رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خالد عبدالرحيم السيد يكتب:الانتخابات المصرية بين القمع السياسي والاستبداد الديني

خالد عبدالرحيم السيد
خالد عبدالرحيم السيد

أكدت اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية في مصر رسميا هذا الأسبوع النتائج النهائية لانتخابات الرئاسة في ظل ورود شكاوى من قبل عدد من المرشحين بوجود مخالفات في الجولة الأولى من التصويت.

وأعلنت هيئة الانتخابات أنه "لم يحصل أي مرشح على الأغلبية المطلقة"، وأنه ستكون هناك جولة إعادة انتخابية بين مرشح جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي، الذي حصل على نسبة 24.77٪ من الأصوات، وأحمد شفيق آخر رئيس وزراء في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، والذي جاء في المركز الثاني بعد حصوله على نسبة 23.66٪ من أصوات الناخبين. وبحسب المفوضية العليا للانتخابات، فإن نسبة الإقبال على التصويت في الجولة الأولى لأول انتخابات لرئاسة الجمهورية في مصر، بعد الإطاحة بنظام مبارك، بلغت 46.42% من عدد الناخبين البالغ 50 مليونا.
وتعد انتخابات الرئاسة في مصر علامة إيجابية وخطوة في الطريق الصحيح للديمقراطية وتدلل على أن أحد أكبر البلدان التي شهدت انتفاضات الربيع العربي قادرة على القيام بالتزاماتها تجاه الحياة الحرة الديمقراطية، على الرغم من حالة الاضطرابات والفوضى وعدم الاستقرار التي أعقبت الثورة.
لعل أحد الأمور التي لاحظناها خلال الانتخابات المصرية هي التغطية الشاملة للحدث من قبل وسائل الإعلام بالرصد والتحليل، والتي عمت نطاقا واسعا وتردد صداها محليا وإقليميا وعالميا، مبرهنة أن أهمية مصر لا تقتصر فقط على العالم العربي ولكن أيضا على الصعيد الدولي، وها هي مصر ماضية في طريقها الآن لتستعيد مرة أخرى نفوذها ومكانها في الصدارة باعتبارها واحدة من البلدان التي لها أهمية لا يستهان بها على الساحة الدولية. إن الانتخابات المصرية الجارية الآن تعكس بصدق العقلية المتطورة والفكر المستنير اللذين بدآ يستشريان في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصا في أعقاب انتفاضات الربيع العربي، كما أنها علمتنا أن تكهنات وتوقعات المحللين والخبراء لنتائج الانتخابات يمكن أن تكون خاطئة، وهذا ما أثبتته نتائج الانتخابات الأخيرة غير المتوقعة والتي أدهشت الجميع وفاقت كل التوقعات، بمن فيهم كثير من المرشحين أنفسهم.
فتغطية وسائل الإعلام لكافة مراحل العملية الانتخابية جعلت الكثير من الناس يتوقعون أن عمرو موسى وعبد المنعم أبو الفتوح سيكون لهما نصيب الأسد وحصان السبق في الجولة الأولى وسيستحوذان على أكبر نسبة من عدد الأصوات، للدرجة التي قامت قناة تلفزيونية بمناظرة بين هذين المرشحين باعتبار أنهما أوفر المرشحين حظا في الاستحواذ على غالبية أصوات الناخبين، ولكن ومع انتهاء فرز الأصوات، ثبت أنه شتان ما بين واقع النتائج وخيال التوقعات.
إن نتيجة الانتخابات قد أعطتنا إشارة واضحة لمسألتين حيويتين تمثلان في مجملهما أهمية بالغة لدى الشعب المصري. القضية الأولى هي التنمية الاجتماعية، فخلال فترة الحملة الانتخابية البرلمانية والرئاسية، كثف الإخوان المسلمون نشاطهم بشكل ملحوظ في هذا الجانب بتوزيع عدد من المواد الغذائية كالزيت والسكر للمواطنين، ورغم نفيهم لكون الهدف من قيامهم بذلك هو كسب الأصوات، إلا أن حقيقة أن مرشحهم قد حاز على المركز الأول في الجولة الانتخابية الأولى، يظهر بلا شك أن الشعب المصري يبحث عن رئيس يستطيع أن يوفر لهم الضروريات الأساسية للحياة مثل الغذاء والمأوى والملبس، ومع التدهور الذي أصاب الاقتصاد المصري إبان الثورة، أصبح الناس في حاجة لسد رمقهم من هذه الضروريات من أجل لقمة العيش، أكثر من أي وقت مضى، وبناء على ذلك، فإن الجماعات التي تستطيع أن توفر لهم هذه الضروريات، هي في الغالب الأعم من ستحصل على أصوات الشعب.
وثمة قضية أخرى أيضا تهم الشعب المصري كثيرا عند انتخابهم لرئيسهم، وهي قضية الاستقرار، وفي هذه المسألة تحديدا يكمن السر الذي جعل أحمد شفيق، وهو رئيس الوزراء السابق في ظل نظام مبارك، يحصل على المركز الثاني في انتخابات الجولة الأولى. فلقد أصابت البلاد حالة من عدم الاستقرار نتيجة لكثرة التظاهرات المتواصلة والتجمعات الاحتجاجية التي أصبحت السمة الملازمة لفترة ما بعد الثورة المصرية، وأصبح الناس يأملون ويتمنون العيش في ظل حالة من الأمن والاستقرار والطمأنينة بديلا لفوضى ثورة الربيع العربي. وشفيق، على الرغم من كونه أحد مسؤولي النظام السابق، فإنه يمثل أيقونة الاستقرار التي ظل ينشدها الشعب المصري خاصة بعد أن تحولت مجرد مباراة في كرة القدم إلى مأساة نتيجة أحداث العنف الدامية التي شهدها ملعب بورسعيد، والتي أسفرت عن مقتل 74 شخصا وجرح المئات، وما المظاهرات التي حدثت قبل أيام قليلة عقب الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية إلا دليلا دامغا على أن الوضع في مصر ما زال يعاني حالة خطرة من عدم الاستقرار، ويحتاج بالتالي إلى شخص يمكن أن يضع الأمور في نصابها بفرض المزيد من الأمن والنظام، وقطعا فإن هناك من انتخب شفيق طمعا في وصول البلاد لحالة الأمان والاستقرار على يديه. وعلى كل حال، فإنه ومن واقع المشهد الانتخابي للرئاسة المصرية، يبدو أن الناخبين المصريين لديهم أفكار ورؤى متباينة وحسابات مختلفة وأحلام وأمنيات شتى.
فإن نتائج الانتخابات، والتي لم يحصل فيها أي من المرشحين الرئيسيين على انتصار ساحق وأغلبية مطلقة، أظهرت دليلا على أنه لا يمكن للإخوان المسلمين وحدهم إدارة شؤون البلاد والعباد، وهذا هو السبب الذي دعا محمد مرسي، عقب إعلان النتائج الانتخابية للجولة الأولى، لعقد اجتماع مع عدد من مرشحي الأحزاب الأخرى، في محاولة لتشكيل ائتلاف سيكون بمثابة

رهان قوي في مواجهة النظام السابق وأتباعه، وتعهد مرسي في مقابلة له على قناة النهار، بأن منصب نائب الرئيس من خلال هذا الائتلاف غالبا ما سيكون من الأحزاب الأخرى، وأنه ستكون هناك لجنة رئاسية، كما تعهد أيضا بتشكيل حكومة ائتلافية لإدارة البلاد تحظى بإجماع البرلمان، بحيث تضم الأغلبية والأحزاب السياسية الأخرى التي تمثل كافة الاتجاهات في مصر من أولئك الذين شاركوا في الثورة.
أيضا أظهرت نتائج الانتخابات أن نظام مبارك السابق لا يزال يحظى بقوة ونفوذ بين أوساط عامة الشعب، حتى بعد أن أطاحت به الانتفاضة الشعبية، فلقد تمكن شفيق من كسب ما يكفي من الأصوات التي أهلته للحصول على المركز الثاني، على الرغم من أنه لم يكن من مؤيدي الثورة، وهذا يعني أن هناك فصيلا قويا من فلول نظام مبارك لا يزال يحاول الوصول إلى السلطة، وربما يأمل كذلك في عودة النظام السابق إلى حكم مصر من جديد.
إن من سيفوز في نهاية المطاف بمقعد الرئاسة المصرية، لن يمثل غالبية الشعب المصري، لأنه لم يفز أي من مرشحي الأحزاب بأغلبية ساحقة في الجولة الأولى، وبالتالي لم يكن هناك فائز بالمعنى المطلق. ولذلك فإنه لن يكون من السهل على الرئيس القادم أن يلبي كافة تطلعات الشعب المصري، ونأمل فقط ألا يقود ذلك إلى إطلاق "مسيرة مليونية" مماثلة لتلك الاحتجاجات الشعبية الحاشدة التي كانت تتم في ميدان التحرير في العام الماضي.
أما الشباب الذين شاركوا بنشاط في الثورة، ورغم تكوينهم سابقا لما سمي بائتلاف شباب ثورة 25 يناير، إلا أنهم لم يتمكنوا من التوصل إلى توافق فيما بينهم من أجل توحيد صفوفهم خلف مرشح واحد، وهذا قد يكون بسبب طول الفترة الزمنية ما بين الإطاحة بمبارك بتنحيه عن السلطة، والوقت الذي تتم فيه الانتخابات الرئاسية الحالية، وربما أدى ذلك إلى إصابة الكثيرين بالإحباط وفقدانهم لتلك الروح الثورية للنضال. وهناك احتمال آخر وارد تماما، وهو أن يكون هذا أمر مخطط له، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، من قبل البعض لإضعاف الحماس الثوري لهذه الفئة من أجل تفعيل أجندتهم الخاصة. ولكن الذين لم يشاركوا في التصويت وضعوا مصر على مفترق الطرق.
وكلما مر مزيد من الوقت قبل أن تتمكن مصر من وضع اللمسات الأخيرة على صورة الشخصية التي ستمثل قمة هرم سلطتها السياسية، فإن المزيد من الناس سوف يتطلعون إلى حكومة تكون قادرة على توفير احتياجاتهم الأساسية، بغض النظر عما إذا كانت ستقوض من حريتهم، وهنا يكمن الخطر في أن تستغل حكومة - على شاكلة ومنوال نظام مبارك - هذا الوضع، وتفرض على الشعب المصري حكما فرديا لديكتاتور آخر.
إن الوضع في مصر لن يكون بهذه السهولة، وهذا ما أثبتته نتائج الانتخابات الحالية، وسيكون من الصعب تحقيق الاستقرار ما لم تصبح البلاد قادرة على النهوض وتشكيل حكومة ديمقراطية تحمل على عاتقها مهمة إخراج مصر من هذا النفق المظلم الذي أدخلها فيه نظام مبارك والفوضى التي أعقبت الإطاحة به.
إن آمال الشعب المصري كبيرة جدا، ووسائل الإعلام قد استعادت المزيد من المنعة والحرية، الأمر الذي يعني أنهما - الشعب ووسائل الإعلام - سوف يمثلان معا رقيبا على أداء الحكومة المقبلة، وشاهدا على الإيفاء بوعودها والتزاماتها التي قطعتها لأبنائها من كافة شرائح الشعب المصري. ونأمل ونتمنى فقط أن الحكومة المصرية المقبلة لن تعود إلى سابق عهد القهر والقمع السياسي، ولن تصبح مطية للاستبداد الديني
نقلا عن صحيفة الشرق القطرية