عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فهمي هويدي يكتب :المرشح الرباني

بوابة الوفد الإلكترونية

لا أستطيع أن أصدق أن ثمة «مرشحا ربانيا» لرئاسة الجمهورية في مصر. كما أنني لا أصدق أن ثمة تكليفا شرعيا بالتصويت لمرشح بذاته. لمجرد أنه ينتمي إلى فصيل مرجعيته الإسلامية. ومثل هذه الإيحاءات التي توظف المشاعر الدينية لصالح مرشح دون آخر قد تصدر بحسن نية، ولكنها يمكن أن تكون سببا للبلبلة إذا ما خسر المرشح الرباني مثلا، حيث يفترض في هذه الحالة أن يكون فوزه مضمونا بل ساحقا. على الأقل لكي تبلغ الرسالة إلى الجميع ولكي يعرفوا الفرق بينه وبين آخر «غير رباني». وستكون الطامة الكبرى أن يفوز عليه مرشح آخر «غير رباني»، الأمر الذي قد يفسر بأحد أمرين، إما أن يكون المرشح الذي زعم أنه رباني، انتحل الصفة وكذب على الجميع، أو أن المقادير تخلت عنه لإدراكها أن الرجل لا يستحق أن تشمله الرعاية الربانية.

لا يقف الأمر عند احتمال البلبلة. ولكن المشهد قد يبدو عبثيا، حين يشار إلى مرشح بذاته ويقول أحد الدعاة إن التصويت لصالحه يعد تكليفا شرعيا، لأنه منحاز إلى المرجعية الإسلامية. ولكن حين يكون هناك أكثر من مرشح ينطلق من المرجعية الإسلامية، كما هو الحاصل مثلا في الحالة المصرية، فإن فكرة العبث تلوح في الأفق. إذ من حق أي أحد أن يسأل لماذا يكون التكليف الشرعي الموحى به متجها صوب مرشح واحد من ذوي المرجعية الإسلامية، ولماذا يحجب التصويت عن نظراء له لهم نفس المرجعية. وهل يجوز عقلا أن تصدر الفتوى محبذة التصويت لذوي المرجعية الإسلامية جميعا، الأمر الذي يمكن أن يشتت الأصوات بما يؤدي إلى سقوطهم وفوز غيرهم من ذوي المرجعيات الأخرى؟
الأمر كما رأيت محرج ودقيق، وقد يبدو في بعض جوانبه مسكونا بالافتعال والتدليس الفكري. وهو ما يعيد إلى الذاكرة مواقف وممارسات الحاخامات في التجربة الإسرائيلية. ومشهورة في هذا الصدد فتاوى الحاخام عوفاديا يوسف الزعيم الروحي لحزب شاس (اخترال لعبارة حزب الشرقيين المحافظين على التوراة) الذي قال فيها إن من لا يصوت لشاس في الانتخابات ستحل عليه اللعنات لأنه لم يلب نداء الرب ــ وتصويتك للحزب سيجعلك تمثل مكانة مرموقة في الجنة ــ وأن الذي يصوت لمنافسه ليبرمان (نائب رئيس الوزراء وزعيم حزب إسرائيل بيتنا) كمن يصوت للشيطان ــ وقد ألقى أحد رجاله (اسمه شمعون بعدني) ــ موعظة في معبد يزديم بالقدس المحتلة قال فيها إن الذين يصوتون لغير حزب شاس سيدخلون جهنم، أما أعضاء شاس فالنار محرمة عليهم إلى غير ذلك من الفتاوى التي تتاجر بالآخرة لتحقيق مكاسب سياسية في الدنيا.
مبلغ علمي أن شؤون المعاملات التي لم يرد فيها نص قرآني يخرج التقدير والاجتهاد فيها من دائرة الحلال والحرام ليصبح شأنا يتم التفاضل فيه بين الصواب والخطأ. وغاية ما يمكن أن يبلغه الفقيه في اجتهاده بخصوص تلك المعاملات أن يفتي بالاستحباب أو الكراهية، وليس له أن يستخدم معيار الحل والحرمة.
إن المشكلة التي تواجهنا في المفاضلة بين المرشحين للرئاسة في مصر أن أحدا منهم لا يستطيع أن يحدثنا عن إنجاز له على الأرض، لسبب جوهري هو أن إنجازات العقود السابقة كانت كلها منسوبة إلى «السيد الرئيس»، إن لم يكن بتوجيه منه فباستلهام لحكمته. ولا نستطيع أن نعتبره إنجازا أن يؤدي المسؤول عمله المفترض، كأن يبني وزير الطيران مطارا أو يشق وزير التعمير طريقا أو ينجح وزير البيئة في مكافحة السحابة السوداء. ذلك أن الموات السياسي لم يكن يسمح بأكثر من ذلك. فتلك كلها في أحسن فروضهما من علامات الكفاءة في التنفيذ ولا تعني بالضرورة نجاحا في الإدارة السياسية لدولة كبيرة بحجم مصر ووزنها.
لأن سجل الإنجاز السياسي على الأرض ضعيف بالنسبة للجميع، فإن المبالغة في استعراض مناقب المرشحين تصبح الصيغة المتاحة لجذب الناخبين، وفي هذه الحالة يلجأ المرشحون إلى دغدغة مشاعر الناس، فالقلقون المتوجسون يقال لهم إن المرشح هو الرجل القوي الذي سيوفر لهم الأمان، وسيقدم لهم رجل الدولة الذي لا يشق له غبار. والمتدينون سيتم جذبهم بإعلان تقوى المرشح وورعه ومواصفات الرجل الرباني الذي تتوفر له.
مثل هذه المبالغات أفهمها، لكني أحذر من دغدغة المشاعر الدينية، لأنها تفتح الباب لاستدعاء الهويات الدينية وتوظيفها في التنافس أو التنابذ السياسي. والأهم من ذلك أنها تشوه الدين وتسيء إليه. ذلك أن معيار الاختيار المستقر في التفكير الإسلامي ينحاز إلى صفتين أساسيتين وردتا في النصوص القرآنية هي القوة والأمانة، (إن خير من استأجرت القوي الأمين ــ الآية 26 من سورة القصص) ــ وأذكر هنا بأن النبي عليه الصلاة والسلام حين اختار دليلا من المشركين في هجرته من مكة إلى المدينة، فإنه تحرى كفاءته وإخلاصه ولم يأبه بشركه أو اعتقاده، ونحن لا نريد في الرئيس أكثر من أن يكون قويا وأمينا، علما بأن كل منسوب إلى النظام السابق مجَّرح في أمانته
نقلا عن صحيفة الشرق القطرية