عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الياس حرفوش يكتب :الجرّاح السوري

بوابة الوفد الإلكترونية

لا تفارق الخلفية الطبية الرئيس بشار الأسد، على رغم كونه غارقاً في خضم أصعب أزمة تواجهها سورية في تاريخها الحديث.

تخلى الاسد عن متابعة دراسة تلك المهنة عندما تولى رئاسة سورية، لكن قلبه لا يزال -كما يبدو- يحن اليها. فبعد حديث سابق له عن المناعة التي يحتاج اليها الجسم وتساعده على مواجهة الجراثيم التي تأتي من الخارج، واقتراحه ثلاثة اشهر لعلاج السوريين الذين فقدوا مناعتهم منذ بداية الانتفاضة ضد حكمه في اواسط آذار (مارس) الماضي، ها هو في خطابه الاخير بمناسبة افتتاح مجلس الشعب، يتحدث من جديد عن العلاج الذي يقترحه لعلاج الداء السوري، وهو الجراحة هذه المرة، ويرد على الذين يتهمونه بالمسؤولية عن سيل الدماء في الشوارع السورية، والتي سقط فيها الى الآن ما يزيد على عشرة آلاف قتيل، فضلاً عن ارقام مضاعفة من الجرحى، فيتساءل باستغراب: عندما يدخل الطبيب الجراح الى غرفة العمليات ويفتح الجرح وينزف الجرح ويقطع ويستأصل ويبتر، ماذا نقول له: تبّت يداك هي ملوثة بالدماء، ام نقول له سلمت يداك لأنك انقذت المريض؟
سلمت يداك ... طبعاً! خصوصاً بعد اكتشاف ان «الأعداء» اصبحوا في الداخل وليس على الحدود، وهؤلاء الاعداء لم يعد ينفع معهم اصلاح او تعديل قوانين او دستور جديد. فهم لا يهمهم كل هذا. همهم الوحيد هو القضاء على الوطن، لأن مهنتهم الوحيدة التي يتقنونها هي مهنة الارهاب. من هنا جاءت وظيفة «مجموعات ارهابية مسلحة».
منذ اليوم الاول للاّزمة: لا شيء في سورية سوى جراثيم وأدوية لتقوية المناعة بهدف مكافحتها، ومرضى، واطباء يقومون باستئصالهم، وإرهابيون وقوات حفظ نظام دورها هو القضاء عليهم، واخيراً وكما تبين من الخطاب الأخير، هناك مواطنون صالحون من الذين تجاوبوا مع «الإصلاحات» وشاركوا في الانتخابات، وهناك «أعداء الداخل» الذين لا تنفع معهم الحلول السياسية ولا حل الا بالقضاء عليهم.
للواقع يجب القول ان هذا التقسيم العمودي للمواطنين السوريين واضح في ذهن الرئيس الاسد منذ بداية الازمة. وهو تقسيم يتفق مع نظرة حكم الحزب الواحد الى صورة المجتمع. ولا جديد هنا. فهذا ما عهدناه في كل الانظمة التوتاليتارية: أيّ معارضة للنظام تعتبر اعتداء

على الوطن، وهذا الاعتداء يستحق العقوبة القصوى، اي الاعدام، وهو ما تنفذه قوات النظام السوري بجدارة كاملة.
وتتأكد هذه النظرة اكثر عندما يفاخر الرئيس السوري بالاصلاحات التي يقول انه اقدم عليها ولكنها لم تنفع، لأن «الارهابيين» لا يبحثون عن حل سياسي بل يسعون الى تدمير البلد، فالاصلاح الذي يتحدث عنه لا يهدف بالضرورة الى تحقيق العملية الديموقراطية الحقيقية التي تؤدي الى تداول السلطة كما يطالب المعارضون، اذ ان من شأن عملية كهذه ان تدخل «أعداء الداخل» الى المؤسسات السياسية. ودخول هؤلاء من شأنه ان يهدد المناعة القومية ويعطل نتائج الجراحة التي يجريها، وبالتالي فهو مرفوض. ومن هنا جاءت «الاصلاحات» باهتة ومن دون اي اثر على الوضع الداخلي. فلا الانتخابات المحلية او التشريعية، او حتى ما قيل عن دستور جديد والغاء للمادة الثامنة منه، أثرت كثيراً على مسيرة الحياة السياسية وتوغل الاجهزة الامنية. البعث عاد الى قيادة مجلس الشعب بثوب آخر، والاحزاب «الجديدة» نشطت في العمل على طريقة نشاط ائتلاف الاحزاب التقدمية في الماضي، والتي لم تكن اكثر من غطاء لتفرد حزب البعث بالسلطة، اما الاجهزة الامنية فما زال نشاطها على حاله من دون رقيب، بل هي حظيت بالقسط الاكبر من اشادات الرئيس السوري، باعتبارها حامية الوطن، والمقصود طبعاً هو النظام، إذ إن هذا النظام هو الوحيد الذي يمكن ائتمانه على حماية الوطن من «أعداء الداخل»!
نقلا عن صحيفة الحياة