رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

جمال قارصلى يكتب :مسرحية الانتخابات السورية

بوابة الوفد الإلكترونية

ما يميز الانتخابات التشريعية السورية عن غيرها في كثير من دول العالم أنها لا تجلب معها أي مفاجآت، لأن نتائجها معروفة سلفا، والجميع يعلم أن ما يحصل من نشاطات ومناظرات وحملات انتخابية وجدال ومشاكسات كلها تنضوي تحت عنوان «المسرحية الانتخابية». أسماء أعضاء المجلس «التشريعي» الجديد معروفة للسلطة ولكثير من المهتمين والمراقبين، وذلك قبل أن تبدأ عملية الانتخابات. هذا يعني بأن الانتخابات التشريعية في سوريا حقا تحصل بشكل «توافقي» لأن السلطة عودت الشعب ومنذ خمسين عاما على أن لا يتجرأ أحد على «اقتحام» عتبة مجلس الشعب إن لم توافق عليه «القيادة» مسبقا، وهذا ما شاهدناه قبل أيام أثناء انعقاد الجلسة الافتتاحية لهذا المجلس.

ما يحصل في سوريا من انتخابات هو مسرحية جديدة - قديمة ومكررة، يعرفها الشعب واعتادها وهي هزلية ورديئة ومن كثرة رداءتها تظل الضحكة في الحلق محبوسة والبسمة تخاف من الظهور على الشفاه، وأصبح المواطن السوري يستبدل بها دموعا قد حفرت أخاديد على مقلتيه. منذ زمن بعيد فقد المواطن السوري ضحكته الصافية النابعة من القلب واستبدل بها أخرى صفراء أو بسمة خجولة باهتة، على الرغم من أنه يبحث عن الفرحة ولو للحظات قليلة لأنه أصبح بأمس الحاجة إليها لكي ينفس عن همه وكربه بسبب ما يحصل في بلده من مآسٍ وويلات ومهازل. المواطن السوري كان يخاف من أن تدوم هذه «المسرحية الانتخابية» طويلا، مثلما حصل في الانتخابات العراقية الأخيرة، التي تم الإعلان عن نتائجها بعد مرور تسعة أشهر، وكان السبب هو أن في العراق الشقيق كذلك توجد انتخابات «توافقية».
الانتخابات التشريعية السورية مبنية على قاعدة غير صحيحة وهي الدستور الذي تم التصويت عليه قبل أسابيع قليلة (26/02/2012) الذي تم تفصيله على مقاس السلطة الحاكمة، وهو مليء بالثغرات والفجوات الكبيرة. منذ عقود طويلة وإلى يومنا هذا ما زالت ذات السلطة الحاكمة في سوريا وحدها التي تخطط وتقرر وتنفذ وتمنع وتسمح وتوافق وترفض وتغير وتبدل كما تشاء.
تمت الانتخابات الأخيرة تحت ظروف في غاية الصعوبة. فوضع البلاد الآن يشبه الحرب الأهلية. مع غروب شمس كل يوم يسقط في سوريا العشرات من الشهداء ومدن البلاد مقطعة الأوصال والتنقل بينها محفوف بالمخاطر الكبيرة، وعدم تمكن عدد كبير من مواطنيها من المشاركة فيها بسبب الأوضاع الراهنة، وقسم كبير منهم أصبح في عداد المهجرين أو النازحين أو المعتقلين، وإضافة إلى ذلك مقاطعة بعض الأحزاب والقوميات السورية لهذه الانتخابات وانسحاب بعض الشخصيات منها وعدم وجود مراقبة دولية على الانتخابات. هذه العوامل مجتمعة ترسم لنا الصورة الحقيقية للوضع الراهن في سوريا، وهي مؤشر خطير على عدم جريان العملية الانتخابية بشكل نزيه. إضافة إلى ذلك هنالك عامل مهم جدا، وهو عدم جدية السلطة في العملية الإصلاحية التي تطبل وتزمر من أجل ترويجها ليلا ونهارا، لأنها تريد بهذا أن تُلبّس نظامها الديكتاتوري، الذي بواسطته تحكم البلاد منذ عشرات السنين، ثوبا ديمقراطيا له شكل إصلاحي، ومن دون أن تغير أي شيء في طريقة حكمها. وهي تلجأ إلى التلاعب والالتفاف على الانتخابات لكي تظهر للعالم أن ما يحصل في سوريا هو شيء طبيعي، وأن الناخب هو صاحب القرار النهائي. كثير من البعثيين والمقربين من السلطة تم دسهم بين مرشحي قوائم أخرى غير بعثية. بهذه الطريقة وصل هؤلاء المندسون إلى سدة البرلمان تحت قوائم مختلفة، وهكذا أدخلت السلطة جماعتها إلى مجلس الشعب وبنسبة كبيرة ربما تتجاوز ثلاثة أرباع أعضائه.
على سبيل المثال، أصدرت السلطة السورية قوائم انتخابية مشتركة لمرشحين بعثيين ومستقلين في ثلاث محافظات، وهي حمص وإدلب وريف دمشق، وكانت هذه القوائم كاملة ومغلقة وكل من كان اسمه على هذه القوائم تم انتخابه كعضو في مجلس الشعب، وما حصل في المحافظات الأخرى ليس بعيدا عما حصل في هذه المحافظات الثلاث، التي يعادل سكانها ثلث سكان سوريا كاملة.
هذا التصرف من قبل السلطة في سوريا هو دليل واضح على أن الفاسد لا يستطيع أن يصبح مصلحا بين عشية وضحاها، مهما حاول، لأن هذه السلطة ورجالاتها ترعرعت وكبرت على مدى عقود طويلة على ثقافة الفساد، فأصبحت هي كذلك فاسدة ولا يمكنها أن تقوم بأي دور إصلاحي. وحتى لو أرادت أن تقوم بذلك فهي غير قادرة على هذه المهمة وأسهل لها بألف مرة أن تخرج من الحنظل السكر، أو أن تصنع العسل من البصل، أو العنبر من الجزر.
المجتمع السوري يعلم أن هذه الانتخابات ستنتج مجلسا مليئا بالمصفقين والمتملقين، وأغلبهم من مسيرين للمعاملات وطالبين للاستثناءات من الوزارات، يعني في النتيجة سيكون هنالك كالعادة مجلس منقوص السيادة وحتى في أكبر مهامه الأساسية، وهي مهمة التشريع، فلرئيس البلاد صلاحيات تشريعية أكثر منه.
ربما حصل شيء من التغيير في شكل وطريقة الانتخابات في سوريا، ولكن النتيجة لم

تتغير، وبقيت كما كانت عليه سابقا، وما حصل هو فقط عملية استنساخ لمجالس الشعب السابقة، ولكن بطريقة إخراج مسرحي مغايرة.
حال مجلس الشعب هذا سيكون كحال المجالس السابقة، لأنه في الحقيقة لم يتم تشكيله من أجل التشريع وسن القوانين، بل من أجل تمرير كل ما يريده الحاكم ورجالاته من قرارات وأفكار ارتجالية.
الحال في سوريا وصل إلى حد لا يطاق من الخطورة وأصبحت البلاد تمر بمحنة عصيبة للغاية، ولا أحد يستطيع أن يتنبأ إلى أين ستصل بنا هذه الحالة في آخر المطاف لأن كل الاحتمالات واردة؛ من الحرب الأهلية، التي هي شبه دائرة الآن إلى حرب إقليمية، ومن ثم إلى تقسيم البلاد وربما ستصل بنا هذه الحالة إلى ظروف أشد مرارة وقسوة مما نستطيع أن نتصوره. السلطة الحاكمة تتحمل القسم الأعظم من المسؤولية فيما وصلت إليه البلاد، لأنها لم تقتنع إلى يومنا هذا بأن التغيير أصبح لا بد منه، وأن ما تقوم به من مناورات وتحايل واستهتار بعقول الشعب السوري لا يمكن أن ينطلي على أحد، وأن كل ألاعيبها وبهلوانياتها مكشوفة حتى للأطفال الصغار.
سوريا تحتاج إلى مرحلة انتقالية لمدة عامين كما هو الحال الآن في اليمن، التي خلالها يتم تشكيل لجنة دستورية مؤلفة من كل ألوان الطيف السياسي في البلاد، ومن هذه اللجنة الدستورية تنبثق لجنة خاصة تضع قانونا للأحزاب وأخرى تضع قانونا للانتخابات، وبعدها يتم التصويت عليها جميعا. التكتلات السياسية والتنظيمات والأحزاب التي تتشكل خلال هذه المرحلة تكون قد نضجت وبرزت على الساحة بقوة، وأصبح لديها خبرة وتجربة سياسية تستطيع من خلالها أن تخوض الانتخابات التي ستتم بعد هذه المرحلة الانتقالية. الشعب السوري تنقصه الخبرة السياسية لأنه كان محروما من كل أنواع النشاط السياسي الديمقراطي الحر لمدة عقود طويلة، إلا ما توافق عليه السلطة الحاكمة.
كل ما يحصل الآن في سوريا، تحت اسم «الخطوات الإصلاحية»، ترفضه أغلبية المجتمع السوري، لأنها تتم تحت هيمنة السلطة الحاكمة، التي هي الخصم والحكم في آن واحد، وما قدمته هذه السلطة للشعب السوري من «إصلاحات» هو شيء مفصل على مقاسها الخاص وأولها مجلس الشعب الذي تم انتخابه قبل أيام قليلة، وكذلك الدستور الذي تم الاستفتاء عليه مؤخرا.
الانتخابات التشريعية التي حصلت في سوريا هي مهزلة ومسرحية بائسة تدعو للشفقة على كل من ساهم في تنفيذها. لا أعلم هنا هل تحق التهنئة أم يحق العزاء للشعب السوري على هذه «الإنجازات العظيمة»؟! في حقيقة الأمر ما حصل هو شيء مضحك جدا إلى حد أن الضحكة أصبحت تخجل على حالها، وكاتب هذه الحروف ما زال يحاول أن يبتسم، ولكن من دون جدوى.
تقف سوريا الآن على بُعد أمتار قليلة من الهاوية وفرص إنقاذها تضمحل وبشكل متسارع. الوضع أصبح لا يحتمل كثيرا، والمطلوب الآن من جميع الأطراف المتنازعة خطى شجاعة مليئة بروح التضحية والتسامح والتنازل والتوافق من أجل إنقاذ الوطن. إضافة إلى ذلك، نأمل من كل الشعوب والحكومات المجاورة والصديقة للشعب السوري الوقوف إلى جانب هذا الشعب بصدق وإخلاص بعيدا عن المصالح الخاصة الضيقة، وبعيدا عن عملية تصفية الحسابات مع دول أخرى على الأرض السورية.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط