رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حالة الإقليم العربى!

عبدالمنعم سعيد
عبدالمنعم سعيد

عندما دعا كل من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، والرئيس المصري محمد مرسي، إلى العمل سويا من أجل تحقيق الاستقرار في المنطقة كان نوعا من استدعاء واجب قديم على التحالف المصري - السعودي الاستراتيجي الذي كان يحتاج إلى إعادة بناء في الأهداف والوسائل.

صحيح أن الضرورات ظلت كما هي لأن حقائق التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا لا تتغير بسهولة؛ ولكن ما جرى من مياه تحت الجسور خلال عام ونصف غير من أمور كثيرة جعلت هناك حاجة للاستقرار على معنى جديد للاستقرار في منطقة باتت تعج بالعديد من المتغيرات والتغيرات «الثورية» التي تجعل للاستقرار معاني مختلفة.
الدولتان مرشحتان بامتياز لأن يكون «الاستقرار» أهم ركائز سياساتهما الداخلية والخارجية، واحدة - مصر - بسبب عدد السكان الذي لا يتحمل طويلا أزمانا هائجة، وواحدة - السعودية - بسبب الثروة والأماكن المقدسة التي تحتاج إلى بيئة مستقرة للاستخدام والاستثمار والحماية. ولكن الواقع أمر آخر فقد مرت مصر بتجربة ثورة لا تزال لها تعبيراتها في ميادين التحرير المصرية، ولها تعبيراتها الزاعقة في وسائل الإعلام العربية والأجنبية أيضا، كما أن أشكال القلق لا تزال قائمة حول الدستور والانتخابات وإعادة الجمهور إلى منازله، والعمال إلى مصانعهم، والدولة إلى ركائزها. ولكن الحقيقة التي لا مراء فيها هي أن الدولة المصرية صمدت بمؤسساتها العسكرية والقضائية والبيروقراطية وعندما تم انتخاب الرئيس كان الأمر إيذانا بالعودة الكاملة للدولة. صحيح أن الدولة المصرية لم تعد كما كانت، أو كما تعود عليها جيرانها وحلفاؤها وحتى خصومها، ولكن التغير الذي جرى على أهميته وعمقه، لم يحجب الحقائق الجيوسياسية، والجيواستراتيجية التي يعمل الكيان السياسي المصري في إطارها.
كان ذلك أول علامات حالة الإقليم بالنسبة لواحدة من أهم القوى الإقليمية وهي تتفاعل مع القوة الأخرى، فيها قدر من الضرورة، وقدر من الاختيار الذي يبحث ويتحسس الجديد في الحالة. ولكن كلاهما يدرك أن «الربيع العربي» مهما كان فواحا بعبارات نبيلة فإن جوهره عدم الاستقرار على أكثر من مستوى ويحتاج إلى تفاهمات استراتيجية للتعامل مع آثاره. وعلى سبيل المثال فإن كلا البلدين يؤيد الثورة السورية، وربما لم يكن لدى أي منهما شك أن سقوط بشار الأسد ما هو إلا مسألة وقت سوف يعمل البلدان على أن يكون مدته أقصر ما يمكن، والألم فيه عند الحد الأدنى. ولكن سوريا ليست إلا مثلا معبرا عن حالة التغيير الجارية في المنطقة، فالمسألة ليست فقط تصفية آخر علامات الستينيات من القرن الماضي بعد سقوط التجربة الناصرية في مصر والبعثية في العراق، والقذافية في ليبيا، ومثيلتها التي لا توجد لها تسمية شهيرة في اليمن؛ ولكن المسألة فيها أيضا ظواهر صعبة تخص الدولة العربية أيا كانت أيديولوجيتها. فسواء أردنا، أو لم نرد، فإن الدولة العربية بات عليها أن تتعامل بعيدا عن المفهوم المركزي للدولة الذي ساد منذ عهد الاستقلال واعتمد على إذابة الأقليات، واعتبار كل أشكال التعبير الثقافي أو السياسي اندفاعا نحو الانفصال وتفتيت الدولة. التغير بدأ في الصومال والعراق ولبنان حتى قبل ظهور الربيع العربي، وتجسد في تقسيم السودان بعد الربيع نتيجة اتفاق جرى قبله، ولكن شواهده الجديدة ظهرت في ليبيا واليمن وسوريا والبحرين. المسألة الجديدة القديمة في الإقليم العربي هي أن «الدولة المركبة» باتت تفرض نفسها سواء من خلال الربيع الذي تشمل ثوراته الجميع، أو من دونه.
وربما كان مثال الدولة المغربية فريدا عندما سبقت منحنى رياح التغيير ليس فقط بالتغييرات الدستورية التي قلصت من سلطات الملك، ولكنها أيضا أتاحت للأمازيغية مكانا أوسع في ساحة سياسية تميزت من الأصل بالمرونة واللامركزية فبات الفضاء السياسي أكثر رحابة عما كان من قبل.
للأسف فإن هذا المثال ليس متكررا كثيرا في الدول العربية الأخرى، الاتجاه الإصلاحي الداعي إلى توزيع الفضاء السياسي يعاني من شك عميق. ولكن هذا ليس موضوعنا اليوم، ولكن نتيجته هي أن الاستقرار في المنطقة سوف يظل مهددا لفترة

ممتدة قادمة ربما حتى نهاية العقد. هذه المرة فإن التهديد من نوع جديد لأنه يمس صميم الدولة ويخلق مجالات حولها، وعندما تطالب أقليات كردية أو تركمانية بالاعتراف بقوميتها لأن سنيتها ليست كافية، فإن امتداداتها في العراق وإيران وتركيا لا يمكن تجاهلها. معادلة الاستقرار إذن تدور في وقت لم يعد ممكنا فيه تجاهل حقيقة الدولة المركبة وضرورة التعامل معها من خلال أساليب ثقافية وإدارية وسياسية، ودون خجل من أشكال لها علاقة باللامركزية أو الحكم المحلي والحكم الذاتي وحتى الفيدرالية السياسية. المسألة ببساطة أن التخلص من الطاغية - بشار الأسد أو صدام حسين أو حزب البعث - لا يعني بالضرورة التخلص من الطغيان الذي قد يأتي من أيديولوجية أو من طائفة كبرى تعتقد أن أغلبيتها تعطيها حقا في السيطرة.
لقد سبق أن طرحنا ذلك عندما ميزنا في الحالة المصرية بين «الفرعون» و«الفرعونية»، وهي الآن بين الطاغية والطغيان والعهد الجديد من عدم الاستقرار الذي تستغله قوى خارجية بلا جدال. وفي الوقت الذي كان فيه العاهل السعودي يجتمع مع الرئيس المصري كان رجب طيب أردوغان في أنقرة يصدر أحكاما على التجربة المصرية وحكم المحكمة الدستورية العليا. وجاء ذلك بعد فترة ليست طويلة من دعوة ذات الرجل للإخوان المسلمين في مصر للحكم على خلفية دولة علمانية. بالطبع فإن التجربة التركية ليست موضع نقاش هنا، ولكن الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هي أن تركيا وليس حزب العدالة والتنمية أو رئيس الوزراء التركي تضع على عاتقها حقا في إرشاد دولة عربية إلى الطريق الذي يجب أن تسير فيه. جرى ذلك في الوقت الذي كانت فيه هيلاري كلينتون تعطي نصائحها هي الأخرى في الديمقراطية التي يجب على الأطراف السياسية المصرية أن تتعامل معها. أما إيران فدورها لا يحتاج إلى توضيح، ولكن المهم أن الأدوار الإيرانية والأميركية والتركية ليست مجرد تصريحات، ولكنها تحركات سياسية، وأحيانا اقتصادية وعسكرية، وكل ذلك يتفاعل مع حقائق الثورات العربية من جانب، ومولد الدولة المركبة أو الفاشلة من جانب آخر.
حالة الإقليم العربي سواء من الداخل أو الخارج لا يوجد فيها حلول سهلة للتعامل مع قضية الاستقرار؛ ولا يوجد في الرأي ما هو أقل من أن يكون الإصلاح في الداخل دائما أسرع وأوسع في منحنى التغيير من ناحية، والإيمان بأن الحقائق الكبرى للجغرافيا والتاريخ والديموغرافيا يجب أن لا تضيع وسط ديناميكيات جديدة ينبغي عدم التقليل من شأنها من جانب، والتكيف مع ما تجلبه من حقائق جديدة من جانب آخر، ولكن في كل الأحوال عدم الخضوع لها من جانب ثالث.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط