رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

عادل إبراهيم حمد يكتب:أزدواجية وفد التفاوض أضعفت موقف الخرط

عادل إبراهيم حمد
عادل إبراهيم حمد

توصل السودان عبر مفاوضات طويلة إلى اتفاق مع دولة جنوب السودان عرف باتفاق الحريات الأربع، الذي يتيح لمواطني الدولتين حق الإقامة والعمل والتنقل والتملك فى كلا البلدين. اعتبر حينها الاتفاق مؤشراً لعلاقة طيبة بين البلدين اللذين كانا بلداً واحداً حتى الثامن من يوليو الماضى.

ولكن تياراً فى حزب المؤتمر الوطني الحاكم نظم حملة إعلامية ضد الاتفاق واعتبره تنازلاً يمنح الجنوبيين حقوقاً وكأنهم ما زالوا مواطنين سودانيين؛ فينالوا بذلك مزايا الانفصال ومزايا الوحدة فى آن واحد. ويرد أنصار الاتفاق أن السودان ليس مشغولاً بمعاقبة الجنوبيين على اختيار الانفصال بقدر ما هو مشغول بإقامة علاقة حسن جوار تحقق مصالح السودان. في تلك الأجواء أمكن تحديد موعد لزيارة يقوم بها الرئيس البشير إلى جوبا في الثالث من أبريل للتوقيع على الاتفاق، لكن دولة الجنوب أقدمت على خطوة حمقاء نسفت بها كل هذه الحصيلة المبشرة وذلك باعتدائها على منطقة هجليج الحدودية. أدى هذا الاعتداء غير المبرر وفي أجواء تهيأ فيها أنصار السلام إلى قمة بين البشير وسلفا كير، أدى إلى تقوية حجج الصقور في الخرطوم وتصاعدت اللهجة الرافضة لأي تقارب مع جوبا. كما وضع هذا التصرف غير الحكيم حكومة جنوب السودان في وضع حرج؛ حيث وجهت لها انتقادات حتى من أصدقائها في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
أتيحت للسودان فرصة ذهبية لتحقيق مكاسب دبلوماسية بتوظيف تلك المستجدات، وبالفعل تحركت الخارجية السودانية في عدة محاور للتأكيد على موقف السودان المبدئي من السلام. وفي المقابل، تحرك التيار المتشدد في الخرطوم -الموجود أصلاً قبل الاعتداء الجنوبى على هجليج- مستغلاً الحماقة الجنوبية لتثبيت خط التشدد، ووجه انتقادات عنيفة لأي مرونة تبديها الخارجية السودانية تجاه قرارات مجلس الأمن والسلم الإفريقي أو قرارات مجلس الأمن الدولي. انتصر في النهاية الاتجاه الواقعي المقر بأن السودان جزء من الأسرة الدولية وعليه الالتزام بقراراتها ولو كان متحفظاً على جزئيات فيها، وإلا عزل نفسه وعرضها لعقوبات وأعطى الطرف الآخر المعتدي فرصة الظهور بمظهر الدولة المنضبطة الملتزمة بالمعايير الدولية. رغم رجوح هذا الخيار المعتدل في التعامل مع القرارات الدولية، لكن وجود تيار آخر أرهق التيار المعتدل وتمكن تيار التشدد من إلقاء ظلال من توجهاته في الخط العام للدولة، بل تسلل هذا التيار حتى تمكن من إدخال عناصر جديدة في وفد التفاوض عرف عنها عدم الاعتدال. أحس الوفد (الأصلي) أنه محاط بعناصر جديدة مكلفة بمراقبة الوفد وإحصاء أنفاسه حتى لا يتوصل إلى اتفاق (منبطح)، وهي المفردة المسيئة التي أشاعها إعلام التيار المتشدد.
ظهرت جلية آثار هذا الوضع الشاذ في مفاوضات أديس أبابا الأخيرة؛ حيث بدا واضحاً أن للحكومة وفدين، و كان ذلك مدعاة لحكومة الجنوب أن تكسب نقطة إضافية رغم أن وفدها قدم للتفاوض يحمل تداعيات حماقة الهجوم على هجليج.
ازدواجية وفد التفاوض السوداني إنعكاس لصراع بدأ قبل أحداث هجليج بكثير؛ حيث برز تيار في حزب المؤتمر الوطني يصف اتفاقية نيفاشا بالفاشلة وأنها أعطت الجنوبيين حقوقاً لا يستحقونها. لكن الغريب أن هذه المدرسة ترحب في

ذات الوقت بالانفصال الذي ما كان ليتم لولا اتفاقية نيفاشا. ورغم هذا التناقض تنشط هذه المدرسة وتبدي همة عالية في توضيح موقفها وتنظيم حملات إعلامية شرسة ضد من تسميهم (أولاد نيفاشا). وفي المقابل لا يظهر الطرف الآخر رد فعل قوياً يتناسب مع الحملة المنظمة ضده، بل ولا يتحرك بتلقائية الدفاع عن النفس؛ فبدا تيار نيفاشا ضعيفاً باهتاً وكأنه يقر بصحة الاتهامات التي تكال إليه كل يوم. وعادة ما تتجه الأنظار نحو النائب الأول لرئيس الجمهورية -بوصفه المهندس الأكبر لاتفاق نيفاشا- للتصدي لهذه الحملة التي تحمل كثيراً من الأباطيل، والتي تأذى منها الوفد المفاوض الذي حمل على عاتقه مسؤولية السلام. لكن طال الانتظار والترقب لهذا الموقف الحاسم الحازم من النائب الأول حتى ادعى البعض أن الرجل لا يريد أن يعرض نفسه لخطر الإطاحة إذا دخل في معركة غير معروفة العواقب.
لا يرتبط التيار المعتدل بفهم متقدم لطبيعة الصراع فحسب، بل يمثل هذا الخط مفتاح الحل للأزمات السودانية التي يعاني منها السودان منذ انفصال الجنوب. ويدرك كل حصيف أن تجاوز الأزمة الاقتصادية الخانقة يمر عبر بوابة السياسة. ونعود ثانية للنائب الأول الذي زار ليبيا بحثاً عن حل كامن في معونات اقتصادية مباشرة. لا يقلل أحد من أهمية الدعم المباشر لكن يخشى أن يكون الأستاذ علي عثمان قد أحنى رأسه للعاصفة بدرجة زائدة حتى تخلى عن (حوارييه) وأصبح يجاري الباحثين عن حلول المسكنات عبر هبات بعض الدول .
يبقى الحل في خط نيفاشا التفاوضي، لكن مفاوض نيفاشا الكبير استمرأ السكوت وإيثار مبدأ السلامة. ويبدو أن محاولات سابقة من إبداء عدم الرضا أو الذهاب في إجازة طويلة لم تجد فتيلاً؛ ففضل (مباصرة) القوم بالمستطاع. ولكن النائب الأول يعلم قبل غيره أن السياسة -خاصة لأصحاب المبادئ- محفوفة بالمكاره والتضحيات. وسوف يحمد للنائب الأول موقف حازم لتصحيح الوضع الخاطئ ولو كان في ذلك مغامرة، بدلاً عن هذا الموقف الباهت الذي لا يقدم ويؤخر كثيراً.
نقلا عن صحيفة دنيا الوطن