رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

روجر أوين يكتب محاولة لفهم سياسة أوباما الخارجيّة

بوابة الوفد الإلكترونية

نادراً ما يشارك مؤيّدو الرئيس باراك أوباما في ماساتشوستس، الذين أتحدّث إليهم، في الانتقادات العلنيّة التي تطاول رئاسَته، لسبب واضح: مهما كانت أخطاؤه، إنهم يخشون أكثر بكثير المواقفَ السياسيّة التي يقترحها خصمه الجمهوريّ ميت رومني. وعلى الرغم من ذلك، ثمّة العديد من الأمور التي يمكن انتقاد باراك أوباما عليها، بخاصّة في ما يتعلّق بسياسته الخارجيّة. ولكن النقد يجب أن يتمّ ضمن الإطار الذي يجد نفسه فيه وللأسباب المناسبة.

ومن هذا المنطلق، ثمة مواقف ثلاثة تشكّل موضوعاً للانتقاد. أولاً، استخدامه الطائرات من دون طيار لتنفيذ اغتيالات على طول الحدود الباكستانيّة الأفغانيّة، بعد أن يقرر بنفسه ومن دون اللجوء إلى أيّ إجراء قضائي، إصدار أحكام فوريّة تتعلّق بالأشخاص الذين يعتقد أنّه يجب قتلهم، كما أفاد به أشخاص غير مقرّبين. ثانياً، اعترافه العلني باستخدام أسلحة الحرب الإلكترونيّة، ليس فقط لإعاقة مشروع إيران النووي بالتوافق مع الإسرائيليين، ولكن أيضاً لاختراق أجهزة الكومبيوتر في الشرق الأوسط والإساءة إليها والاتجار بها باعتبار أنّ الهدف هو المناورة والمراقبة السياسيّة. وأخيراً، لم يفسّر بعد كما ينبغي سياسته تجاه إيران عموماً وكيف يمكنه التوفيق بين بحثه عن حلّ سلميّ وتصريحه بالاستعداد مهما كلّف الأمر لمنع إيران من صنع قنبلة، وهو أمرٌ يقرّبه بشكلٍ خطير من الفرضيّة الإسرائيليّة الزاعمة بأنّ الطريق التي تؤدّي إلى إنتاج سلاح كهذا هي تماماً مثل امتلاك هذا السلاح بالفعل.
إلا أن الكل يعلم أنّ أوباما رجلٌ ذكيّ جدًّا ويمكن الاعتماد عليه في اعتماد المنطق بدلاً من المشاعر في كلّ ما يقوم به. لذلك، وعند الحديث أولاً عن هجمات الطائرات من دون طيار، يمكننا الافتراض أنّه يعتقد أنّ بإمكانه تبريرها من حيث إنقاذ حياة الأبرياء وصون المصلحة الأميركيّة الوطنيّة الكبرى. ويمكننا أيضاً الافتراض، رغم أنّ الموضوع تخمينيّ، أنّه أخذ تماماً بالاعتبار الحجة المعروفة التي تقوم على حقيقة أنّ هجمات كهذه تنتج إرهابيين في المستقبل أكثر ممّا يمكن أن تقتل فعلياً.
أمّا في ما يتعلّق بالاختراق الإلكتروني الأميركيّ لأجهزة الكمبيوتر في الشرق الأوسط، فيمكننا التأكّد من أنّه تمّ تبرير ذلك بأنّه يخدم المصلحة الوطنيّة الأميركية الكبرى. ولكن هنا، أعتقد أنّ أوباما استند إلى حججٍ ضعيفة بحيث يبدو وكأنّه اقتنع بضرورة وضع حدّ لهذه الأعمال نظراً إلى قراره الأخير الذي تمّ إعلانه مراراً وتكراراً. فلا يتلاءم مثل هذا القرار مع البلد الذي ابتكر النظام العالمي للاتصالات المفتوحة الممثّل بشبكة الإنترنت و»الويب» المنتشر عالمياً ليُحكم عليه بأنّه يراقب أو يعيق بأي شكل من الأشكال العمليّة الدولية. وأكثر من ذلك، ثمّة أدلّة توضح أنّ الولايات المتّحدة تستخدم مفهوم الانفتاح كسلاحٍ ضدّ الصّينيّين ونظامهم الخانق في مراقبة الإنترنت.
إلى ذلك، وبالأهمية عينها، إن التركيز على انتقاد أوباما بحدّ ذاته قد يقود إلى غض الطرف عن نقطة أكبر وأهمّ ألا وهي الانقسام والانتقادات داخل الإدارة في الفترة التي تسبق إجراء الانتخابات الرئاسيّة في تشرين الثاني (نوفمبر)، مع انغماس الرئيس بشكل شبه كامل في حملته الانتخابية ضدّ ميت رومني بينما يترك الإدارة الفعليّة للسياسة الخارجيّة لهيلاري كلينتون. والجدير بالذكر أنّ هذا الأمر مثير أكثر للاهتمام لا سيما في ظل توقع استقالة الوزيرة كلينتون من منصبها كوزيرة للخارجيّة قبل تشرين الثاني، وهو توقيت يبدو أنّه حفّزها على القيام بسلسة محاولاتٍ أخيرة نشيطة، إن لم تكن محمومة، لمعالجة وحلّ بعض المشاكل الأكثر إلحاحاً في السياسة الخارجية الأميركيّة في الشرق الأوسط وفي أماكن أخرى، كما تأمل على الأقلّ. ومن هنا ينبع اهتمامها الشديد مؤخّراً بسورية وأفغانستان وباكستان وبوتيرة أقلّ بالأحداث في مصر.
وفي بعض الحالات، كانت الأمور بسيطةً نسبيًاً، كالاعتذار المنسّق بشكل جيّد الذي تمّ تقديمه إلى الحكومة الباكستانيّة، عن مقتل 24 جندياً باكستانياً بعد أن شنّت منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) غارةً جويّةً أدّت إلى إعادة فتح خطوط الإمدادات الحيويّة عبر الحدود الأفغانيّة. وبالمثل كان الإعلان الذي تمّ تقديمه بعد

التوقيع على المعاهدة الأميركيّة الأفغانيّة التي تعتبر أفغانستان حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة على المدى الطويل من غير أن تكون عضواً في الحلف الأطلسي، وصُمّمت هذه الخطوة لإقناع حركة «طالبان» أنّه، كما صرّحت كلينتون، «لن يستفيدوا من خروجنا من أفغانستان كما يتوقعون.»
أمّا سورية، فهي مسألة أخرى. ورغم كلّ التحذيرات التي وجّهتها كلينتون، لا يبدو أنّها تركت أثراً كبيراً في قرار روسيا بدعم نظام الأسد المحاصر، كما أنّها لم تنجح في إقناع الحكومة التركية بزيادة ضغطها العسكري على دمشق. ومع ذلك، يبدو أنّه يتمّ إعداد مشروع يهدف إلى فرض منطقة يحظّر فيها الطيران وتشكّل ملجأً آمناً على طول الحدود، فربّما يكون هذا المشروع جدياً بما فيه الكفاية لتنبيه حكومة الأسد وإجبارها على إظهار استعداداتها العسكريّة الخاصّة بها. ومن المستحيل أن يجزم غير المقربين ما إذا كانت وزارة الخارجية الأميركية هي التي أطلقت هذا المشروع أم أنّه صدر عن وزارة أخرى في الإدارة الأميركيّة. أما في ما يتعلّق بمصر، فثمّة أسباب عديدة تدفعنا إلى الاقتناع بأنّ السيّدة كلينتون لا تزال تمارس ضغط إدارة أوباما المستتر على الجيش لكي يعترف برغبات الناخبين المصريّين ولكي يسمح للحكومة التي تمّ انتخابها أن تؤدّي دورها في الحكم وتقترح دستوراً جديداً يتبعه استفتاء شعبيّ.
ومن هنا يمكن القول إجمالاً إن كلّ ما قامت به كلينتون لا يشكّل سجّلاً سيّئاً ويوفّر أساساً صلباً لمن سيخلفها على رأس الوزارة، شرط فوز أوباما في الانتخابات التي ستجري في تشرين الثاني. أمّا في ما يتعلّق بمستقبل كلينتون، فلا أحد ممّن تحدّثت إليه في واشنطن يدرك فعلاً ماذا سيكون عليه، ويعتمد على الأرجح على ما إذا كانت لا تزال متحمسةً لخوض الانتخابات الرئاسيّة عام 2016. وفي هذه الأثناء، ربّما تتمكّن من الانتقال إلى مركز نائب الرئيس، فهو أقلّ تطلّباً.
ولا بدّ من طرح فكرة أخيرة: كلّ ما سبق أن ذكرناه كفيلٌ بتبرير عدم مبالاة أي من كلينتون أو أوباما بالقيام بمحاولة لإيجاد حلّ للقضية الفلسطينيّة-الإسرائيليّة، وبخاصّة حلّ يتضمّن ضغطاً مباشراً على الحكومة الإسرائيليّة. وعليه، وفي ما يتعلق بالاعتبارات الانتخابية الأميركيّة فقط، قد يناسب كلّ عضو في حكومة أوباما الاستمرار في سرد قصّة إمكانية تطبيق حل الدولتين، وأنّ هذا الحلّ لا يزال يتطلّب تقديمَ تنازلات من الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس.
إنّ الرئيس أوباما والوزيرة كلينتون شخصان ذكيّان جدًّا وقادران على استخدام المنطق في كل القضايا الدوليّة. ولكن في القضية الفلسطينية بالذات، تتفوّق المصالح السياسية على المنطق بشكل شبه دائم في الإدارات الأميركية وكما هي الحال مع هذه الإدارة.
نقلا عن صحيفة الحياة