عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على سالم يكتب:انتخاب الرئيس: خواطر وأفكار عن الأمن القومي

علي سالم
علي سالم

وعندما أتيحت الفرصة للمصريين لاختيار رئيس جديد بكامل إرادتهم، فضل أكثر من نصفهم الطريقة القديمة التي تعودوا عليها من قبل لأكثر من خمسين عاما، وهي أن يتركوا للآخرين هذه المهمة الثقيلة. لذلك لم يذهبوا للإدلاء بأصواتهم في اللجان الانتخابية على الرغم من أن الحكومة قررت أن تكون الانتخابات على يومين لمنح الناخبين فسحة أكثر من الوقت، ثم كانت أكثر كرما عندما قررت أن يكون يوم منهما إجازة، وهو يوم الخميس.

كل المحللين السياسيين في الفضائيات انتابتهم حيرة شديدة عند تفسير هذه الظاهرة التي تتناقض بشدة مع إقبال الناس الكثيف من قبل في انتخابات مجلس الشعب، منهم من عزا ذلك إلى حرارة الجو وتنبأوا بنزول الناس عند الغروب عندما يكون الجو أكثر لطفا، ومنهم من رأى أن اعتبار يوم الخميس إجازة شجعهم على الاستمتاع بها بالسفر بعيدا في إجازة نهاية الأسبوع. كل هذه التفسيرات جديرة بالاعتبار، غير أنني أفكر في أن الامتناع عن اختيار رئيس الجمهورية في مصر، أمر يتعلق بالعجز عن التعامل مع الحرية في أبسط صورة لها، وهي حرية الاختيار. الناس تحسن الاختيار عندما تختار ما تأكله وما ترتديه، غير أنها تشعر بالخوف عندما تختار شخصا ربما يؤثر بالسالب في حياتها مستقبلا، المواطن يخشى تلك اللحظة التي يندم فيها على اختياره ويجد نفسه مضطرا لدفع ثمن عال لهذا الاختيار. وبعدم ممارسته لحقه الشرعي في انتخاب الرئيس يحصل على البراءة من كل ما سيرتكبه هذا الرئيس من أخطاء، غير أنه في اللحظة نفسها يكون قد تنازل عن أكثر حقوقه قداسة، وهو حرية الاختيار. أن تختار وأن تدفع ثمن اختيارك، هذه هي الحرية، وهذا هو النضج الإنساني الملازم دائما للحرية. حتى الآن (صباح الجمعة 25 مايو/ أيار 2012) لا أحد قادرا على التنبؤ باسم الرئيس القادم في مصر، يمكن فقط التنبؤ بأنه ستكون هناك جولة ثانية يتم فيها اختيار الرئيس الجديد الذي يتنبأ له المحللون بمواجهة أعظم المتاعب في تاريخ مصر، وإن كنت أرى أن متاعبه ستكون محصورة فقط في الاقتصاد، ولا شك أنه لن يستطيع الإفلات من اقتصاد السوق وتفعيل القانون بالوقوف في وجه الفساد. لقد كانت مشكلة النظام السابق هي في عجزه لأسباب عاطفية عن إرغام رجال الأعمال عن الوقوف في خط سبق واحد.
واقعيا وعلى الأرض لن توجد مشكلة له مع إسرائيل، فالنظم عندما تكون أقرب إلى العدل والحرية تكون أقرب إلى السلام وأقرب إلى القضاء على الأسباب التي تؤدي إلى زعزعته. عدو واحد سيقف للرئيس الجديد بالمرصاد ويمنعه من الوصول إلى أي نتائج مرضية للمصريين، هذا العدو هو اللعب باللغة، واللعب مع اللغة، أي تجنب مدرسة السياسة القديمة التي كانت تلجأ لإرضاء الناس بحلو الكلمات المنقوعة في سم النفاق الجماهيري. لم يعد من الممكن تغذية الناس بالأحلام والشعارات السمينة، بل الممكن والمطلوب هو تحقيق أحلامهم البسيطة في حياة آمنة وكريمة.
المشكلة الوحيدة التي تشبه جبل الجليد المختفي تحت محيط السياسة الخارجية والتي يجب أن تتنبه لها أجهزة المعلومات المصرية كل التنبه، هي مشكلة مواجهة الأحلام الإيرانية، بمعنى أدق أحلام النظام الإيراني، لا داعي للانشغال بما يسميه الإعلام في مصر «التشيع» والحسينيات، لا خطر من الشيعة بوصفهم شيعة على مصر، ولا توجد مشكلة تسمى الصراع السني - الشيعي، غير أنه توجد مشكلة حقيقية تدعو إلى الانزعاج بشدة، وهي نوعية الأسلحة المهربة إلى مصر في الأيام الأخيرة. هي ليست تلك الأسلحة التي يتسلح بها الأفراد للدفاع الشخصي أو المباهاة، ليست بنادق ومسدسات ومدافع رشاشة، بل هي صواريخ عابرة للمدن وقذائف مدفعية مضادة للطائرات والمدرعات. من المؤكد أنه لا توجد في مصر سوق تستوعب هذا النوع من الأسلحة. ولما كان من المستحيل تصور أنها هربت إلى مصر لتخزينها فقط إلى حين تسليمها لطرف ثالث، لذلك فمن الواضح أنها هربت لتستخدم في

سيناء، هذا هو المكان الوحيد الذي يمكن استخدامها فيه، وهذا هو أبسط ما يؤكده الخيال السياسي، ستستخدم هذه الأسلحة على الأرجح ضد مدن ومواقع إسرائيلية لجر مصر إلى حرب لسنا ولا أحد في حاجة إليها.
النظام في إيران أقنع نفسه أنه في حالة عداء مع نظامين في المنطقة، السعودية ومصر، غير أنه ككل الأنظمة المتطرفة عاجز عن القتال بوضوح والوصول إلى هدفه مباشرة، على الأقل لأن الشعب الإيراني لا يؤيده في هذا النوع من السياسات.
في علوم الأمن القومي أعترف بأنني مجرد هاو، وأعرف خطورة الهواية في مثل هذه المسائل، وأعرف أنه يوجد بين المحترفين من هو مؤهل أكثر للتعامل معها على سند من الأدلة الموثوقة، غير أني أعبر عن انزعاجي من تهريب هذه النوعية من الأسلحة إلى مصر، إلا إذا كان الهدف منها هو ضرب أهداف مصرية، وهنا تكون المصيبة أكبر.
ولكن ذلك لا يقعدني في محطة الحيرة والانزعاج، بل يدفعني للاعتقاد أنه قد جاء الوقت الذي نتعامل فيه بالعدل والعقل مع المواطن السيناوي في ما يتعلق بالمواطنة، يا لكمية الجهل التي تدفعنا ودفعتنا لعقود طويلة للتعامل مع أهل سيناء بوصفهم مواطنين ناقصي الأهلية والمواطنة! على أن يتم ذلك في أيام وليس في شهور أو حتى أسابيع. أليس من الظلم البين والجهل أيضا أن تكون من أهل الوادي وتتمتع في سيناء بحقوق لا يتمتع بها المواطن السيناوي؟! لقد استمعت إلى مواطنين من سيناء يقولون إنه ليس من حقهم تملك مشاريع خاصة بهم في سيناء، فهل هذا الأمر عادل أو معقول أو مفهوم؟! الملكية الخاصة هي أول ضمانة للأمن وسلامة الوطن والمواطن، وفي أقدم بردية مصرية يقول الفلاح الفصيح مخاطبا أحد كبار المسؤولين: احترس من هذا الذي لا يمتلك شيئا.
بالفعل، على كل مصري أن يمتلك شيئا يدافع عنه، ولا يجب بحال من الأحوال أن نسمد الأرض ونتركها لآخرين يزرعون فيها الشر والعدوان، ثم نتفرغ بعدها للشكوى مما تفعله بنا التنظيمات الجهادية المتطرفة. هذه مشكلة حقيقية أمام الرئيس الجديد عليه أن يسارع في حلها.
من الأخطاء الشهيرة في السياسة، وخاصة في الحرب، أن تكون لك استراتيجية صحيحة، وتحاول الوصول إليها باستخدام تكتيك خاطئ، عندها تصل إلى عكس الهدف، هذا هو كلام كلاوزفتز وليس كلامي، أما كلامي فهو: استراتيجيتنا في سيناء كانت صحيحة، وهي تحقيق الأمن القومي، وحاولنا الوصول إليها بتكتيك خاطئ يهددنا الآن بخسارة أمننا القومي، هذا هو ما سيحدث لنا حتما عندما يوجد في سيناء تنظيمات قادرة على استخدام هذه الأنواع من الأسلحة.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط