رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فهمي هويدي يكتب:أكبر غلط

فهمي هويدي
فهمي هويدي

أكبر غلط أن يقول قائل إن ما بين المرشحين للرئاسة في مصر هو صراع بين ممثل الدولة الدينية ومرشح الدولة المدنية.

وهو كلام يمكن أن يؤخذ باعتباره نكتة اعتمادا على أن الدكتور محمد مرسي له لحية في حين أن كل صلة الفريق شفيق بالمدنية تنحصر في كونه ظل وزيرا للطيران «المدني» لمدة تسع سنوات تقريبا، خلع خلالها ثيابه العسكرية وظل يرتدي الثياب «المدنية». لكنك إذا انطلقت في ذلك من كون الدكتور مرسي ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين التي لها «مرشد» يمكن أن يؤثر على قراراته، فإن المقارنة عندئذ لن تكون في صالح الفريق شفيق الذي رشحته مشيخة الطرق الصوفية وأيده فصيل منسوب إلى جماعة «الجهاد». ذلك أن مرشد الجماعة - إذا صح أن له كلمة في الموضوع - فكل ما يصدر عنه يؤخذ من كلامه ويرد. أما عند الصوفية فعلاقة المريد بالشيخ تصفها أدبياتهم بأنها كالميت بين يدي مغسله، بمعنى أنها حالة استسلام كامل. ولا أعرف رأي الفريق في مجموعة تنظيم الجهاد التي أيدته، والتي لا ترى غير العنف والسلاح سبيلا للتغيير في المجتمع. الأمر الذي يضطرنا إلى إعادة النظر في تعريف «المدنية» التي يرمز إليها الفريق. أما إذا أردنا أن نأخذ الأمر على محمل الجد، فسوف نكتشف أننا بصدد صراع موهوم بين مشروعين افتراضيين، لا علاقة بالرجلين بهما. فموضوع الدولة الدينية ليس واردا في مصر، كما أن الفريق شفيق لا علاقة له من قريب أو بعيد بالدولة المدنية. إلا في الحدود «المدنية» التي سبق ذكرها.

إنني أستغرب ما يتحدث به البعض عن احتمالات إقامة الدولة الدينية في مصر. وأرجح أنهم يلوحون بذلك لمجرد التشهير والتخويف لا أكثر، حيث لا يخطر على بال أي أحد أن عاقلا في هذا الزمان يمكن أن يدعي أنه ظل الله في الأرض وأن كلامه تعبير عن المشيئة الإلهية. وإذا اختل عقله وفعلها تحت أي ظرف، فإن أحدا لا يتصور أن المجتمع يمكن أن يقبل منه ذلك. وأغلب الظن أنه سيتحول إلى مادة للتندر والسخرية. هذا إذا لم يطالب البعض بإيداعه في أحد مستشفيات الأمراض العقلية.
صحيح أن الدين ظل العامود الفقري وحجر الأساس في الدولة الإسلامية على مدى تاريخها، لكن ذلك لم ينشئ دولة دينية بالمفهوم السائد في التجربة الغربية. حيث لم يمنح الحاكم ولا السلطة قداسة من أي نوع، الأمر الذي شجع أحد المسلمين على أن يقول في وجه الخليفة الثاني أبوبكر الصديق: والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا. وهي ذات الحقيقة التي جعلت تكليف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يستهدف أهل السلطة بالدرجة الأولى. وهي ذاتها التي قننت وحرضت المسلمين على مقاومة الظلم، وأنتجت ما يعرف بفقه الخروج على الحاكم الجائر، الذي يستأثر بالسلطة والمال، إلى غير ذلك من الأدلة والقرائن التي تجعل الترويج لفكرة الدولة الدينية بمثابة شائعة خبيثة سيئة النية، أو مزحة ثقيلة تبعث على الاستياء والامتعاض.
المروجون لفكرة الدولة الدينية لم يكتفوا بذلك، وإنما انتقوا من كل

بلد له علاقة بالإسلام أسوأ ما فيه وخوفوا الناس من اقتباسه في مصر. من فرض الحجاب في إيران، إلى محاربة الفنون وإغلاق البنوك في أفغانستان طالبان، إلى منع النساء من قيادة السيارات في السعودية، إلى مهاجمة الحانات في تونس، وصولا إلى انفصال الجنوب في السودان ــ ولأسباب مفهومة لم يخطر على بال أحد منهم أن يكون حظ مصر أفضل، بحيث تمضي في الطريق الذي سلكته تركيا أو ماليزيا أو حتى إندونيسيا.
التدليس في مسألة الدولة الدينية قابله كذب صُراح في ادعاء تمثيل الدولة المدنية من جانب المرشح الآخر. ناهيك عن التغليط غير البريء في وضع المدني نقيضا للديني، بعد العبث بالمصطلح وتفريغه من مضمونه، ومن ثم تحويله إلى أداة في الصراع السياسي بدلا من استثمار الفكرة الأصلية لصالح المصلحة الوطنية العليا. ذلك أن المرشح الذي يريد إقناعنا بأنه رمز للدولة المدنية، في حين يعتبر مبارك مثلا أعلى له، وتعتبره إسرائيل كنزا استراتيجيا أكثر أهمية من رئيسه السابق، لا يخدعنا فحسب، وإنما يهين الدولة المدنية ويشوه صورتها.
حتى إذا أدخل بعض التعديلات وركَّب بعض الأقنعة على نظام مبارك الذي يمثله فإن ذلك لا يمكنه أن يطمس حقيقة الدولة البوليسية الكامنة في تلافيف النظام. وقد أفصح الرجل عن ذلك في حديثه إلى غرفة التجارة المصرية الأمريكية، الذي فضحته صحيفة «نيويورك تايمز»، وقوبل بتصفيق حاد من قبل رجال الأعمال الحاضرين، حسبما ذكرت الصحيفة الأمريكية.
حين قرأت قول المرشح المحترم الذي كان رئيس وزراء مبارك «إننا صنعنا ثورة ناجحة» مراهنا على بلاهة وغباء الشعب المصري، الذي لم ينس أنه كان رئيس الوزراء المسؤول سياسيا عن معركة الجمل، فإنني لم أستغرب اجتراءه على الادعاء بأنه يمثل الدولة المدنية.
لقد صرنا بإزاء صراع مفتعل بين أكذوبتين، واحدة تخوفنا من الدولة الدينية، والأخرى تخدعنا باسم الدولة المدنية، والأولى مجرد وهم أطلق في الفضاء الإعلامي والثانية تحولت إلى ورقة توت لستر عورة نظام مبارك - لذا لزم التنويه.

نقلا عن صحيفة الشرق القطرية