رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مشعل السديرى يكتب:مثل ما قال عبدالحليم: يا خوفي من آخر المشوار

مشعل السديري
مشعل السديري

لست من عشاق سماع الأخبار، خصوصا في هذا الوقت (الأغبر)، فمنذ أن تفتحت عيني على الدنيا وأنا أشاهد دنيا العرب تعيش في غبار في غبار في غبار، وصدق الشاعر الشعبي عندما قال:

فات العجاج وقلت بالخير متبوع
وأثر العجاجة مقتفيها عجاجه
لهذا تلاحظون أنني في كتاباتي لا أتطرق للشؤون السياسية إلا (في الشديد القوي)، وذلك عندما تأخذني الحميّة الجاهلية، فأكثر وقتي أمام التلفزيون أقضيه إما مع المحطات الوثائقية أو السينمائية أو الغنائية أو الاستعراضية أو الرياضية، ولكنني أهرب من المحطات الإخبارية والسياسية مثلما يهرب الرجل السليم من الرجل الأجرب.
غير أن أصبعي الملقوف الذي أتمنى له الكسر، أخذ (يبعبص) كعادته الذميمة في (الريموت كنترول)، وإذا به يوقعني على محطة فضائية، فاستسلمت له على غير عادتي متأملا برجل محترم حليق وهو يقذف بوجهي إحصائية عجزت عن فهمها أو استيعابها حتى هذه اللحظة، وهو يقول متأكدا: إنه في مصر منذ 28 يناير (كانون الثاني) حتى 28 فبراير (شباط) 2011 فقط حدثت 222 جريمة قتل، 98 سرقة بالإكراه، 13 جريمة اغتصاب وهتك عرض، 1077 سرقة للمساكن والمتاجر، 72000 حالة تعدي على الأراضي الزراعية، 99 تعديا على مراكز وأقسام الشرطة وحرقها بعد الاستيلاء على ما فيها من أسلحة، الهجوم على 11 سجنا، هروب 25000 سجين، تدمير آلاف من سيارات النجدة، سرقة 50000 سيارة، تهريب أكثر من 90 مليون قرص مخدر، عشرات الأطنان من الحشيش والبنقو، الاختطاف من أجل الفدية والسطو المسلح، خطف المشاهير وأبناء الأثرياء، السطو المسلح على البنوك ونقل الأموال، كما ازدهرت تجارة الأسلحة الخفيفة وحتى الصواريخ المضادة للطائرات ومدافع (القرينون) من ليبيا، إضافة إلى أحداث محمد محمود، ماسبيرو، مجلس الوزراء، أمن الجيزة، السفارة الإسرائيلية، السفارة السعودية، إحراق المجمع العلمي، مذبحة بورسعيد، الحرائق المتعددة في السويس والقاهرة وخط الأنابيب في سيناء.
عندها وبعد أن ضاق صدري وتشبعت بهذه الإحصائيات المخيفة والرهيبة التي تجعل العين تدمع، لم أملك لا شعوريا إلا أن أغلق التلفزيون نهائيا، ولولا أنه يعز علي التلفزيون الذي اشتريته قريبا لقذفته بتحفة برونزية أمامي وحطمت شاشته.
ووضعت يدي الاثنتين أو الثلاثة لست أدري، وضعتها كلها فوق رأسي وأخذت أتساءل:
هل مصر العزيزة تستحق ذلك؟! هل وصلت فعلا إلى هذا المستوى؟!
مصر التي كانت الدنيا تتعلم منها، وكانت تشد لها الرحال من أوروبا إلى الهند، وصل بها الحال إلى هذا الحد؟!
ولا أنسى صديقا (سوريا لبنانيا) اسمه (إلياس نجار)، وهو على مشارف التسعين، أطال الله في عمره، قال لي:
وصلت مع أخي بالباخرة إلى (الإسكندرية) مقبلين من (نابلي) في أوائل الثلاثينات، وتفاجأنا بالفرق الشاسع بين نابلي (الزبالة) - حسب تعبيره - وبين الإسكندرية النظيفة الراقية التي كانت تمور بالحياة وبكل أصناف البشر.
تصوروا لو أن مصر استمرت على ذلك المنوال، ولم تقع بين براثن العسكر والمغامرين وأصحاب (الماكرفونات)، والوعود والخطب الرنانة التي لا تطعم من جوع ولا تؤمن من خوف.. كيف يكون حالها اليوم؟!
لك الله يا مصر، كم أنا أحبك، وأكثر من ذلك كم أنا أخاف عليك من آخر المشوار.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط