عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

سليمان جودةيكتب :لسفر!

بوابة الوفد الإلكترونية

أذكر الآن، أني كنت في باريس، بعد أن أصبح ساركوزي رئيسا لفرنسا بشهور، وأذكر أيضا، أني قابلت وقتها، كاتبا فرنسيا كان من القريبين من قصر الإليزيه، وقد سمعت منه، في ذلك الوقت، أن «الاتحاد من أجل المتوسط» الذي نشأ عام 2008 بين دول شمال البحر المتوسط وجنوبه، هو من بين بنات أفكار ساركوزي، الخالصة، وأنه، أي الرئيس الفرنسي السابق، قد آمن تماما بالفكرة، حين كان لا يزال مرشحا رئاسيا، ثم سعى إلى تطبيقها، وقد طبقها بالفعل، بعد أن صار على كرسي الحكم.

وفي هذا الأسبوع، كنت على موعد مع منتدى «أصيلة» السنوي، في دورته الرابعة والثلاثين في المغرب، بدعوة من الأمين العام للمنتدى، الوزير الأشهر، محمد بن عيسى، الذي كان وزيرا للثقافة والخارجية في بلاده، لسنوات طويلة.
في المنتدى، هذا العام، كان علينا نحن الذين شاركنا فيه، من دول عدة، أن نجيب في إحدى ندواته عن السؤال الآتي: أي مستقبل ينتظر الاتحاد من أجل المتوسط؟!
السؤال بالطبع يأتي في وقته، لا لشيء، إلا لأن شمال البحر المتوسط في أوروبا، تخنقه أزمات اقتصادية متلاحقة، ولا تريد أن تفارقه، بينما جنوب البحر، يموج بربيع عربي، يتنقل بين بلاده، كأنه العدوى، ولا أحد إلى الآن، يمكن أن يتنبأ بما سوف ينتهي إليه خناق الشمال الاقتصادي، إذا صح التعبير، وكذلك ربيع الجنوب السياسي، إذا جاز التعبير أيضا؟!
وفي كل الأحوال، كان تقديري، ولا يزال، أنه من الصعب أن نقرأ مستقبلا لشيء لا يستند إلى حاضر مستقر، فلا الجنوب يريد أن يهدأ قليلا، وليس من الظاهر أنه سوف يهدأ في الأمد الزمني المنظور، ولا الشمال يريد أن يعالج أزماته من عند جذورها، بما أدى بها إلى أن تزحف من اليونان إلى البرتغال، ومن بعدهما إيطاليا وإسبانيا، وربما فرنسا معها جميعا، وقد ينفرط العقد مخلفا وراءه دولا أخرى.. وفي إطار مشهد من هذا النوع، تبدو أمواج المتوسط وكأنها تندفع كالجبال، لتضرب خد الشمال، تارة، ثم تعود لتلطم خد الجنوب تارة أخرى!
كان «الاتحاد من أجل المتوسط»، قد قام في سنواته الأولى، برئاسة مشتركة، بين ساركوزي من ناحية، وحسني مبارك من ناحية أخرى.. واليوم، غادر الرئيس الفرنسي، السلطة، إلى بيته، وغادرها مبارك إلى السجن!!.. فأي مستقبل يمكن أن ينتظر اتحادا، هذا هو مصير رئيسيه في أولى دوراته؟!
وسؤال آخر: ما هي بالضبط أهداف الاتحاد، منذ نشأته؟!.. هل نشأ - مثلا - من أجل أن تحصل دول شمال البحر المتوسط، على الطاقة الشمسية من شاطئ شمال أفريقيا، وخصوصا في المغرب العربي؟!.. وهل نشأ من أجل أن تتمكن دول أوروبا، بعضويتها في الاتحاد، من صد الهجرات المتواصلة للشباب العربي، نحو الشمال؟!
هل من أجل هذا فقط، نشأ «الاتحاد من أجل المتوسط»؟! وهل نشأ، أيضا، من أجل أن يجري احتواء إسرائيل، كما قيل يوم قيامه، في كيان واحد مع الدول العربية الأعضاء فيه؟!
إذا افترضنا أن هذه الافتراضات صحيحة، وإذا افترضنا أن الإجابة عن هذه التساؤلات، بالإيجاب، لا السلب، فإن السؤال المنطقي عندئذ، هو: هذا هو نصيب الشمال من «الاتحاد من أجل المتوسط».. فأين نصيب الجنوب؟!
مهم للغاية، أن يبقى اتحاد من هذا النوع، وأن يستمر، ولكن بشرط أساسي، هو أن يخضع لمراجعة جادة، كفكرة، وهذا ما أشار إليه الوزير الجزائري عز الدين ميهوبي، عندما كان يتداخل في الموضوع أمام الحاضرين، مستندا إلى مقال قرأه لوزير خارجية فرنسا، يطلب فيه أن يكون الاتحاد موضع مراجعة تخلق منه اتحادا ناضجا، لا ناقصا، أو متداعيا.
مهم للغاية، أن يعيش هذا الاتحاد، ولكن بشرط أن يكون اتحادا يقوم على رغبة الطرفين، في شمال المتوسط، وجنوبه، لا أن يكون اتحادا أشبه ما يكون بالحب من طرف واحد، وهو نوع من الحب يختفي، وإن طال به الزمان!
وكان الدكتور عبد المنعم سعيد، وهو يعِّلق على ما وصفت به الاتحاد من جانبي، بأنه في حالته الراهنة، أشبه ما يكون بالحب من طرف واحد، قد قال إن هناك أغنية قديمة تقول بأن «الحب من غير أمل أسمى معاني الغرام» مدللا بذلك، على أن عنصر الإرادة هنا، لدى المحب الذي يفتقد الأمل في استجابة الطرف الآخر، قد يكون عاملا من عوامل الإبقاء على الحب، وإمداده بالقدرة على الحياة، رغم أي صعاب.
ولكن.. يبقى ظني أن اتحادا من أجل المتوسط، تحتاجه شعوب شمال البحر وجنوبه، في هذا الوقت، أكثر ربما من أي وقت مضى.. غير أنه، كاتحاد، يجب أن ينهض، عند مراجعة أطرافه له، على أسس قوية، تدعمه، وتعمل على أن ينهض باعتباره اتحادا «عمليا» للطرفين على شاطئيه، لا أن يكون اتحادا له هذه الصفة عند بعض دول شمال البحر، وربما عندها كلها، ثم يكون، في الوقت ذاته، مفتقدا لها، عند دول الجنوب، كلها، أو بعضها معا.
على «الاتحاد من أجل المتوسط»، إذا كتب له طرفاه أن يدوم، أن يكون اسما على مسمى، بمعنى أن تكون عضويته مقصورة على دول جنوب البحر، وشماله، فقط.. وتلك هي فكرته الأولى، التي كانت تتسق مع العقل، ومع الواقع، لولا أن ألمانيا اعترضت، بقوة، عند نشأته، وطلبت أن تكون دول الاتحاد الأوروبي كلها، لا المُطلة منها على المتوسط وحدها، أعضاء في الاتحاد، الأمر الذي طرح سؤالا بغير جواب هو: إذا كان الحال كذلك، لعضويات الشمال، فلماذا لا تتسع عضويات الجنوب إذن، لتضم الدول العربية كلها، لا التي تطل منها على المتوسط وحدها؟!
الاتحاد، مرة أخرى، أمامه أن يظل قائما، وأن يكون أقوى مما هو عليه في الوقت الراهن، ولكن هذا لا يمكن أن يكون، إلا إذا كانت فلسفة الاتحاد واضحة، بحيث تكون الأرضية التي يستقر عليها، أرضية اقتصادية في الأساس، قبل أن تكون سياسية، أو أمنية.. فهذا البُعد الاقتصادي، يمثل حاجة مشتركة لدى أعضائه، في الاتجاهين.. وما هو أهم من هذا كله، فإن الرأي العام على الجانبين، إذا لم يكن حاضرا، في خطوات إعادة التقييم والمراجعة، فإن العائد من وراء العمليتين، إعادة التقييم والمراجعة، لن يكون عند مستوى طموحنا، نحن الذين نراه ضرورة!
الطريق إلى أصيلة، من القاهرة، يستغرق نحو 12 ساعة، نصفها تقريبا بـ«الطيارة» والنصف الآخر بالسيارة، ولأن النقاش كان ممتعا، بقدر ما كان السفر مرهقا، فيبدو أنه لا بد من أصيلة، لا صنعاء هذه المرة.. وإن طال السفر!
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط