة لكن ذلك كله ظل بلا صدى. ووقف الكل متفرجين على ما يجري لملايينهم الخمسة.

مأساتهم ليست جديدة، فمنذ إعلان استقلال «بورما» في عام 1948، لم يعترف الدستور بأولئك المسلمين الذين يعيشون في إقليم أراكان ويعرفون باسم «الروهينجا» بدعوى أن أجدادهم لم يكونوا من سكان البلد الأصليين، ومنذ ذلك الحين لم تتعامل معهم السلطة أو الأغلبية البوذية كمواطنين. وظلوا طول الوقت عرضة للاضطهاد والإقصاء ومهددين بالطرد إلى ما وراء الحدود. بوجه أخص فإن الحكم العسكري الذي استولى على السلطة في عام 1962 مارس بحقهم التطهير العرقي، وطرد منهم إلى الجارة بنجلاديش دفعات على فترات متفاوتة تراوحت بين 150 ألفا ونصف مليون مسلم. وشجعت تلك الحملات غلاة البوذيين على الاعتداء على ممتلكاتهم وإحراق بيوتهم وزراعاتهم، وممارسة مختلف صور العنف الجسدي بحقهم.
منذ استقلال بورما ومسلمو الروهينجا محرومون من مواصلة التعليم في الجامعات، وممنوعون من التوظف في الحكومة، وممنوعون من السفر إلى الخارج، حتى إذا كان ذلك لأداء فريضة الحج. بل إنهم ممنوعون من الانتقال من قرية إلى أخرى، ومحظور عليهم دخول العاصمة رانجون. فقط هم مطلوبون كجنود في الجيش توكل إليهم الأعمال الشاقة مثل شق الطرق وردم الأنهار وإقامة الجسور. أما تجارهم فيدفعون ضرائب باهظة والمزارعون منهم لا يجوز لهم بيع محاصيلهم إلا للجيش. ومن يخالف هذه التعليمات مصيره السجن. وعقوبته قد تصل إلى الإعدام.
ظل الأصل هو اضطهادهم والتنكيل بهم لمجرد أنهم مسلمون غير مرغوب في وجودهم. وحين يرتكب بعضهم أي خطأ فإن الجميع يتعرضون لأقسى العقوبات. وهو ما حدث في شهر مايو الماضي حين تم اغتصاب امرأة بوذية وقتلها، وقد اتهمت الشرطة ثلاثة مسلمين في الجريمة، الأمر الذي أثار ثائرة الغوغاء والغلاة البوذيين الذين هاجموا بيوت الروهينجا وقتلوا عشرات منهم. وكما ذكرت منظمة هيومان رايتس ووتش فإن قوات الأمن أطلقت يدها في اعتقال العشرات منهم وتدمير بيوتهم. وحين تجاسر نفر من الروهينجا وردوا العدوان الواقع عليهم وصفتهم وسائل الإعلام بأنهم إرهابيون وخونة وأعلنت الحكومة حالة الطوارئ بحجة وقف العنف. وفي الوقت نفسه، استخدمت قوات أمن الحدود لحرق المنازل وقتل الفارين الذين كانوا يحاولون الهروب إلى بنجلاديش. وأعلن أن الحكومة عرضت حل الإشكال عن طريق طرد كل السكان الروهينجا أو دفع

الأمم المتحدة إلى إعادة توطينهم، وهو الاقتراح الذي رفضه مسؤول الأمم المتحدة على الفور.
وسائل الإعلام الآسيوية سجلت مشاهد مروعة من قصص الطرد والملاحقة والقمع التي تعرض لها أولئك المسلمون، التي لم ترحم شيخا أو امرأة أو طفلا. وتناقل اليوتيوب صور بيوتهم المحترقة وجثث قتلاهم المشوهة ونسائهم اللاتي تعرضن لمختلف صور التعذيب فضلا عن الاغتصاب. وهي الممارسات التي قوبلت بالصمت واللامبالاة من جانب المنظمات الدولية وعواصم الدول الكبرى.
هذا الأسبوع أطلق أحد الأشخاص النار على رواد أحد دور السينما في ولاية كلورادو الأمريكية، وأدى ذلك إلى قتل 14 شخصا وإصابة خمسين آخرين. فعمم الخبر على العالم وظلت وكالات الأبناء تبث تفاصيله وأصداءه على مدى ثلاثة أيام متوالية، لكن تلك الوكالات لم تنقل شيئا من أخبار المذبحة البشعة الحاصلة في ميانمار منذ أكثر من شهر.
السؤال الذي يشغلني ليس موضوعه عدم اكتراث المنظمات الدولية بما يلقاه المسلمون الروهينجا من عذابات، حيث ذلك ليس مفاجئا تماما، ولكنه لماذا يصمت العالم الإسلامي ولا يرفع صوته مستنكرا أو داعيا إلى حماية أرواح أولئك المسلمين البؤساء. أيضا يحيرني سكوت الأزهر الذي يعد أحد أهم المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي. الذي انضم إلى المتفرجين ولم تصدر أي إشارة تعبر عن الاستنكار أو الاستياء.
إنني أخشى على الأزهر من «تمصيره» واستغراقه في الشؤون الداخلية، بما يجعله يتجاهل هموم المسلمين في الخارج، الأمر الذي يسحب من رصيده كمنارة للعالم الإسلامي لم تغب عنه طوال القرون التي خلت. وأستحي أن أقول إن الساحات التي يغيب عنها الأزهر في ذلك العالم، تتقدم فيها على الفور المؤسسات الإغاثية الكاثوليكية لكي تثبت حضورها لأهداف وغايات أخرى بطبيعة الحال
نقلا عن صحيفة الشرق القطرية