رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

سمير الحجاوى يكتب :المؤبد لمبارك أم لمصر

بوابة الوفد الإلكترونية

لابد من الاعتراف بأن جنرالات المجلس العسكري في مصر يلعبون بذكاء ودهاء ويديرون المرحلة الانتقالية بمهارة فائقة، فهم سيطروا على الأمور وخلطوا الأوراق، وتمكنوا من إقامة تحالفات جديدة مع الإخوان المسلمين وغيرهم، تقوم على "المياومة"، لأنها خاضعة لتقلبات الأجواء السياسية في البلاد.

نجاحات جنرالات المجلس العسكري توجت بالأحكام الصادرة على الرئيس المخلوع حسني مبارك ونجليه علاء وجمال ووزير داخليته حبيب العادلي و6 "لواءات" من مساعديه، فقد حكمت المحكمة برئاسة المستشار أحمد رفعت بالسجن المؤبد على مبارك والعادلي وبرأت باقي المتهمين وعلى رأسهم بالطبع جمال وعلاء.
هذه الأحكام عبارة عن محاولة لإعادة ترتيب الأوضاع في مصر في اتجاه إعادة الاعتبار للفلول الذين خلع الشعب زعيمهم مبارك، وهو تدشين للثورة المضادة ضد ثورة 25 يناير، وتمهيد الطريق أمام نظام مبارك للعودة إلى الواجهة بقوة، وهذا ما عبر عنه الناشط النصري محمد منصور على صفحته على الفيسبوك بقوله: " قضاء مصر كان ناقص أنه يوجه للشعب تهمة "البلاغ الكاذب" ويوجه للثوار تهمة "فعل فاضح في ميدان عام" ويحكم عليهم بالأشغال الشاقة المؤبدة عقابا لهم على فعلهم الثوري "الفاضح"... الزلزال في مصر قادم لا محالة".
أحكام المحكمة الخاصة بمبارك ونجليه وبعض أركان حكمه تضع ثورة 25 يناير على المحك، بل تضعها في مهب الريح، وهو ما فهمه الشعب المصري وعبر عنه البعض في النزول إلى الشوارع والميادين للتظاهر والاحتجاج على تبرئة أركان حكم مبارك، وعادت الهتافات من جديد: "الشعب يريد إسقاط النظام.. الشعب يريد تطهير القضاء.. يسقط يسقط حكم العسكر".
مصر تنزل إلى الشوارع من جديد، ولكن هذه المرة لإسقاط حكم العسكر في المجلس العسكري، وربما أيضاً إسقاط "الإخوان المسلمين" الذين فقدوا نصف أصوات الناس في أقل من 6 أشهر بوصفهم جزءا من الصفقة مع العسكر، بل إن مرشد الإخوان المسلمين السابق تحدث عن أخطاء ارتكبوها أفقدتهم ثقة نصف الشعب الذي انتخبهم وربما هذا ما دفعهم للدعوة إلى التظاهر احتجاجا على الأحكام في محاولة لاسترضاء الشارع ومغازلته.
الحكم على مبارك والعادلي بالسجن المؤبد، حكم تاريخي فهما يستحقان الإعدام على قتل الثوار والموبقات التي ارتكبوها بحق الشعب على مدى 30 عاما، لكن الحكم ببراءة علاء وجمال مبارك بانقضاء الدعوى الجنائية، أي بالتقادم وبراءة مساعدي العادلي وهم: اللواء إسماعيل الشاعر مدير أمن القاهرة الأسبق، واللواء عدلي فايد مدير قطاع الأمن العام السابق، واللواء عمر الفرماوي مدير أمن 6 أكتوبر السابق، واللواء حسن عبدالرحمن رئيس مباحث أمن الدولة السابق، واللواء أسامة المراسي مدير أمن الجيزة السابق، وأحمد رمزي مدير قطاع الأمن المركزي، أمر غير مفهوم وغير مقبول منطقيا، فجمال مبارك كان يتحكم بالبلد فعليا، وشقيقه علاء كان شريكا لكل رجال الأعمال، أما "لواءات العادلي" فهم الأدوات التنفيذية لسياسة مبارك ووزير داخليته ضد الشعب، والقوات التابعة لهم هي التي قتلت ثوار يناير وهي التي تصدت للثورة وقتلت الشباب، فهل يعقل مثلا أن قوات الأمن المركزي كانت تتحرك دون أوامر من رئيسها.
يبدو أن الأحكام الصادرة كانت تهدف إلى التضحية بمبارك والعادلي من أجل إنقاذ الآخرين للعودة إلى الميدان من جديد للإجهاز على الثورة والتصدي للثوار

والقضاء المبرم على ثورة 25 يناير، وكأنك "يا أبو زيد ما غزيت" كما يقول المثل الشعبي.
الأحكام لم تقتص للشهداء والجرحى والمعتقلين، ولم يتم القبض على أي من الجناة ولا من رؤسائهم! وهذا مطلق العجب والغرابة ولا ينسجم مع الديباجة التي قدمها رئيس المحكمة أحمد رفعت قبل إعلانه الأحكام حيث وصف سنوات حكم مبارك بأنها "سوداء سوداء سوداء"، فهل هذه الأحكام تقتص لكل هذا السواد؟ لم تفعل ذلك بالتأكيد، بل برأت أعتى أدوات نظام مبارك العسكرية، بما يعني أن المحبوسين الآخرين من نظام مبارك يستحقون البراءة، لأنهم لم يرأسوا أجهزة أمنية تقتل الناس في الشوارع، فإذا حكم على اللواءات بالبراءة فمن باب أولى أن يحكم على المساعدين السياسيين بالبراءة أيضا أي أننا سنكون أمام مسلسل البراءة للجميع، وعودتهم إلى الحياة الطبيعية والمشاركة السياسية، والعمل في الحملة الانتحابية لأحمد شفيق، على أمل أن يصبح رئيسا و"يعيد الأمور إلى نصابها" بعد ذلك، ويعيد الأمن خلال 24 ساعة كما وعد. وجود لواءات مبارك والعادلي وجمال وعلاء خارج السجن، خطر على مصر وخطر على الثورة المصرية، لأنهم يملكون المال والفلول والعلاقات الداخلية والدولية، وقادرون على العبث بأمن مصر وإعادتها للمربع الأول أو حتى مربع ما قبل الثورة، وهو سيثارون من الثورة وسيعملون على إبادتها، وجعل الثوار، والشعب المصري، عبرة لم يعتبر.
أحكام المحكمة مسرحية هزلية يمكن أن تصنف ضمن فئة "الكوميديا السوداء"، فالتهم تسقط بالتقادم، والنائب العام يترافع حول قضايا لا يعرف أنها سقطت بالتقادم، فهل يعقل أن يترافع في قضايا انتهت مدتها الزمنية، أم هل هو شريك في إضاعة الوقت إذن؟ وهل ترافع النيابة على شيء غير موجود في القانون؟ ولماذا تتقدم بقضايا سقطت أصلا؟ وأين هي القضايا الأخرى التي لم تسقط لإدانة الجميع؟.
مصر على أعتاب ثورة جديدة لأن ثورة يناير في خطر حقيقي، فرؤوس الفلول عادت إلى الميدان من جديد بتبرئة أركان نظام مبارك، وهو ما يعني أن الحكم بالمؤبد صدر ضد مصر وشعبها وثورتها رغم أنه صدر ضد مبارك والعادلي ظاهريا.


نقلا عن صحيفة الشرق القطرية