رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

شريف عبدالغني يكتب:حينما يسخرون في مصر من مرشح رئاسي يحفظ القرآن!

شريف عبدالغني
شريف عبدالغني

أكتب هذه السطور منتصف نهار أمس الأول الأربعاء.. اليوم ليس عادياً في تاريخ المصريين. لأول مرة نخوض تجربة انتخابات رئاسية حقيقية. ذهبت إلى المدرسة التي تضم لجنتي الانتخابية في السابعة والنصف صباحاً.

أزعم أنني ملتزم في مواعيدي. قالوا وأكدوا أن عملية التصويت ستبدأ في الثامنة. التزمت وذهبت. لكن. وآه من هذه الـ»لكن». نفس «السيستم» المصري كان حاضراً. لم تخرج اللجنة العليا للانتخابات عن «الصف الوطني». فعلت مثل أي «صنايعي» تريده غداً في بيتك لقضاء مصلحة ما، فيقول لك: بإذن الله هكون موجود عندك «الصبحية». هذه المصطلح يعني في ذهنك مطلع الصباح. لكنه حسب العقلية السائدة ممتد من الصباح إلى ساعة الظهيرة. السادة القضاة المشرفون على لجنتي لم يبدؤوا العمل إلا في التاسعة والنصف. يعني تأخروا عن الموعد المحدد ساعة ونصف ساعة كاملة. إذا سألت عن السبب لا تحصل على إجابة شافية.. مرة يتناولون الإفطار.. وأخرى تأخروا في الطريق.. وثالثة بـ»يظبطوا» الأمور. كثيرون وقفوا في الطوابير منذ الساسة صباحاً وما قبلها. من طول فترة الانتظار في ظل حرارة الجو «تململوا» فعادوا من حيث أتوا، أو ذهبوا إلى أعمالهم. حينما تكرم القضاة وبدؤوا العمل كان مسؤولو تأمين المدرسة من عناصر الجيش والشرطة يدخلون المصوتين في بطء شديد.. فرداً فرداً، بينما اللجان بالداخل خاوية على عروشها، مما يطرح عدة تساؤلات ويدفع الشك إلى النفوس. هل هي خطة متعمدة لـ»تطفيش» الناخبين، وبالتالي يمكن التلاعب في أوراق تصويتهم فيتم -مثلما كان يحدث طوال عصر مبارك- تسويدها لصالح مرشح بعينه. يضاف إلى هذا امتناع اللجنة العليا للانتخابات عن تلبية طلب المرشحين بالحصول على كشوف الناخبين في كل منطقة، الأمر الذي يفتح الباب أمام مخاوف أن تتضمن تلك الكشوف أسماء متوفين، أو رجال شرطة وقوات مسلحة ممنوعين بحكم القانون من التصويت، ومن ثم يمكن تسويد بطاقاتهم. كلها مخاوف ستكشف الأيام المقبلة عن مدى تأثيرها في العملية الانتخابية.
أما ما حدث معي فكان انعكاسا لـ»العشوائية» وسوء التنظيم خارج اللجان. وجدت عدة طوابير فوقفت في إحداها. بعد نحو 3 ساعات من الانتظار وصلت للباب الموعود، لكن المفاجأة الصادمة: منعوني من الدخول بدعوى أنني وقفت في طابور كبار السن. تلاعبوا بالألفاظ بأنهم يطبقون القانون ولا يميزون بين المواطنين، وأنني كصحافي يجب أن أكون أكثر الناس فهماً للقانون. قلت لهم: «ولماذا تركتمونا نقف كل هذه الساعات في الطابور دون أن تحددوا من البداية أنه لكبار السن.. وأي سن تقصدون والصف مليء بخليط من مختلف الأعمار»؟ ظلوا على موقفهم أن أقف في طابور الشباب الذي يمتد أكثر من كيلو متر. البطء في إدخال الناخبين سيجعل وصولي للجنة مستحيلاً هذا اليوم. ذهبت إلى عملي، وكذلك الأمر تكرر مع كثيرين غيري.
عموماً يجب تقبل الأمر. عادتنا ولا هنشتريها. المصلحة التي يقتضي إنجازها في العالم كله ساعة واحدة تستغرق في مصر يوماً كاملاً، وربما أكثر. تركت اللجنة على أن أعود إليها الخميس (أمس) عسى أن أنجح في أداء أبسط حقوقي القانونية والدستورية. أما صوتي فهو لمرشح جماعة «الإخوان المسلمين» الدكتور المهندس محمد مرسي، رغم أنني لست عضواً في الجماعة. أما الأسباب فيمكن تلخيصها في النقاط التالية:
-1 على المستوى الشخصي الدكتور مرسي حاصل على أعلى الدرجات العلمية، وسبق له التدريس في أكبر الجامعات الأميركية، ورفض عرضاً مغرياً للعمل في وكالة «ناسا» للفضاء التي قدم إليها 23 بحثاً مختلفاً. طوال عصر مبارك كنا نشكو أنه يحكمنا رئيس «جاهل» و»غير مسيـس». لم يقرأ حرفاً في حياته خارج كتب الدراسة، ولم يشارك في مظاهرة يوماً، ولم يضبطه أحد متلبساً في ندوة ثقافية. كانت النخبة تقول: إن أوروبا تقدمت لأنها سلمت أمر قيادتها للعلماء والمفكرين. لكن الغريب أنه لما جاءنا مرشح عالم في مجاله ومسيـس منذ نشأته، وسبق أن تعرض للاعتقال أكثر من مرة آخرها يوم اندلاع ثورة 25 يناير انهالت عليه «السكاكين» لمحاولة ذبحه. أصبحنا إزاء حالة مدهشة. كل التيارات اتفقت على حصار مرشح واحد. إذا كان الأمر مفهوماً بالنسبة لمنافقي «العسكر» و»فلول» مبارك وبقايا الحزب الوطني «المنحل»، فإن المريب حقاً أن يشارك في الحملة -وبشكل أكثر شراسة- من

يدعون الديمقراطية والثورية، وطالما صدعونا بإيمانهم المطلق بحق كل القوى السياسية في التعبير عن نفسها والحلم المشروع بحكم البلاد ما دام صندوق الانتخاب هو الفيصل. حقيقة صدمت في «حمدين صباحي» تحديداً الذي طالب «الإخوان» بسحب مرشحهم وانتقدهم في كل مؤتمراته. هل هذه هي الديمقراطية.. وهل «الرئاسة» حلال لكل الناس وحرام فقط على مرشح»إخواني»؟!
2 - راح القوم يسخرون من «مرسي» ويقولون: إنه المرشح الاحتياطي، و»الإستبن» لخيرت الشاطر المرشح الأصلي للجماعة الذي تم استبعاده «ظلماً» من السباق الانتخابي. لم يعترف أحدهم أن ترشيح «مرسي» ذكاء سياسي لمواجهة ألاعيب أهل السلطة، وأن «الإخوان» وضعوا كل الحسابات، ورفضوا أن يكونوا «مفعولا به»، وأخذوا «الفعل» والمبادرة ولم يتركوا شيئاً للصدفة.
3 - وصلت السخرية إلى درجة غير مسبوقة من الحماقة. تحدثوا باستخفاف عن كون الرجل وزوجته وأولاده يحفظون القرآن، وقالوا: إن «الإخوان» يقدمون «فقي»- أي مجرد قارئ قرآن- للرئاسة. تجاهلوا عن عمد مكانة الرجل العلمية، ومكانته السياسية كعضو برلماني متميز منذ عام 2000 وكرئيس لحزب استطاع أن يحصد الأكثرية في أول انتخابات نزيهة لمجلسي الشعب والشورى تشهدها مصر منذ 60 عاماً. فهل هناك ما يمنع أن يكون الرئيس بجانب مؤهلاته العلمية وتجاربه السياسية رجلاً متديناً حاملاً للقرآن؟
4 - حالة التربص الشديدة التي تنتهجها مختلف وسائل الإعلام المصرية- والتي تسيطر الحكومة على بعضها، بينما البعض الآخر يملكه رجال أعمال من يتامى وأرامل مبارك- تجاه كل ما يصدر من مواقف وتصريحات لقيادات ورجال «الإخوان»، ويتم التعامل معها بشكل غير مهني ولا أخلاقي. مثلاً في أحد المؤتمرات الانتخابية لمرشح الجماعة حضر مئات الآلاف، خرجت إحدى الصحف الحزبية بعنوان: «مرسي على طريق مبارك.. ويغلق الشوارع». يريدون بهذه العنوان الخبيث الموجه أن يوهموا القارئ بأمور غير حقيقية. أجهزة الأمن كانت تغلق الشوارع كلما مر موكب لمبارك أو عقد مؤتمراً. أما «مرسي» فحدث أن تعطل المرور في عدة شوارع لكثافة حضور مؤتمره من محبيه وأنصاره. المفارقة أنه لو كان عدد الحضور ليس كبيراً مثلما حدث في إحدى المدن الصغيرة، فإنهم يخرجون بمانشيتات تفيد أن مؤتمرات «الإخوان» خاوية على عروشها. يعنى في كل الأحوال هناك تربص وانتقاد.
5 - الجماعة هي التيار السياسي الوحيد الذي أرسل ممثلين إلى مختلف الدول صاحبة التجارب التنموية المميزة لدراستها والعمل على نقل ما يصلح منها للتطبيق في مصر. بينما باقي التيارات تكتفي بـ»التنظير» في الصحف والفضائيات، وإعادة تكرار»الفزاعة» التي أنتجها «مبارك» عن الإسلاميين.
لهذا كله -ولكثير غيره- أعطيت صوتي لمرشح «الإخوان المسلمين» عن قناعة، ومؤكد أنه في حالة فوزه فإن الجماعة ستنضج كثيراً، وستثبت أن»الخوف» من أي فصيل سياسي هو مجرد «وهم» يعشش في خيال «فلول مبارك» ومن يطلقون على أنفسهم خبراء سياسيين!
نقلا عن صحيفة العرب القطرية