رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مشعل السديرى يكتب :اعتذار متأخر لـ(خصيان) العالم

بوابة الوفد الإلكترونية

مقالي اليوم قد يستهجنه البعض ويستسخفونه، إنني أعلم ذلك، ومتعود على ذلك، بل ومن أجل ذلك أنا أصر عليه وسوف أذهب به للآخر، لأنه من وجهة نظري المحضة هو إنساني إلى أبعد الحدود، وليس هناك ذنب اقترفته البشرية الظالمة عبر التاريخ أكثر وحشية ونذالة منه، وأقصد به (خصاء) الذكور.

إنني مثلا أفهم ذلك الخيار الشخصي الذي سنته ألمانيا وأميركا لكل المسجونين الذين اغتصبوا القاصرات، وخيرتهم حينها بين السجن المؤبد وبين الخصاء، فاختار المئات منهم الحل الثاني، وبعد أن تمت العملية أطلقوا سراحهم، وما زالوا يسرحون ويمرحون من دون أي خطورة تذكر منهم حتى على بنات الهوى - أي بنات الليل.
وهذا أمر لا أستنكره أنا شخصيا لأنه اختياري، والذي أرفضه فقط هو الجبر.
تصوروا أنهم في إيطاليا في القرن السادس عشر عندما كانت تحت حكم الملك (فرنانديل)، وتحت اقتراح أو ضغوط من الكنيسة (الكاثوليكية)، أخضعوا مئات إن لم يكن آلافا من الأطفال إلى (الخصاء)، وذلك لكي يحتفظوا بأصواتهم الطفولية بغرض حسن التراتيل في الكنائس، وكان يقوم بهذه العملية الهمجية الحلاقون وأطباء الأسنان بحيث تجرح ثنية الفخذ (الحالب)، ومن خلال هذا الجرح تسحب الخصية وتربط الأقنية، وكأن شيئا لم يكن.
أما في العالم الإسلامي فقد استفحلت في زمن المماليك حيث بدأوا بخصاء هؤلاء المساكين خوفا وحفاظا على (حريمهم) - أي نسائهم - وكان هؤلاء الخصيان هم الوحيدين الذين يسمح لهم بدخول (الحرملك)، وتخيلوا ذلك الشاب المخصي الذي يشاهد ويحتك بالغيد الحسان كيف يكون حاله؟! فالرغبة لا تموت لأن الغريزة متغلغلة في (جيناته) ولا تموت بانتزاع أي خصية، وفي يقيني أن عذابهم في ذلك هو أفدح من عذاب أي محكوم عليه بالإعدام، ولو أنهم كانوا في ذلك الوقت يعرفون المطرب (فريد الأطرش) لغنوا معه: (قدام عنيا وبعيد عليا).
أما أول من شجع وأوقف وبعث بالخصيان للحرمين الشريفين

فهو: الناصر (صلاح الدين الأيوبي)، فاقتدى به بعد ذلك على مر العصور الحكام والتجار، فكان كل واحد منهم يريد أن يتقرب لله سبحانه ويكسب مزيدا من الحسنات يرسل من يخصي الأطفال في آسيا وأفريقيا، ثم يبعث بهم للحرمين كخدام.
واستمر هذا الحال وكأنه شيء طبيعي ومستحب إلى أن دخل الملك عبد العزيز الحجاز، فأوقف هذا التقليد غير الإنساني، وعمم أمره الرافض هذا على الجميع، ومن يومها لم يدخل للحجاز أي (أغا) - وكان هذا هو الاسم الذي يطلق على (خصيان) الحرمين - ولكن رأفة منه ولرحمة الله على الباقين منهم تركهم يخدمون معززين مكرمين إلى أن ينتهوا بعامل السن، والكثير منهم أثروا وأصبحوا من أرباب الملايين، ولكن كل من يموت منهم تذهب ثروته للأوقاف.
وعرفت أخيرا أنهم انقرضوا تقريبا، ولم يبق منهم غير اثنين في المدينة المنورة، وهما الآن متقاعدان وكل واحد منهما هو على مشارف المائة من عمره، والله أسأل أن يعطيهما طولة العمر.
وأحمدك يا رب أنني لم أكن (أغا)، وأحمده أكثر أنني لم أكن (خصيا) في (حرملك) المماليك، حيث مرتع الحسان الخصب، لأنني لو كنت وقتها كذلك لكنت انتحرت لا محالة، لا على صدر حسناء ولكن بالسكين.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط