عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حسين العودات يكتب:رجال الدولة الجدد في مصر المحروسة

حسين العودات
حسين العودات

من السمات الأساسية للأنظمة الشمولية أنها تؤكد وتمارس مبدأ تفضيل الولاء على مبدأ الكفاءة والقدرة، فتتعاون مع من يظهر ولاءه لها مهما كان متواضع الإمكانيات والقدرات على حساب صاحب الخبرات والتجارب، بل والالتزام الوطني.

ونشأت بذلك حول السلطة فئة من متواضعي الإمكانيات الذين يسقفون المجتمع ويوهمون الحاكم وغير الحاكم أن ما من أحد غيرهم لديه الإمكانية كي يكون شريكاً في السلطة أو قائداً، أو حتى مديراً لقطاع اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي، مع أن هذه الفئة من الانتهازيين والموالين توقن أن المجتمع مليء بالقدرات، لكنهم يحجبون الجميع وإمكانياتهم عن الحاكم وحتى عن الرأي العام.
وعندما يُسألون عن أسباب تواضع إمكانيات أعضاء الوزارات التي يشكلونها والمجالس السياسية والتشريعية التي يقيمونها وكبار الموظفين الذين يعينونهمً، يجيبون بأنه لا يوجد أفضل منهم في المجتمع، لأن هؤلاء لا يرون إلا الفئة التي ينتسبون إليها، وهي فئة من الانتهازيين والأفاقين والفاسدين والمفسدين وقليلي الإمكانيات، فضلاً عن أن الهم الوطني يقع في ذيل اهتمامهم.
وهذه السمة تغلب في الواقع على جميع الأنظمة الشمولية العربية، ولا يختلف نظام عن آخر في هذا المجال إلا بالدرجة، ويروق ذلك لأصحاب القرار، وخاصة لرئيسهم، ليبقى الفارق كبيراً بين إمكانياته والإمكانيات المتواضعة لأعوانه.
ساعدتني الظروف كي أتعرف شخصياً، من خلال ندوات وحوارات، على ثلاثة مرشحين حاليين للرئاسة المصرية، وهم الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، والدكتور محمد سليم العوا، وحمدين صباحي، وساهمت هذه الظروف ومجرياتها في تعميق معرفتي بكل منهم بشكل مباشر، بما يكفي لإبداء شهادة أطمئن لعدالتها.
أذكر في هذا المجال أنني في حوار مع الدكتور أبو الفتوح في إحدى الندوات، وبعد أن سمعت رأيه مفصلاً، وكان يومها قيادياً في الإخوان المسلمين المصريين، تمنيت أن أكون مرؤوساً لهذا الرجل، علماً بأنني بعيد جداً عن مفاهيم الإخوان المسلمين السياسية وآرائهم (وعن الإسلام السياسي عامة) لكن منطقه المتماسك، ورؤيته بعيدة المدى، وثقافته الرفيعة، سوغت لي أموراً عديدة. وكان الرجل صادقاً بما يقول بدليل اختلافه مع جماعة الإخوان المسلمين فيما بعد وانسحابه منها.
كما جمعتني إحدى الندوات قي بلد أجنبي مع الدكتور محمد سليم العوا، وخلال سبعة أيام من الحوار داخل الندوة وخارجها في مكان الإقامة، وكان حواراً معمقاً، عرفت من خلاله رأي هذا القانوني المثقف والرجل المستقيم والملتزم بقضايا وطنه، أما حمدين صباحي فقد رأيت فيه أثناء حوارنا وبعده ابن البلد الوطني المخلص والمستعد للتضحية بكل شيء من أجل مصر والعرب.
وتأكدت من ثقافته العميقة وبعد نظره، وفهمه الجاد والمسؤول لدور مصر العربي والإقليمي والتاريخي ومسؤولياتها القومية، وكان يقنع كل من يستمع إلى حديثه بأن نهضة مصر هي بداية نهضة العرب، وأن البعد الاستراتيجي المصري هو بعد استراتيجي حقيقي للعرب مثلما هو لشعب مصر، وهو بالإجمال يفهم الناصرية سياسياً ومنهجياً وعقائدياً، فهماً عميقاً لا فهماً عفوياً ساذجاً، كما هي حال بعض الناصريين في البلدان العربية، الذين يستسلمون لمشاعرهم فقط ، ولا يأبهون

أحياناً لعمق النظرية الناصرية وشمولها وجديتها.
ليس هؤلاء أمراً استثنائياً من بين المرشحين الآخرين، بل هم عينة صادقة منهم، وتؤكد صفاتهم الشخصية أن مصر مليئة برجال الدولة والسياسيين والقادة، ومثلها البلدان العربية الأخرى، ولكن حكومات الأنظمة الشمولية فرضت نفسها على هذه البلدان، وكانت تنحيهم وأمثالهم وتعتمد على البغاث من السياسيين والمثقفين وقادة المجتمع، لأن هؤلاء (الأخيرين) هم الوحيدون المؤهلون لتمجيد السلطة وقبول آرائها والامتثال لأوامرها دون نقاش، والتضحية بآرائهم الحقيقية وكرامتهم وصدقهم ومسؤولياتهم في سبيل مكاسبهم الشخصية وامتيازاتهم الفردية.
سمعت وشاهدت حوارات إذاعية وتلفزيونية عديدة في أكثر من قناة فضائية عربية وأجنبية بين المرشحين للرئاسة المصرية، والعدل يقتضي القول ان معظمهم كانوا على مستوى رفيع، يعرفون قضايا مصر والصعوبات التي تواجهها وإمكانياتها وطرق الخلاص من مشاكلها، وكان أغلبهم صاحب رؤية صائبة تجاه مستقبل مصر، وكيفية إخراجها من النفق الأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تعيش فيه، وما الخلافات بين برامجهم إلا بالدرجة.
ويجد المراقب نفسه مضطراً بسبب التداعي لتذكر الفئة التي كانت تحيط بالحاكم المصري وبالحكم قبيل الثورة، وفنون الفساد الذي ارتكبته والنهب المنظم لأموال مصر وجهود شعبها، والاستخفاف المكروه بمصالح مصر وهيبتها، وللمراقب الحق من خلال هذه المقارنة بالقناعة بصواب الثورة من جهة وبالاعتقاد بأن مصر على أعتاب مرحلة جديدة ناهضة تبشر بمستقبل أفضل من جهة أخرى.
إن تنحية الشخصيات والقيادات الواعدة، وقادة المجتمع المدني، وهي السياسة التي مارستها وتمارسها الأنظمة الشمولية في البلدان العربية، كانت تغطية للفساد والاستبداد والنهب وتخلف البلاد، ولاشك أنه مثلما أن المجتمع المصري مملوء بالإمكانيات التي شاهدناها في الحوارات الانتخابية التشريعية والرئاسية التي جرت وتجري في مصر، فإن المجتمعات العربية الأخرى التي تعيش تحت النظم الشمولية هي بدورها مليئة بهذه الشخصيات، ولعل ذلك يشير إلى الجرائم التي ارتكبتها هذه الأنظمة بحق شعوبها ومجتمعاتها، وبحق قادة هذه المجتمعات، من خلال إبعاد ذوي الكفاءات واعتماد مبدأ أفضلية الموالاة.

نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية