عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

باسم الجسريكتب :الانتخابات الرئاسية المصرية: خطوة نحو المجهول

بوابة الوفد الإلكترونية

من مفارقات الزمن الثوري الجديد في مصر، دعوة المواطنين إلى انتخاب رئيس للجمهورية قبل أن يوضع دستور نهائي يحدد دور وصلاحيات هذا الرئيس ونوعية نظام الحكم: هل هو نظام رئاسي، أم برلماني، أم مزيج من الاثنين معا؟ فدور الرئيس وصلاحياته تختلف في كل من الأنظمة الأخرى.

وبالتالي فإن «شخصية» الرئيس «الحاكم» في النظام الرئاسي تختلف عن شخصية الرئيس «الحكم» في النظام البرلماني، وعنها في نظام الحكم الرئاسي - البرلماني المشترك. كما أن «برنامجه» ليس هو ذاته في الحالات الثلاث، ففي النظام الرئاسي ينتخب الشعب الرئيس على أساس شخصيته وبرنامجه. أما في النظام البرلماني فإن برنامج الحكم هو الذي تحدده الأكثرية البرلمانية التي تحكم على أساسه. ويبقى لرئيس الدولة فيه دور الرمز والسهر على تطبيق الدستور وصون الوحدة الوطنية والحكم بين الأحزاب المتصارعة.
لقد تساءل كثيرون عن الحكمة وراء القرار الذي أرجأ وضع الدستور في مصر إلى ما بعد الانتخابات النيابية والرئاسية. لا سيما بعد أن اختلطت الأمور والأحداث السياسية عقب الإطاحة بالرئيس والنظام السابقين. قيل إن ذلك تم باتفاق سري بين «الإخوان» والمجلس العسكري الحاكم. وكان أن فاز الإسلاميون بالأكثرية النيابية، وكان أن أعلنوا عن عدة أسماء لمرشحيهم للرئاسة، رغم إعلان سابق بالامتناع، مؤملين أن يحققوا الفوز، كما حققوه في الانتخابات التشريعية. ومن هنا برزت اعتراضات القوى السياسية الأخرى، على احتمال وضع الإسلاميين اليد على كل مرافق الدولة العليا، من رئاسة ومجالس تشريعية وحكومة.
وليت الأمر توقف عند هذا الحد من المفارقة أو التناقض، إذ نشب جدل آخر حول اللجنة التي ستكلف بوضع الدستور: هل ينتخبها مجلس الشعب، أم ينتخب نصف أعضائها، أم تكون مؤلفة من شخصيات قانونية مستقلة؟ ومن سيعين أعضاءها: الرئيس المنتخب الجديد، أم المجلس العسكري، أم الحكومة، أم مجلس الشعب؟ ولا ننسى الخلاف الناشب بين اللجان القضائية التي تشرف على الانتخابات وتلك التي شطبت أكثر من اسم مرشح للرئاسة، وبين المجلس النيابي الذي بات مادة يومية لوسائل الإعلام، ودليلا ملموسا على أن الأمور السياسية في مصر، بعد سنة ونصف على الثورة، لا تسير في طريق مستقيم أو واضح المعالم، بل هي تنتقل من تناقض إلى تناقض، ومن ضياع إلى ضياع، تخيم فوقها أكثر من علامة استفهام وتعجب.
وقبل ثلاثة أيام من موعد إجراء الانتخابات الرئاسية أعلن عن اتفاق بين المجلس العسكري والقوى السياسية (أو بالأحرى «الإخوان») على ما سمي بـ«إكمال دستوري» يحدد دور وصلاحيات رئيس الجمهورية وموقع القوات المسلحة. وذلك بانتظار تأليف الهيئة التي ستضع الدستور الجديد للجمهورية المصرية الثانية، أي أن مصر ستحكم في المرحلة المقبلة بدستورين أو نظامين، بانتظار الدستور الجديد.
في رأي الخبراء أن الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية لن تسفر عن فوز أحد المرشحين بالأكثرية المطلقة، وبالتالي فإن اسم الرئيس الجديد لن يعرف قبل إجراء الدورة الثانية، ولكن توزع الأصوات بين المرشحين سيحمل معه مؤشرا واضحا على من سيكون الرئيس المقبل. وهنا يطرح سؤال أول عن رد فعل القوى السياسية غير الإسلامية في حال وقوع الدولة والحكم والمؤسسات كليا في يد الإسلاميين. وسؤال ثان عما سيكون موقف الإسلاميين إذا فاز مرشح غير إسلامي؟ وخاصة عمرو موسى أو أحمد شفيق؟ وسؤال ثالث عمن سيحكم مصر فعليا بعد انتخاب الرئيس وقبل أن يوضع الدستور الجديد؟ وعن مدى رضوخ القوى السياسية، من إسلاميين وغير إسلاميين،

للحكم في حال فوز مرشح لا يرضون عنه؟ وما هي الحكمة أو المصلحة التي دفعت بالمجلس العسكري و«الإخوان» إلى تقديم الانتخابات على الدستور؟
هل كان على القوى السياسية والجماهير التي أطاحت بالنظام السابق أن تمر بكل هذه المنعرجات الدستورية والمطبات السياسية والضغوط الشارعية، لكي تصل بعد سنة ونصف إلى المأزق الدستوري الذي وصلت إليه؟ وماذا كان سيحدث لو لم يكن هناك، على الأقل، «سلطة واقعية» هي المجلس العسكري، تضبط الأمن وتتخذ القرارات الصعبة وتقيم التوازنات بين القوى السياسية الهاجمة على الحكم؟
لقد شبه البعض الوضع السياسي الراهن في مصر بالباخرة «التايتانيك» التي اصطدمت بجبل من الثلج وغرقت. وهو حكم ظالم. غير أنه من المؤكد أن المرحلة المقبلة للحكم وللحياة السياسية في مصر، سوف تمر بتوترات وأزمات عدة وعنيفة، وأن الدستور المصري الجديد - إذا اتفقت القوى السياسية على أسماء أعضاء اللجنة التي سوف تضعه وعلى نوع أو شكل الحكم فيه - قد ينجح في تسيير الدولة ومؤسساتها، ولكنه لن يحوز إجماع الشعب والقوى السياسية عليه. لا سيما أن ما يريده الشعب بعد الإطاحة بالنظام السابق - حقيقة - لم يكن هو الحاسم في الانتخابات، النيابية والرئاسية. بل اعتبارات ومشاعر ومصالح ونزعات وردود فعل سلبية وحسابات سياسية حزبية، فالقوى والأحزاب السياسية تعرف ما لا تريد ولكنها غير متفقة على ما تريد. أما ما يريده الشعب المصري حقيقة فهو شيء ثالث آخر.
إنها مسالك الديمقراطية الواسعة والضيقة في آن معا، بل تلك هي متاهات الحرية التي تندفع فيها الشعوب بعد تحررها من أنظمة ظالمة أو فاشلة، منقادة بعواطفها بل بغرائزها أحيانا. ولا مفر من المرور بها قبل الوصول إلى شاطئ الاستقرار والعدالة. وقليلة جدا هي الدول والشعوب التي توصلت إلى ذلك. وجسيمة كانت التضحيات التي بذلتها للوصول إليه.
هل كان من الممكن تلافي كل هذا العبث الدستوري وهذا التبعثر في القوى السياسية التي قامت بالثورة؟ وهل سيتوصل الرئيس المدني الجديد من وضع دستور تقبل به الأحزاب والقوى المتنافسة على الحكم، فتبدأ الجمهورية المصرية الثانية عملها في تحقيق أماني الشعب المصري؟ أسئلة تصعب الإجابة عليها، اليوم، ولا بعد الانتخابات الرئاسية، ولا في المدى القريب. لسوء حظ.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط