رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عبدالله بن بجاد العتيبي: انتخابات مصر: قراءة أولية

عبدالله بن بجاد العتيبي
عبدالله بن بجاد العتيبي

ما يجري في مصر جدير بالاهتمام والمتابعة، فهو يؤثر عليها وعلى المنطقة، ويحتاج لرصد ونقاش، من هنا فإنه ورغم حجم الاهتمام المنصب على تفاصيل المشهد الانتخابي، فإن التاريخ والواقع ومنطق الأشياء تقول مجتمعة: إن مصر لن تتجه للاستقرار قريبا، فلم تزل تعتمل فوق السطح وتحته مؤثرات وتوجهات وتيارات وأحزاب كل منها يستجمع قواه للفوز والظفر، وكل منها أطلق تصريحات متشككة في نتائج الانتخابات - حتى قبل أن تبدأ - ليجد لنفسه مكانا بعدها في حال الخسارة، يكون منطلقا يتكئ عليه ويبرر به كل اعتراضاته.

إنها قوة الفوضى التي تعقب الثورات دائما، إنها إبداع العقل الجمعي في رسم طرائق لنفسه ليظل حاضرا بقوة في المشهد وإن على حساب أي منطق يتم وضعه كمرجعية للصراع، وهو هنا صندوق الاقتراع.
مع طلائع النتائج الأولية غير الرسمية بدأت تظهر على السطح علامات تقدم لبعض المرشحين كمحمد مرسي وأحمد شفيق، وأن حمدين صباحي فاجأت بعض نتائجه المراقبين، وأن أبو الفتوح هو رابع أربعة في المقدمة، وربما جاء عمرو موسى خامسا.
إن التقدم الذي أحرزه شفيق مثير جدا، فالرجل فاز أم لم يفز، دخل الإعادة أم لم يدخل، منح مؤشرا مهما، ذلك أنه لم يكن من رجال الثورة، بل هو منسوب للنظام القديم على الأقل من قبل خصومه، ولكنه اختار عدم التركيز على شعارات الثورة الصاخبة كالحرية ونحوها، واتجه مباشرة لحاجات الناس الطبيعية المتمثلة في الحاجة لمن يفرض هيبة الدولة ويرسخ الاستقرار ويبسط الأمن، وخاطب الناخبين على هذا الأساس.
تصطف خلف شفيق كتلة صلبة تتمثل في الأقباط الذين لديهم تخوف كبير يمكن فهمه تجاه انتصار أي مرشح ذي توجه ديني، ويبدو فعلا أنهم أعطوا أصواتهم بكثافة لشفيق، وتتمثل كذلك في بعض المناطق التي تنتشر فيها القبلية أو العائلية كالصعيد، والتي صوتت لشفيق بشكل جماعي، وإضافة لهؤلاء تأتي شرائح كبيرة من عامة الشعب أعطت أصواتها لشفيق بدافع من الغريزة الإنسانية العميقة التي تفتش عن الأمن والاستقرار، كما تقدم.
في حالة محمد مرسي، وهو المرشح الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين، فقد اعتمدت الجماعة على كتلتها التصويتية الصلبة، ولم تعتن كثيرا بشخص المرشح، فهو مرشح جاء كمجرد بديل لخيرت الشاطر، وهو كادر حزبي إخواني لا يمتلك من الكاريزما وقوة الشخصية ما يستطيع به الاختراق خارج كتلة الإخوان، وقد أبدى في تصريحاته خضوعا للمرشد الأعلى لـ«الإخوان» لا يليق بمرشح سيصبح حين فوزه رئيسا لمصر، وهو ما أثار مخاوف كثيرين من تكرار نموذج الثورة الإسلامية الإيرانية في مصر، وعزز مخاوف قديمة لدى الأقباط الذين لم يستطع مرسي إقناعهم بأنه سيصبح رئيسا لكل المصريين.
أحسب أن تجربة الإخوان البرلمانية منذ الانتخابات السابقة سيكون لها أثر في تقويم الناس لأدائهم وحجم إنجازاتهم، وهم أثبتوا في كل تصرفاتهم ما بعد 25 يناير (كانون الثاني) أنهم يريدون أخذ كل ما يستطيعون من قوة السلطة في مصر ليصبحوا أصحاب القرار الكامل في السلطتين التنفيذية والتشريعية وما يتبعها من صياغة للدستور ونحوه من الشؤون الكبرى. من أوضح دلالات هذه الانتخابات أن من يسمون بـ«شباب الثورة» بمرشحيهم وحركاتهم لم يستطيعوا الدخول في أي منافسة جادة مع مرشحين لهم تاريخ وقوة حضور، ولهم كتل صلبة تدعمهم من عموم الشعب المصري، ورغم التأثير الذي أحدثوه في إسقاط النظام السابق، فهم حتى الآن عاجزون عن تحقيق مكانة حقيقية في التأثير على الشعب، وإن كان حضورهم الافتراضي صاخبا.
عبد المنعم أبو الفتوح لديه كتلة صلبة من دعم التيار السلفي له، وهو قادر على اختراق كتل أخرى ككتلة «الإخوان» حيث انحاز له كثيرون ممن

تركوا «الإخوان» كحزب الوسط أو بعض شباب «الإخوان» الثائر، وهو سعى لكسب شرائح من التيارات السياسية الأخرى كالتيار الليبرالي ونحوه، ولكنني أحسب أنه لن يستطيع الوقوف في وجه جماعة الإخوان وحزبها، ولن يشكل عائقا مهما أمامها في حال الإعادة معها.
لن يشكل الرئيس الفائز في هذه الانتخابات نهاية المطاف للفوضى، فقوة الفوضى أكبر منه، والواقع المشتت والقوى المتصارعة قادرة على إضعافه، ولن يقر أي خاسر بهزيمته ويترك المشهد راضيا كما يجري في الغرب، فمصر ليست أميركا وليست فرنسا، لا الثقافة هي الثقافة ولا الوعي نفس الوعي.
إن الطبيعي هو أن تواصل القوى صراعاتها بعد إعلان النتائج في بلد لم تترسخ فيه قيم الحضارة الحديثة، وإن تغنى الجميع على تناقضاتهم بآلياتها، وكل قوة من القوى المتصارعة لديها من أدوات الصراع ما تستطيع به تخريب مشاريع الآخر، ولكن أحدا لا يمتلك مشروعا متكاملا ولا رؤية كاملة الوضوح وقابلة للتطبيق.
ما لم تحدث مفاجأة، ففي الغالب ستتجه النتائج إلى صراع إسلاموي إسلاموي، بين الإخوان المسلمين قديمهم وملتزمهم كمرسي أم مستقلهم الجديد كأبي الفتوح، ما يعزز نظرية «حكم المتطرفين» بعد الثورات التي رصدها كثير من المؤرخين والمفكرين. ولن يكون في هذا جديد إذا كانت نسبة التصويت هي نفسها أو تقل عن نسبة التصويت في الانتخابات البرلمانية السابقة، حين انتصر الإسلامويون بلا جهد يذكر ولا منافسة معتبرة، ولن يكون لما يسمى «حزب الكنبة» تأثير إلا حين تزيد نسبة التصويت عن الانتخابات الماضية بحيث يصبح دخول حزب الكنبة معقولا ليصنع الفرق، بالإضافة لمن قد تكون آراؤهم قد تغيرت بسبب تقويم الأداء في المرحلة الماضية.
رغم الاستحقاقات الكبرى التي تواجهها مصر كدولة فإن الأطراف المتنازعة لن تتخلى عن طموحاتها وأحلامها، وستتفنن في خلق العراقيل، فمثلا إذا فاز «الإخوان» فلن يسلمهم المجلس العسكري البلاد على طبق من ذهب، وإن فاز شفيق فلن يتركه «الإخوان» وشباب الثورة في حاله، وأيا كان الفائز فإن القوى المخالفة له لن تقبل بالنتائج، وستنغص عليه كل قرار، كبير أم صغير.
إن حجم التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومنطق التاريخ يشير بجلاء إلى أن من سيمسك بزمام السلطة بمصر في هذه اللحظة لن يستطيع قيادتها لبر الأمان، ففي بلد تفقد الدولة هيبتها وقدرتها يصبح صراع القوى حتميا، وسيعمل أي خاسر كل ما يستطيعه من نظريات المؤامرة ليرفض القبول بالنتائج.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط