رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

خيري منصور يكتب :إعادة اكتشاف إفريقيا

بوابة الوفد الإلكترونية

تبدو التصْريحات المُتعَلّقة بإفريقيا سواء كانت صادرة من مصر أو أي بلد عربي آخر، كما لَوْ أنها تعيد اكتشاف القارّة، ومن هذه التصريحات ما يقتصر على الأَمْن المائي فقط، رغم أن إفريقيا كانت في العقدين الأخيرين مجالاً حيوياً للحراك الصهيوني، ليس فقط على صعيد اقتصادي بل على الصعد كلها الأمني والاستراتيجي والزراعي، لأن قَدَرَ قارّةِ المنَاجِم وسلال الغلال كان منذ البداية أن تَتَعرض للأطماع من كل صَوْب . ومن يُقَدّرون خسائرها بالمليارات، ويطالبون باعتذار الرجل الأبيض لها لما ألحقه بها خلال قرون، يَنْسون ما هو أهم من ذلك وهو الاستباحة والانتهاك المعنوي، ما دفع أبرز مثقفي إفريقيا إلى النضال على جَبْهَتيْن، وليس على جبهة استعمارية واحدة، فقد كانت قضية “الزّنْوجة” لزمن طويل أحد الجواذب الكبرى لهؤلاء المثقفين والناشطين، وقد تعدّ قصيدة ليوبولد سنغور الشهيرة عن نيويورك مثالاً، حيث يرى رئيس السنغال الأسبق والشاعر الكوني سنغور أن أمريكا استبدلت بالزيْت ووسائل تَشْحيم مفاصل آلاتها الفولاذية دماءَ الأفارقة .

النّيل بالنسبة إلى مصر هو الحياة ذاتها وليس أحد أسبابها وروافدها فَقَطْ، لهذا تناقلت الأجيال عن هيرودوتس عبارته الشهيرة، وهي أن مصر هبة النيل، لكن ما يمكن إضافته إلى هذا القول القديم هو النيل قدَرَ جريانِه في الأراضي المصرية هو هبة السياسة والعلاقات الإقليمية والتحالفات، لقد وصَفَهُ عالم الجيوبوليتيك الراحل جمال حمدان في كتابه “عبقرية المكان” بأنه يجري شرقاً وهذا القدر الجَغْرافي لعروبة مِصْر هو المرادف لِقَدَرِها التاريخي .

ومنذ أعوام والعلماء المصريون المتخصصون بالرّي والنّيل يقرعون أجراس النّذير، لهذا يرى بعضهم الآن أن زيارة الرئيس الجديد إلى إفريقيا ضمن مؤتمر، هي الأولى بعد تلك القطيعة التي أعلنها الرئيس السابق مبارك بعد محاولة اغتيال فاشلة في إثيوبيا .

فهل سيكون الملف الإفريقي من أبرز ملفات مصر المقبلة؟ وهل سَيُعاد النظر استراتيجياً في القارة ذات الشعاب المعقدة، والتي لا يدريها أحد كَأَهْلِها؟

حاول زعماء عرب منهم راحلون ومخلوعون طرق أبواب القارة بمختلف الوسائل، ومنهم من سعى إلى أن يستبدل بالعروبة الأَفْرَقةَ فخسر الاثنتين معاً .

إنّ أي حراك دبلوماسي وسياسي في إفريقيا يمارسه العرب سَيَرْتَطِم بالضرورة بمن سبقهم إلى تلك القارة، وبالتحديد الدولة العبرية التي ملأت فراغاً تركه العرب بعد أن انكفأوا على أقطارهم، ولم تعد حساباتهم الاستراتيجية تتجاوز مجرد البقاء على قَيْد السلْطة . وهناك منظمات ثقافية وأخرى ذات توجه سياسي، حاولت الربط بين شجون القارتين: آسيا وإفريقيا، لكنها أصيبت بالضمور، ولم يتبق منها واقعياً غير طقوس بروتوكولية أقرب إلى الفولكلور، كما حدث لِكُتْلة عدم الانحياز التي تواصل نشاطها السياحي بفاعلية شبه معدومة .

وإذا كان للمتغيرات التي عصَفَتْ بالعالم العربي من أحداث تَغْيير في أنماط التفكير واستراتيجيات التعامل بشكل مختلف مع الإقليم والعالم، فإن إفريقيا يجب أن تكون المقدمة التي تَخْتَبر هذا التغْيير، خصوصاً بالنسبة إلى مصر التي انقطعت عن دورها في هذا المجال لعقود عدة .
نقلا عن صحيفة الخليج