رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أبوالعز الحريرى يكتب:مصرالتي في خاطري

أبوالعز الحريري
أبوالعز الحريري

تقدمت أنا أبو العز الحريري للترشح لانتخابات الرئاسة بحلم مصر الجديدة الذي أطلقته ثورة يناير والذي راود الشعب لعقود كانت مرارة بالمعاناة والكفاح والألم.. فثورة 25 يناير لم تنبثق كما انبثقت مينرفا من زبد البحر في الأساطير الإغريقية.

الثورة صنعتها معاناة طويلة وكفاح لم ينقطع رغم الهدوء الظاهري الذي ميز المشهد السياسي لسنوات.. فرغم الهدوء كان ينمو في أحشاء مصر جنين.. ولو دققوا السمع وأرهفوا البصر لانتبهوا إلى صرخات أشبه بصرخات المخاض.. لكنهم صموا السمع حتى أطلق المولود صرخة الحياة.. وجاءت الثورة.
والثورة عندي تعني أن رئيس مصر القادم ينبغي أن يكون من أبناء الميدان.. ومن جنود معركة التغيير التي تواصلت عبر عقود وحملت شعلتها جماعة وطنية مخلصة، وقد بلغت ذروتها بميلاد حركة كفاية.. وشباب 6 أبريل.. وكلنا خالد سعيد.. وأطباء بلا حقوق.. ومعلمون بلا نقابة.. ومهندسون ضد الحراسة.. وشايفينكوا.. وحركة 9 مارس لاستقلال الجامعات.. وأدباء من أجل التغيير.. والجمعية الوطنية للتغيير.. وحركة المطالب السبعة للإصلاح التي رفعها د. محمد البرادعي والتف حولها ملايين المصريين.
وتواكبت مع نشاط جماعات التغيير حركات الإضرابات العمالية التي امتدت من المحلة إلى حلوان والسويس وكفر الدوار وأسيوط وغيرها كثير.. والاحتجاجات الفلاحية ضد هجوم ورثة الإقطاع على أرض الإصلاح الزراعي.. واعتصامات الموظفين في البريد والضرائب العقارية والمعلمين وغيرها، والنضالات الطلابية وحركة القضاة من أجل استقلال السلطة القضائية.. في مشاهد متنوعة صنعت بروفة الثورة وشقت لها الطريق وبلورت شعاراتها الكبرى.
ومعنى هذا أن رئيس مصر القادم لا يمكن أن يكون فرعونا، فالإنجاز الأهم للثورة، رغم كل ما يحيط بها من مخاطر، أنها فتحت المجال السياسي المسدود، وخلقت تقاليد جديدة للحياة السياسية، وكسرت شوكة الدولة البوليسية وأنجبت في ميادين مصر أجيالا رائعة من الشباب، ولن يعود الشعب مرة أخرى إلى حظيرة الصمت.
الثورة طرحت لأول مرة في تاريخ مصر المعاصر حقيقة أن الحكم هو علاقة شراكة بين الشعب والرئيس.. وأن الجوهر الحقيقي للديمقراطية هو الديمقراطية بالمشاركة، وأعلى صورها هي ديمقراطية الميادين، وهي تختلف عن ديمقراطية التفويض والإنابة لرئيس أو برلمان أو مجلس نقابة يفوضه المجمع الانتخابي ثم يمضي إلى حال سبيله.. لأن جوهر ديمقراطية المشاركة هو تمكين الشعب من المشاركة في إدارة الموارد والرقابة عليها.. والمشاركة في صنع السياسات من خلال تنظيمات تتشكل بالإرادة الطوعية لمؤسسيها.. ولا تحتاج لإذن أو ترخيص، ولا تخضع لغير رقابة الرأي العام والقضاء الطبيعي.. وتنساب ديمقراطية المشاركة من أسفل لأعلى وتشمل كل مجالات الحياة السياسية والنشاط المجتمعي.
وبصورة أخرى فإن مهمة الرئيس القادم المساعدة في تحقيق هذا الحضور الدائم للشعب وكل فئاته في مجالات الحياة العامة والخاصة.. وأن يكون قائد أوركسترا لجماعات التغيير.. إنه ليس العازف الأمهر لكل آلة على حدة.. ولكنه يصنع التناغم بين العازفين.. وهو لا يملك الإجابات النموذجية الموجودة في كل كتاب سلاح التلميذ.. ولكنه يملك روح الانتماء للفريق.. وهو لا يحمل معه جهاز كومبيوتر يكفيه أن يضغط على زر فيه حتى تظهر الإجابة النموذجية.. ولكنه يحكم بالمشاركة مع عقول وعلماء مصر والشعب المنظم.. فالرئيس القادم لن يكون نجم الشباك ولن يوقع معه الشعب عقدا ببطولة مطلقة.
مهمة الرئيس القادم أن يستدعي روح مصر ووجدانها وعقلها وضميرها الحي.. يكفيه أن يكون صاحب رؤية وانحياز لمصر الجديدة.. وأن يكون على وعي بكنوزها في الفكر والعلم والأدب والفن والثقافة.. ومواردها من الطبيعة والبشر.. وأن يكون على وعي بعبقرية المكان التي وصفها جمال حمدان.. وبصيرة تدرك أن مصر عامرة بالخيرات لولا ما صنعه بها الفساد الذي اغترف ثروتها بغير رحمة.. وأن يكون مؤمنا بأهمية مناخ الحريات في معركة النهضة والبناء.. وفي كسر شوكة وأنياب الفساد.. وأن يكون الرئيس مقتنعا بضرورة توفير شروط الحياة الكريمة لكي لا تكون مصر وطنا طاردا لخيرة عقوله وشبابه من الطيور المهاجرة، التي يمكنها أن تخدم

الوطن في المهجر وفي الداخل لو فتح لها الوطن أحضانه.
مهمة قائد الأوركسترا أن يجعل من مصر صورة مكبرة من الصورة التي رسمها الشعب في الميادين، مهمته أن يكون أمينا على الدولة المدنية الديمقراطية وعلى حقوق المواطنة الكاملة المتساوية التي لا تميز بين مسلم ومسيحي ورجل وامرأة وغني وفقير.. وأن يحمل شعار «الدين لله والوطن للجميع»، ولهذا تعهدت بأن أختار ثلاثة نواب؛ مسيحيا وشابا وامرأة..
مهمته أن يعمل على تحقيق حقوق المواطنة الكاملة لكل الأقاليم.. فلا يزال الجنوب محروما يعاني الفقر والأمية، بينما تذهب معظم المخصصات للحضر وعواصم المحافظات.. ولا تزال مراكب الهجرة تحمل المصريين من القرى والنجوع إلى مقبرة البحر المتوسط في رحلة البحث عن مورد رزق في الضفة الأخرى، وحتى من ذاق منهم الموت يعاود الكرة هروبا من جحيم الفقر والحرمان والجوع.
مهمته أن يقود عملية ردم الفجوة بين الريف والمدينة.. وأن ينهض بمراكز الشباب وقصور الثقافة وأن يحول المجالس المحلية من سكرتارية المحافظ إلى حكم محلي لا مركزي يتمتع بسلطات الرقابة على الإدارات الحكومية في الأقاليم.. بما في ذلك استجواب وسحب الثقة من المسؤولين التنفيذيين وإقرار ورقابة الميزانيات وأن يكون المحافظ منتخبا لتنتهي سطوة تعيين المحافظين من الأجهزة الأمنية.
مهمة الرئيس، بمساعدة الخبراء، أن يقود مشروعا للنهضة يخرج مصر من حشرتها في الوادي الضيق إلى كل رحاب الوطن بمشروعات صناعية وتعدينية مع توسيع الحزام الأخضر.. لا يمكن لرئيس ينتمي إلى الشعب وتقاليد الميدان أن ينام وأغلبية شعبه تنام على بطون خاوية.. وأن يستمتع برغد العيش وجيوب مواطنيه خاوية.. وبكل أسف لا تزال العدالة الاجتماعية هي أكثر الشعارات المسكوت عنها من شعارات الثورة.. مع أن المعركة ضد الفقر والجوع والبطالة والمرض تأتي على رأس جدول أعمال أي سلطة تنشأ بعد الثورة وتنتمي إلى مطالب الميدان.
ولا يملك الرئيس عصا موسى لحل هذه المشكلات في غمضة عين.. لكن الشعب المنظم بكل قوته يملك أن يفتح الطريق.. الشعب المنظم هو من يصون كرامته.. هو القادر بمساعدة سلطة تنتمي إلى الميدان على تطهير مؤسسات الدولة من أدران نظام مبارك ورموزه.. في الشرطة عناصر شريفة وواعية يمكن الاعتماد عليها لإعادة بناء جهاز الأمن وفقا للمعايير المتعارف عليها في أي مجتمع ديمقراطي.. وفي الجامعات والنقابات وبين العمال والمهنيين والفلاحين جماعات تنادت بالتغيير.. وتداعت إلى الميادين.. هذه الجماعات هي من ينبغي أن يحكم وتدين له السلطة ليصبح الرئيس قائد أوركسترا جماعة التغيير.. ومصر التي في خاطري هي مصر التي رأيتها في ميدان التحرير.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط