عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أحمد البرنس يكتب:بين التجربتين.. شتان الفرق!!

بوابة الوفد الإلكترونية

في تاريخها المعاصر، شهدت مصر حالتين نهضويتين، الاولى قادها محمد علي مطلع القرن التاسع عشر، ولم تستغرق اكثر من ثلاثين عاما، والثانية كانت تجربة عبدالناصر التي بدأت في منتصف خمسينيات القرن الماضي وكانت اقصر عمرا ولم تزد سنواتها عن احد عشر عاما.

وليس غريبا ان تنتهي كلتاهما بمأساة، انعكست اثارها السلبية على مستويات عدة على الشعب المصري ذاته، رغم انه لم يكن شريكا اصليا أو فاعلا بإرادته فيهما، بل كان في واقع الامر مستدرجا إليهما دونما أدنى رغبة منه، الاولى بدأت بوادر انهيارها بمعركة نفارين في 20 اكتوبر 1827 وانتهت الى انكماش الدولة المصرية داخل حدودها التقليدية مع عدم المساس بها مقابل حصر الولاية في ذرية محمد علي وهو ما يؤكد انها – التجربة – كانت تلبي طموحات حاكم ولا تعبر عن رغبات شعب.
أما الثانية فقد توقفت جزئيا في العام 1966، وقضي عليها تماما كحلم عروبي نهضوي كنتيجة طبيعية لهزيمة 5 يونيو 1967، التي تنطبق عليها المقولة السابقة بانها كانت طموحات حاكم وليست رغبات شعب، مع فارق زمني احدث للاعلام الغنائي دورا في تكريسها رغم هزيمتها.
الآن نصل الى الفوارق الجوهرية بين تجربتي النهضة الاوروبية والآسيوية من جانب والتجربتين المصريتين من جانب آخر.
ليس بهدف التوصل لنتيجة مؤداها حتمية نجاح الاوليين وفشل الاخيرتين، لكن لتأكيد عدم توافر فرص أو مناخات ولا حتى مقومات لحاق الثانية بالأولى، لاعلى المدى المنظور ولا البعيد حتى، لدرجة يمكن معها القول بحتمية حالة التخلف التي نعيشها منذ قرون، وسوف تمتد يقينا لتشمل ابناءنا واحفادنا.
ففي التجربتين الاوروبية والآسيوية جاءت الحالة النهضوية كامتداد طبيعي للتطور المجتمعي، ليس على صعيده السياسي والثقافي فقط، ولكن قبلها العامل الاقتصادي، فالثورة الصناعية التي بدأت مطلع القرن الثامن عشر في بريطانيا وامتدت منها لسائر الأنحاء الأوروبية جاءت على انقاض العهد الاقطاعي الزراعي الذي كان يحتضر بعد ان استنفد مداه الزمني واوشكت صلاحيته على الانتهاء، الامر الذي خلق ما يعرف بالطبقة البرجوازية التي اجتهدت في البحث عن نشاط اقتصادي جديد يمكن بناؤه على اطراف المدن.
ولا ينبغي في هذا الصدد اغفال حالة التطور المعرفي والاجتماعي التي صاحبت الثورة من حيث توصيف مشكلاتها والبحث عن حلول لها وصولا لافاق بعيدة منها وكان من بينها نظريات تقسيم العمل لاميل دور كايم وآخرين.
كذلك كانت التجربة اليابانية التي قامت ثورتها الصناعية على انقاض الاقطاع الزراعي المتداعي.
وهذا يعني باختصار – غير مخل – ان مسيرة الثورة الصناعية بدءا من مطلع القرن الثامن عشر في كل من اوروبا واليابان بصرف النظر عن فروق زمنية اكثر أو أقل، كانت تلبية لاحتياج مجتمعي يبحث عن الانعتاق من جبروت الاقطاع وانانية القائمين عليه، ويضاف اليه في الحالة الاوروبية عامل اخر يكمن في تكريس عملي للفصل بين الكنيسة والدولة من

جانب وبينها وبين العلم من جانب اخر، وان بدا الامر كما لو كان معركة ثأر مع الكنيسة انتصارا لكل من تضرر من جبروتها كجاليليو واخرين.
وفي هذا الاطار لا يستطيع احد ان يزعم ان تجربتي النهضة الاوروبية أو اليابانية جاءتا تلبية لطموحات حاكم هنا أو امبراطور هناك، وان حاول كل منهما استثمار نتائجها في تحقيق اطماعه، ويبدو هذا جليا في الحرب اليابانية الصينية الاولى في العام 1894 على خلفية اسباب ظاهرية تمثلت بالأوضاع في شبه الجزيرة الكورية.
واتوقف هنا حتى لا يبدو الامر وكأنه درس في تاريخ الحروب الآسيوية، لاعود الى التجربتين المصريتين، واقصد تجربتي محمد علي وناصر، لاؤكد من جديد ان كليهما جاءتا فوقيتين، أي برغبة علوية من حاكم، تلبية لطموحه الشخصي وليست تطورا مجتمعيا، لذا فكل منهما لم تراع الظروف والمناخات الثقافية والاجتماعية، وحتى الامكانات الاقتصادية للمجتمع المصري – بشرائحه المختلفة – سواء مطلع القرن التاسع عشر بالتجربة الاولى ومنتصف العشرين بالثانية، فحركة التصنيع – على سبيل المثال – في كلتا التجربتين جاءت على حساب الاقتصاد الزراعي الذي كان مزدهرا في حينه، بما يعني على نحو اخر ازدهارا للاقطاع الزراعي الذي لم تكن الشيخوخة المجتمعية قد تسللت اليه بعد.
لذا جاءت تجربة التصنيع خصما من رصيد الدولة وليس اضافة لها فضلا عن كونها بدت مستوردة بطريقة «تسليم مفتاح» باعتبارها لقيطة ولا تعبر عن نمو طبيعي، وهو ما جعل دعائمها هشة ومرهونة بالحاكم طموحا وفقا لرغباته واطماعه.
لذا كانت المحصلة النهائية للتجربتين مأساوية، في الاولى مهدت للاحتلال الانجليزي العام 1882، وفي الثانية الاغتصاب الاسرائيلي لشبه جزيرة سيناء.
ربما كانت هذه هي النتيجة المباشرة أو الظاهرة، لكن النتائج التي استترت بانقاض المجتمع عقب كلتا التجربتين كانت اكثر فداحه، لانها بوضوح كشفت عوراته وهشاشة اركانه وامكانية تداعيه في اقرب فرصة ولاقل سبب.
نقلا عن صحيفة الوطن الكويتية