رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

كريم عيد يكتب:مصر: السلوك الديمقراطي وآثار الاستبداد!

بوابة الوفد الإلكترونية

بعد أكداس من الدراسات والبحوث التي قلّبت التجربة المصرية على مختلف الوجوه، منذ محمد علي وسلالته إلى الحقبة الناصرية وما بعدها، لا يزال السؤال نفسه مطروحاً: ما هو سر غياب العدالة واستمرار الطغيان؟! وخلال حكم مبارك حيث تفاقمت نتائج الفساد والبطالة ومات مصريون متدافعون على أبواب المخابز! أصبح السؤال أكثر إلحاحاً حتى تفاجأ الجميع بالثورة المصرية وانتصارها المجيد حقاً.

إنها ثورة الحرية والكرامة، لكن لا يمكن إدامة الحرية والكرامة من دون دولة عادلة.
إذا تأملنا تجارب الشعوب، نجد أن العدالة تُصنع صناعةً من قبل أجيال متعاقبة وليست وصفة جاهزة نجدها في هذا الكتاب أو ذاك. العدالة مشروع سياسي اجتماعي لا يحققه الاتجاه الليبرالي أو الإسلامي أو اليساري، لأن أي اتجاه وحده إذا إنفرد بالسلطة وتأييد الجماهير سيستبد بالحكم وتصبح الجماهير التي أيّدته أول ضحاياه. هذا ما حدث أيام عبدالناصر إذ دفع المصريون أثمان هزيمة حزيران ثم عسكرة الدولة التي انتهت بإطلالة جمال مبارك الكريهة وهو يحاول تكريس العبودية عبر مشروع توريث السلطة!
ثقافة العدالة وأفكار تحقيقها تأتي من داخل تجربة بناء الديموقراطية وتتطور معها، وكل من يريد استعمال الديموقراطية للهيمنة على الدولة سيخسر وسيلاقي مصير حسني مبارك نفسه. وإذا تأملنا ما حدث، خلال الانتخابات النيابية وما يحدث الآن، من حملات اتسمت بالكراهية والشتائم الهستيرية أحياناً، نرى بوضوح التغييرات التي تركتها حقبة الاستبداد على طباع المصريين ومزاجهم.
إن الفساد والحرمان ومصادرة الحريات لعشرات السنين، خلقت بالتدريج ثقافة اجتماعية مضطربة، تم تعميمها على المواطنين فأصبحت جداراً يحول بينهم وبين حريتهم. بين حقوقهم المهدورة وبين الوعي المطلوب لاستعادة تلك الحقوق. إن ظاهرة البلطجية هي إحدى ظواهر هذه الثقافة المضطربة.
لكن الحملة الانتخابية تتواصل والمصريين يعيشون تجارب جديدة، كانفتاح الإعلام الرسمي على الجميع، وحوار المرشحين أمام وسائل الإعلام. الدولة الديموقراطية تتأسس إذاً، والسؤال القديم تغيّر شكله: كيف تستطيع الدولة الديموقراطية تحقيق العدالة؟ إذا كانت الدولة تستمد سلطتها من قوّة القانون، فمن أين تأتي بالثروات الطائلة لتنفيذ مشاريع اقتصادية وعمرانية طال انتظارها؟ وما هي المصادر الأساسية لتلك الثروة؟ سيجيب كثيرون: الضريبة، قناة السويس، الغاز، الصناعات المحلية والتجارة الخارجية... إلخ. إن كل هذا صحيح، لكن الأصح هو أن توظيف تلك الثروات لن يكون مجدياً إذا لم تكن هناك قواسم وطنية مشتركة توحّد المصريين على تحقيق مشروع العدالة.
يجب أن يكون لدينا هدف أساسي يضبط إيقاعنا ووعينا ويبرر خلافاتنا إذا اختلفنا واتفاقنا إذا اتفقنا، لأن أعظم الثروات المادية ستتبدّد إذا استمرت الانقسامات الداخلية القائمة بين القوى السياسية التي أربكتها أطماع الهيمنة على الدولة! وإذا لم تنتبه الأحزاب الإسلامية إلى هذه الحقيقة فإنها ستخسر الثورة والدولة معاً لأن الشعب المصري لم يعد يحتمل أكثر.
لقد بدأ بعض الالتباسات يتكشف الآن، خصوصاً بعد أن وضع جمهور الناخبين البيض كلَّه تقريباً في سلة «الإسلاميين»، وبدأت حزبيتهم وأنانياتهم تطغى على وعودهم، فأصبحت العدالة هي أن يحتل الإسلاميون مقاعد البرلمان ويفوزون برئاسة الجمهورية ويشكلون الحكومة ويحاكمون فناناً على كلمة قالها قبل سبعين سنة! كمقدمة لفرض طريقة حياتهم على المجتمع المصري بعيداً من مشاريع حل أزمة السكن أو تخفيض معدلات البطالة وتوفير رغيف العيش للمفقَّرين، فالمهم الآن هو السلطة والهيمنة على الدولة والمجتمع!
إن الإيغال في هذا المنهج الغريب جعل من السهل على مرشحي الإسلاميين تشويه سمعة مرشح مثل عمرو موسى ووصمه بأنه «من فلول النظام السابق»، على رغم أنه أحد ضحايا حكم مبارك

ومشروع التوريث! والسؤال هو: إذا لم تكن عادلاً خلال حملتك الانتخابية فكيف ستكون عادلاً إذا استتب لك الحكم؟!
لسنا بصدد الدفاع عن مرشح بعينه، بل عن مبادئ متعارف عليها، وأولها أن الدعاية الانتخابية يجب أن تكون عادلة وتحترم حقائق الواقع لأن الأساليب الملتوية قد تخدع الجمهور المصري كما حدث للجمهور العراقي الذي وضع كل البيض في سلة الأحزاب الدينية لكنه لم يحصد سوى الخيبة والمرارة: فساد وشهادات مزورة وتبديد مئات بلايين الدولارات بينما العراقيون يزدادون فقراً وحرماناً!
هذا الكلام ليس ضد إسلاميي مصر، بل ضد نزعة الاستحواذ على كل شيء لدرجة يبيحون معها لأنفسهم تشويه سمعة الآخرين وحرمانهم من المنافسة النزيهة! والأغرب أن أحد المرشحين الإسلاميين تم استبعاده قانونياً، فكان المتوقع أن يشجع أنصاره لانتخاب مرشح إسلامي آخر، لكنه فعل ما لم يكن بالحسبان. لقد طالب الرجل أنصاره عبر الفضائيات انتخابه هو لا غيره! نعم، أن يكتبوا اسمه على ورقة منفصلة ويضعوها في صناديق الاقتراع! ألا يدل هذا الموقف على هوس بالسلطة؟ وهل تخلق مثل هذه المواقف بيئة صالحة لنشوء مجتمع سياسي ديموقراطي؟
من جهة أخرى تذكروا صنّاع الفراعنة ودورهم المحتمل في تخريب الديموقراطية. فالمرجّح أن حسني مبارك، قبل أن يصبح رئيساً، لم يكن شخصاً رديئاً. ووفق من عايشوه، كان رجلاً طيباً وضابطاً دؤوباً خدم بلده بجدارة قائد كبير. ولكن ما إن دخل أروقة الدولة حتى انقلب على عقبيه، ودفّعَ المصريين أثماناً باهظة! والسؤال: هل السلطة وحدها تجعل الإنسان طاغية، أم هي تمتحن معدن الإنسان كما يقول الفلاسفة؟ وباختصار: في كواليس الدولة المصرية صناع فراعنة غالباً ما يبقون في مناصبهم على رغم تغير المسؤولين الكبار. هؤلاء هم الذين يعلّمون الرئيس والوزير والمحافظ كيفية اللعب على القوانين ونهب المال العام! ثم تبرير ظلم المواطنين! والسؤال: هل نظّفت الثورة المصرية أروقة الدولة من هذه العثّة، عثة صنّاع الفراعنة أم إنهم بانتظار مسؤولين جدد لتجديد مهنة الطغيان، فتذهب، لا سمح الله، تضحيات المصريين وأحلامهم هدراً.
ولكي لا يصبح الربيع العربي مجرد حكاية، يجب أن تنتصر الديموقراطية في مصر، فالعرب عموماً في حاجة إلى نموذج حقيقي للديموقراطية، ومصر هي الأقرب لتحقيق الحلم والأكثر تأثيراً إذا نجحت. فاحذروا أيها المصريون، احذروا المهووسين بالسلطة، واحذروا صنّاع الفراعنة!

نقلا عن صحيفة الحياة