عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

شريف عبدالغنى يكتب:الإخوان الإرهابيون.. و«محيي الدين» الملحد.. و«البرادعي» العميل!

شريف عبدالغني
شريف عبدالغني

كتبت كثيراً من قبل أن مشكلة مصر تتمثل في «نخبتها» وليس فقط في فساد سلطتها. طوال عصر مبارك كان يتم استقطاب هذه النخبة. كثيرون رضخوا للإغراءات. منصب هنا أو «سبوبة» هناك. مقابلها يسخر نفسه ومواقفه وقلمه لما يُطلب منه.

بعضهم كان صريحاً وانضم بشكل مباشر إلى «حظيرة» النظام. لم يهمه «روث» الحظيرة ورائحة الفساد العفنة التي تخرج منها. المهم آخر النهار يخرج بـ «اليومية» المعتبرة، فيدخل «الحمّام».. يخلع ملابس الحظيرة بعفونتها. يستحم. يضع كميات من «البرفانات» المستوردة، ثم يخرج ليستكمل «رزقه» في أي قناة فضائية، ليشيد بـ «الأمن» و «الاستقرار» و «الديمقراطية» التي نرفل في ظلالها تحت قيادة «الرئيس الأب» و «الوريث الابن».
هذا النوع رغم سوء مسلكه وانحطاط سلوكه وانحيازه لعصابة حرامية تحكم باسم «الشرعية»، إلا أنه أكثر احتراماً من نوع آخر ظهر بأكثر من وجه. «معارض» علناً و «لاعق أحذية» سراً. كان النظام يعتبر الصنف الأخير أكثر نفعاً من مؤيديه المباشرين. شهادتهم غير مجروحة في نظر البسطاء. كانوا يسيرون وفق دور محدد ومرسوم.. الفضاء رحب أمامهم لانتقاد أي مسؤول وأي مواقف. أما الخط الأحمر فهو «الرئيس» و «الهانم» و «الوريث». أعضاء هذا الفصيل ضحكوا على الناس. ظهروا في موقف المدافعين عن المهمشين ضد «رئيس الوزراء» التسلطي.. والوزير الذي لا يرحم الغلابة.. والحزب الحاكم المتحالف مع «البزنس». لكنهم في الوقت نفسه يأتون للمهمة الأعظم التي تمليها عليهم مقتضيات الوظيفة.. عندما يصل الحديث عن الرئيس يصبح «الأب الحكيم» و «ابن الشعب البار»، وتصير الهانم «راعية الثقافة» و «داعمة الأرامل» ويكون الابن «مستقبل البلد» و «قائد ثورة تطهير الحكومة والحزب الحاكم من الحرس القديم».
هناك نوع ثالث من النخبة رقص على السلم. لم يعرف الدخول إلى «الحظيرة»، ولم يطلبوه لوظيفة «المعارض الديكور»، فقلبها بجد وعاش دور المعارض الحقيقي. لكن أصله «الانتهازي» يظهر عليه عند أي شدة تتطلب إظهار الخيط الأبيض من الأسود. بعضهم نقح عليه هذا «العرق» وذهب للمجلس العسكري يترجاه ويتوسل إليه أن يبقى في السلطة عامين أو أكثر.
لم يشذ عن هذه القاعدة إلا من رحم ربي. جماعة «الإخوان المسلمون» منذ نشأتها انحازت للشارع ومطالب الأمة. شاركت في حرب فلسطين، ودفع الشهيد حسن البنا ثمن معارضته للحكم قبل ثورة يوليو 1952، فاغتالوه بتعليمات من «القصر»، ومنعوا الجماهير من تشييع جنازته. شارك فيها فقط 12 فرداً يتقدمهم السياسي القبطي الكبير مكرم عبيد، الذي كان يعرف ويدرك وطنية «البنا» ووسطيته واعتداله وعدم رفضه للآخر أياً كان جنسه أو جنسيته أو دينه أو ملته أو مذهبه أو معتقده.
ظل «الإخوان» على عهدهم، وتم التنكيل بهم في كل العهود، وكانوا ضيوفاً دائمين على سجون ومعتقلات الأنظمة. مبارك وحده اعتقل منهم 100 ألف. أقول قولي هذا وأنا لست «إخوانياً» لكنني أتكلم عن حقائق ووقائع، وقد نجوت من «فخ فزاعة الإخوان» التي صنعها الرئيس المخلوع ليخيف منهم الخارج والداخل.
بجانب «الجماعة» ظهر سياسيون ومعارضون آخرون أنقياء كثيرون رفضوا الانضمام لـ «الحظيرة» ولم يمارسوا دور «المعارض المصنوع». أخص بالذكر اثنين: الأول «خالد محيي الدين» أحد أهم قادة ثورة 1952. في عز شبابه رفض الجاه والسلطان وطالب الجيش بالعودة للثكنات وتكوين حزب سياسي يمثل ثوار يوليو وعودة الحياة النيابية. فضل ترك «جنة الحكم» واختار «نار المنفى». ثم عاد ليمارس السياسة ليس من القمة التي تركها ولكن من القاع. عمل صحافياً وانحاز إلى البسطاء ودافع عن حق الجميع في الحرية بمن فيهم المخالفون له في الرأي. قاد حركة اليسار المصري وأسس حزب «التجمع الوطني التقدمي الوحدوي» الذي عارض السلطة بشراسة وأحدث حراكاً كبيراً في الشارع السياسي، وكانت جريدته «الأهالي» أقوى صحيفة معارضة، حينما كان يديرها الكبيران حسين عبدالرازق وصلاح عيسى. كما كان له السبق وسط الحياة السياسية المصرية أن ترك منصبه في حياته، وأول من طبق تداول السلطة في حزب سياسي. ترك رئاسة الحزب إلى خليفته «رفعت السعيد». لكن الأخير خيب الآمال فكان أسوأ خلف لأحسن سلف. دخل بـ «التجمع» و «الأهالي» إلى «الحظيرة»، وأفقد الساحة المصرية حزباً تنويرياً وجريدة مهنية، وتأثيراً كان مطلوباً لإثراء ثقافة المصريين. أما الثاني فهو الدكتور محمد البرادعي. جاء فحرك المياه الراكدة خلال السنوات الأخيرة، وكانت كلمته المشهودة «لو خرجت مظاهرة مليونية واحدة فسيسقط النظام» البشارة لتحرك الشارع وخروج المارد من قمقم الخوف.
لا يعني هذا أن ثالوث «الإخوان» و «محيي الدين» و «البرادعي» ملائكة منزهون عن النقد. إنهم في النهاية بشر مارسوا العمل السياسي فأصابوا وأخطؤوا. لكن الرابط بين الثالوث -الذي يمثل الطيف المصري «إسلامي» و «يساري» و «ليبرالي»- أنهم

أكثر من تعرضوا لحملات إعلامية ممنهجة وفاجرة كونهم خاضوا معاركهم مع السلطة بشرف ونزاهة رغم أخطائهم في هذا الموقف أو ذاك. اتهموا «الإخوان» بـ «الإرهاب» وخالد محيي الدين بـ «الإلحاد» ومحمد البرادعي بـ «العمالة». كل الحروب ضد هذا الثالوث «النقي» كان رأس حربتها الثالوث النقيض. «أهل الحظيرة» و «المعارضون الديكور» و «الراقصون على السلم».
ما حدث قبل إعلان نتائج الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة وبعدها يشير إلى أن الثالوث الأخير ما زال على عهده. اتفقوا على أن «الإخوان» لديهم «شهوة السلطة» ويريدون «التكويش» على البلد. نشروا وأذاعوا «خرافاتهم» في وسائل الإعلام التي تعود إلى الحكومة أو إلى رجال أعمال. ولاؤهم معروف لمبارك ومن يسير على نهجه. ووسط حملة مسبقة لتشويه الثورة والثوار صدق بعض البسطاء أن الثورة هي سبب وقف حالهم وانحازوا إلى «تلميذ مبارك النجيب» الفريق أحمد شفيق وأوصلوه إلى جولة الإعادة. ناهيك طبعاً عن التأييد المبطن لشفيق من المجلس العسكري والحكومة التي أعطت موظفي الدولة إجازة في اليوم الثاني للتصويت مع تعليمات باختيار «الفريق» الذي صوروه على أنه الوحيد القادر على إعادة الأمن للشارع، فضلاً عن عشرات الملايين التي دفعها رجال المال الموالون للنظام في الدعاية لمرشحهم وشراء الأصوات له.
المصيبة الأعظم هي في «النخبة». قالوا إن «الإخوان» يعشقون السلطة، بينما فشلوا هم في الاتفاق على مرشح فيما بينهم لمنع تفتيت الأصوات. كل رفض أن يكون أي شيء غير رقم «1». الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح وحمدين صباحي ومن معهما سدوا أبواب التنسيق بأن يترشح أحدهما رئيساً والآخر نائباً. والنتيجة أن خرجا معاً من السباق. لكن المدهش أن هناك من يطالب مرشح «الإخوان» الدكتور محمد مرسي صاحب أعلى الأصوات في الجولة الأولى بالتنازل لـ «صباحي» الثالث في ترتيب النتائج ليخوض بدلاً منه «الإعادة» ضد شفيق. فهل هذا منطق يتقبله عقل. الأدهى أنهم ما زالوا يكررون الطلب رغم أن قانون الانتخابات لا يتيح التنازل، بل ينص -بحسب المتخصصين- على أنه إذا خرج أحد المتنافسين في جولة الإعادة لأي سبب، فلا يتم تصعيد صاحب المرتبة الثالثة بدلاً منه، وإنما يجرى الاقتراع على المنافس الباقي، وإذا حصل على «نصف الأصوات زائد 1»، يصبح منصب الرئاسة من حقه، وإذا لم يحصل على النسبة المقررة تعاد الانتخابات من بدايتها.
المحزن أن نفس «النخبة» تساوم وتبتز «الإخوان» على مناصب معينة مقابل تأييد «مرشح الثورة» في الإعادة، ويلوحون بأن يعطوا أصواتهم لـ «تلميذ مبارك» الذي سبق وثاروا عليه أو يقاطعون الإعادة. حالياً يشيعون بين الناس «إننا بين خيارين.. أحلاهما مر». يساوون بين أستاذ جامعي متدين وصاحب تاريخ نضالي ضد السلطة الغاشمة. وبين من كان جزءاً من منظومة الفساد التي نهبت مصر وشردت شعبها في الداخل والخارج. وضعوا «مرسى» الذي اعتقلته أجهزة الأمن عند اندلاع الثورة في نفس الكفة مع «شفيق» راعي «موقعة الجمل» التي راح فيها مئات الضحايا من الثوار.
لو استمر هذا الجدل والابتزاز «النخبوي»، والتردد ما بين «الثورة» و «الثورة المضادة».. فهنيئاً لعائلة «مبارك» فوز مرشحها بعرش المحروسة!
نقلا عن صحيفة العرب الاماراتية