أسامة غريب يكتب :فُسطاطان
حكى لي صديق فقال: لم أكن أتصور ان الدنيا يمكن ان تفعل بالناس ما حدث لنا في مصر.لقد كنا أسرة متوسطة عادية تربينا على الفضيلة والخير، ليس في حياتنا أي نوع من التهتك..الستر هو القيمة الكبرى التي تعلو على ما سواها.الأولاد والبنات يذهبون الى المدارس والجامعات.نجتمع حول التلفزيون لنشاهد الأخبار ومسلسل المساء.في الاجازات نشاهد فيلما أو مسرحية السهرة.لسنا من رواد الحفلات الغنائية، لكننا نستمع الى الطرب الأصيل والغناء الجميل من أم كلثوم وعبد الوهاب ومحمد فوزي وعبد الحليم.تربينا على الصلاة وصوم رمضان وطاعة الأهل..الخلاصة أننا أسرة طبيعية مثل ملايين الأسر.واستطرد
الصديق في أسى: ثم تأتي الرياح حاملة معها أفكاراً غريبة فاجأنا الاخوة الذين استوردوها بأنها هي صحيح الدين الذي لم نكن نعرفه! فقالوا بحرمة الغناء والتمثيل والفن التشكيلي، وأفتوا بوجوب ارتداء النقاب وتغطية وجه المرأة وأقاموا لأنفسهم جيتو داخل المجتمع أخذ يتسع ويتمدد، واستفاد في تمدده من انتشار العشوائيات فضمها الى زمامه حتى استولى على معظم مساحة الوطن، وأصبح هناك نوعان من المصريين هما المصري المصري والمصري الأفغاني، أو أهل مصر وأهل قندهار.وأضاف الصديق: المهم ان أسرتنا مثل معظم الأسر تشتت ما بين من ظلوا على ولائهم للحياة العادية وان أضيفت اليها لمسة تدين ظاهري تمثلت في غطاء الرأس، وبين من رحلوا بفكرهم الى أماكن عجيبة ورأوا في جماعة طالبان المثال والقدوة، ليس في جهاد الأعداء والذود عن الوطن، ولكن في ضرورة هدم التماثيل والتنكر للعقل، والسمع والطاعة للجهلاء المأزومين نفسياً.وأكمل الصديق: لم اسمح للخلاف في شكل الحياة ان يبعدني عن أخي الأصغر الذي صار سلفياً له ذقن كثيفة مشعثة وبضعة زبيبات في جبهته وزوجة وخمس بنات كلهن منقبات، وفي الحقيقة ان بناته تشبهن الملائكة في الجمال والأدب والتربية، غير أنهن معزولات عن العالم ولا يعرفن منه غير الدروس الدينية ومعاهد اعداد الدعاة التي يرتدنها حتى أنني سألته مازحاً: اذا كنا كلنا سنكون دعاة فمن أين لنا بجمهور المستمعين؟.ومضى الصديق قائلاً: أقنعت نفسي بأنه ليس من الضروري ان يكون لنا جميعاً نفس النمط في الحياة..المهم ان نحترم خيارات بعضنا البعض
نقلا عن صحيفة الوطن الكويتية