رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فهمى هويدى يكتب :واحد لم يذهب للميدان

بوابة الوفد الإلكترونية

حين تظاهرت الجموع في ميدان التحرير مساء أول أمس، احتجاجا على الأحكام الصادرة بحق مبارك وأعوانه،

فإن بعض المرشحين للرئاسة ذهبوا إلى الميدان وانضموا إلى المتظاهرين الذين استقبلوهم بدرجات مختلفة من الحفاوة. واحد فقط من المرشحين لم يفكر في الذهاب ولم يحاول أن ينضم إلى المتظاهرين أو يقترب من الميدان، وإنما حرص على أن يقف عند أبعد نقطة منه. ذلك أن له تجربتين سابقتين عبرت خلالهما الجماهير عن رأيها فيه برشقه على نحو جعل كثيرين يعودون إلى بيوتهم حفاة في نهاية المطاف، ولابد أن هذه الصورة لم تغب عن باله، ذلك أن ما جرى له في السابق في مناسبة عادية كالتصويت في الانتخابات، في حين كان الغضب على مبارك ونظامه محبوسا في الأعماق، أما هذه المرة فالمشهد أكثر إثارة والقلق من مواجهة الجماهير لابد أن يكون مضاعفا، ذلك أن حكم المحكمة كان طازجا، كما أن الذين تجمعوا في الميدان كانوا من الثائرين الذين استفزهم الحكم، وقد انضم إليهم عدد من أهالي الشهداء، وآخرون ممن ضاقوا ذرعا بالأحداث الجارية، حتى ساورهم القلق على الثورة وأهدافها.
من الخبرة السابقة نستطيع أن نتصور ما يمكن أن يحدث للفريق أحمد شفيق لو أنه لم يحسبها جيدا، وظهر وسط تلك الجموع ماشيا على قدميه، أو محاطا ببعض حراسه وعناصر الأمن الموالية له. في حين لم ينس له الثوار أنه كان رئيسا للوزراء يوم واقعة الجمل، ولن أستغرب إذا تخيله بعض المتظاهرين ممتطيا صهوة أحد الخيول أو راكبا فوق ظهر جمل يركض وسط الجموع، قد تتعدد السيناريوهات في هذه الحالة، إلا أنني أزعم أن نهايتها ستكون واحدة، حيث ستجهد الأجهزة المعنية نفسها في البحث عن أثر له. وأغلب الظن أنهم سيجدونه مختبئا وسط كومه الأحذية التي تحولت إلى هرم مرتفع وسط الميدان، بعدما انفض المتظاهرون وعادوا إلى بيوتهم حفاة، بينما ابتسامات الراحة والرضا مرتسمة على وجوههم. أما أصداء الحدث على مواقع التواصل الاجتماعي فسأترك لخيالك العنان لتصور ما حفلت به من تندر وشماتة.
ليس كل ما تحدثت به محض خيال. ذلك أننا لابد أن نعترف بأننا بإزاء مرشح لرئاسة الجمهورية لا يستطيع أن يواجه الجماهير العريضة، حتى إذا طلب من كل واحد أن يخلع حذاءه قبل الدخول إلى مكان اللقاء. نعم بوسعه أن يذهب مطمئنا لمخاطبة رجال الأعمال وأثرياء القوم، كما حدث في لقائه مع غرفة التجارة المصرية الأمريكية، بمقدوره أيضا أن يشهد اجتماعا لأنصاره من أهل قريته أو ممن شايعوه من عناصر الطرق الصوفية. ولست أشك أنه سيشعر أنه في بيته إذا ما رتب له لقاء مع عناصر الحزب الوطني ومن لف لفهم من فلول النظام السابق ــ لكن الذي لا شك فيه أن مواجهته للجماهير المصرية ستعد مغامرة بالنسبة له ــ أغلب الظن أنه لن يخرج منها سالما.
الأقدار هي التي رتبت المشهد وكشفت الحقيقة. ومن ثم وضعت الرجل في ذلك الموقف المحرج. إذ ما كان له أن يؤيد المتظاهرين في

يوم قضت المحكمة على «مثله الأعلى» بالسجن المؤبد، ناهيك أنه من البداية استخف بهم وعرض أن يرسل إليهم بعض الحلوى لكي يتسلوا بها في الميدان، كما أنه أعرب عن أسفه لنجاح ثورتهم «المزعومة».
انعقد لسان الرجل أمام المشهد. فتجاهل الغاضبين في الميدان، واكتفى بتعليق محايد على حكم المحكمة قال فيه إنه طوى صفحة المرحلة الماضية (التي هو جزء منها!) - وأنه لم يعد ممكنا إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، فلا أيد ولا تحفظ أو استنكر. وإنما وجه بيانا من تحت «الضرس» أقرب إلى «الكلام الساكت»، الذي يتطاير في الهواء دون أن يوصل شيئا، فلا يغني ولا يشبع.
إذا أضفت هذه اللقطة الأخيرة إلى سجل «الفريق» فسوف تكتشف أن ثمة فجوة واسعة وعميقة تفصل بينه وبين عموم المصريين ناهيك عن الذين صنعوا الثورة وعلقوا عليها آمالهم. وستلاحظ أن الرجل الذي لم يجرؤ على الاقتراب من ميدان التحرير يعرف نفسه وقدره جيدا، ويعرف أيضا أن عليه أن يرتدي أكثر من قناع كما أن عليه أن يتقمص شخصية أخرى مختلفة تماما إذا ما أراد أن يتصدى لمخاطبة الشعب المصري فضلا عن قيادته.
لقد ساقت إلينا الأقدار هذه الواقعة قبل أسبوعين من إجراء انتخابات الإعادة. لكي يعرف الجميع أين يقف كل مرشح للرئاسة، ولنكتشف أن أحدهما ــ برغم كل ما نأخذه عليه ــ لم يتردد في أن يذهب إلى ميدان التحرير ليخاطب جماهيره ويلتقيها وأن الآخر اعتكف بعيدا في بيته عاجزا عن لقاء الجماهير، أو الحوار معها. أما المثقفون والمسيسون الذين عزفوا عن الاختيار وقرروا أن يقفوا متفرجين على المشهد، فقد تبين لنا أنهم وقفوا من حيث لا يشعرون ولا يريدون إلى جانب الفريق شفيق، وظنوا أنهم بذلك يغسلون أيديهم من إثم التصويت للمرشحين الاثنين، وفي اللحظة الفاصلة اكتشفنا أنهم أرادوا أن يتجنبوا حفرة فوقعوا في بئر، كما أنهم قدموا لنا تعريفا جديدا للشجاعة ينحاز المرء بمقتضاه إلى جانب الإحجام وليس الإقدام
نقلا عن صحيفة الشرق القطرية