رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عادل درويش يكتب:مشاهد من برلمانين

عادل درويش
عادل درويش

في شهر واحد ظهرت على المشهد المصري ثلاث مهازل قد ترفع معدل الوفيات من شدة الضحك على بليتها.

الأولى دعم نواب برلمان محاكمة الممثل الكوميدي عادل إمام بعقلية محاكم تفتيش القرون الوسطى وصكوك الغفران بتهمة «السخرية من الأديان». مهزلة غير مسبوقة لغياب تعريف محدد قانوني «للسخرية». مهزلة تضر بسمعة وجدية القضاء المصري.
الثانية في البرلمان المصري المشغول بما يصلح اسكتشات كوميدية في حفلات المدارس الابتدائية بدلا من مناقشة ما يشغل بال ملايين انتخبوهم لإصلاح الاقتصاد والخدمات وحماية حقوقهم المدنية.
سعادة النواب انشغلوا بمشروع قانون لحجب مواقع على الإنترنت سموها «إباحية».
«إباحية» تعبير نسبي subjective والقانون يتطلب تعريفا محددا. «فإباحي» تعبير نسبي للمنتج أو مقارنة بما هو غير مباح «غامق» مقارنة بنسبة الظلال لا اللون «الأسود».
لا يوجد كومبيوتر يخلو من بروغرام حماية المعلومات من الفيروسات. وكلها، بلا استثناء، تتضمن خيار «التحكم الأبوي parental control»، زر يضغطه ولي الأمر لحجب الإنترنت من الاتصال بمواقع لا تناسب محتوياتها صغارا دون السن القانونية (18 أو 21 عاما حسب البلاد).
الخيار متاح لرب كل أسرة أو معلم مدرسة في مصر لحماية عقول وعواطف الصغار.
في بريطانيا مثلا مصلحة تصنيف الفنون تمنح أفلام السينما إحدى أربع شهادات (مناسب للجميع، أو لفوق 12 سنة، أو 15 سنة، أو حسب تقدير الأبوين) لحماية الصغار من مشاهد عنف أو جرائم قد يقلدونها أو مشاهد جنسية تزعج عواطفهم. ولا وجود لمقص الرقيب، فالشعب ليس قاصرا تتولى الحكومة ولاية أمره.
وجود خيار التحكم الأبوي في جميع كومبيوترات مصر معناه أن سعادة النواب يضيعون وقت البرلمان (الذي تموله ضرائب الشعب المسكين الذي يدفع مرتباتهم ومصاريفهم) في مشكلة غير موجودة.
فهل الغرض صرف الانتباه عن العمل الذي انتخبهم الشعب لتأديته وإقناع أنفسهم بأنهم «يعملون»؟ أم لغرض أكثر خبثا؟ ونعني السيطرة والتحكم في حياة ومقادير بقية الـ80 مليونا معتبرينهم دون سن الرشد، يجب أن يتحكم أحد فيما يشاهدون ويقرأون ويسمعون ويأكلون ويشربون ويلبسون؟ ظاهرة السيطرة بإلغاء الفرد وذوبانه في قالب أدلجة المجتمع هي عامل مشترك للشموليات وما جلبته تاريخيا على شعوبها والإنسانية من خراب وموت، سواء فاشية ونازية أو ثيوقراطية؛ من ألمانيا الهتلرية مرورا بروسيا الستالينية حتى الجمهورية الخمينية وأفغانستان الطالبانية.
المهزلة الثالثة تثار على خشبة المسرح نفسه (مجلس الشعب بالعين أو الغين) اتهامات من النواب الإسلاميين للصحافة بعدم المسؤولية سعيا إلى إصدار قوانين تتراوح بين الرقابة، وتكرار كارثة عسكر انقلاب 1952 بتأميم الصحافة.
اتجاه يتجاوز جهل انغلاق الذهن وعدم التسامح ليصل مرحلة شمولية الديكتاتورية بتنصيب من تضعه الظروف في سدة الحكم (بالانتخاب أو فوضى الثورة أو الانقلاب العسكري أو ابتزاز عواطف الناس الدينية) لنفسه في موقع الفقيه الأعلى أو المعلم العارف الأكبر بمصالح الأمة وما يخالف ما تتوهمه نفسه هو خطأ أثيم يتوجب قطع لسان من تفوه به أو تحطيم القلم الذي يجرؤ على خط ما هو مخالف له.
وننبه القارئ بألا يقع بحسن نية في خطأ الخلط بين الإسلام كإيمان وعقيدة يخاطب فيها الفرد الله مباشرة عبر الصلاة (لا كهنوتية بنظام الهرمية hierarchy في الإسلام حيث لا يشترط ممارسة المسلم العبادة عبر وسيط أو كاهن أو حتى التعبد في مكان محدد بل الصلاة في أي مكان) وبين ما نتناوله هنا كآيديولوجية إسلاموجية Islamism ونقصد الإسلام السياسي، أي انتهازية الوصول للحكم. ولذا ننبه القارئ إلى أن القانونيين لا ينتقدون الإسلام كدين بل يفحصون مشروعية الأساليب التسلطية الشمولية للإسلام السياسي كما تمارسها الجمهورية الخمينية أو إمارة الطالبان. وأقترح تدريبا ذهنيا بسيطا بقراءة الترجمة العربية لتعريف دوائر المعارف والقواميس للفاشية كنظام شمولي:
(غالبا ما يستغل الفاشيون خوف الشعب من آيديولوجيات أخرى أو من الأقليات، فيستحوذ الفاشيون على السلطة عن طريق انتخابات

سلمية. وبعد تولي السلطة، يتسلم أعضاء الحزب الوظائف التنفيذية والقضائية والتشريعية في الحكومة. وفي أغلب الحالات يتولى رئاسة الحكومة شخص واحد عادة استبدادي النزعة وله جاذبية لدى الجماهير كما لا يسمح الفاشيون بمعارضة لشخص الزعيم أو لسياستهم.
الحرية الشخصية مقيدة تقييدًا شديدًا في ظل الحكومة الفاشية، كالسفر إلى البلاد الأخرى، وتحد من أي اتصال بشعوبها، وتهيمن على الصحف ووسائل الاتصال الأخرى، وتبث الدعاية للترويج لسياساتها، وتمارس رقابة صارمة على الإعلام لقمع الآراء المناوئة لها. ويفرض على الأطفال الالتحاق بمنظمات الشباب، حيث يتلقنون مفاهيمها الآيديولوجية وتسحق القوانين أي مقاومة. الدولة فوق الجميع أي يحق للدولة أن تتدخل في حياة الفرد الخاصة وتتحكم في خيارته وما يطلع عليه. مبادئ الفاشية الأساسية أن وظيفة الفرد هي خدمه المجتمع؛ إلغاء الحريات الفردية مثل حق الحياة، حق الكرامة، والخصوصية وحرية الاختيار إذا ما تعارضت مع آيديولوجية الدولة.. كما تسعى الفاشية لأن تكون قوة عظمى عالمية على حساب الآخرين).
وليقم القارئ بتبديل كلمة «الفاشية» بأي عقيدة في تعريف العلوم السياسية للفاشية التي تتحكم في حياة الناس. وليقارن ما تثيره مناقشات الإسلامويين في البرلمان للاستدلال على نوعية القوانين التي ستؤسس دولتهم المثلى التي يضحى فيها بالفرد وخياراته من أجل ما يسمونه «الأمة» على حساب الوطن (بشهادة معلمهم الشهيرة «طز في مصر»).
المشهد الرابع من مجلس العموم البريطاني؛ استطلاع وجد 62 في المائة من النواب يدعمون حملة بدأها النائب المحافظ ديفيد دافيز بمشاركة الناشط السياسي بيتر تاتشيل، وهو مثلي جنسي مدافع عن الحريات الشخصية. الحملة لتعديل المادة الخامسة من قانون سنة 1986 للنظام العام التي تفتح الباب لمقاضاة من يقوم بفعل أو تظاهر يؤدي إلى إثارة اضطرابات باستفزاز مشاعر الآخرين عن طريق «الإهانة». واستعرض دافيز وتاتشيل أمثلة سوء استغلال البوليس للمادة بإحالة متظاهرين للقضاء لم يشكُ أحد من «إهانتهم».
اعتبر 62 في المائة من النواب «الإهانة» مسألة نسبية subjective فلا تعريف قانونيا محددا لها، ولذا فالمادة الخامسة «إهانة» للديمقراطية وحرية التعبير كما يقول دافيز.
تاتشيل قال لـ«بي بي سي» إنه يقدس حق شخص معاد للمثليين الجنسيين، في حمل لافتة تصف المثليين (وهو منهم) بأبشع الصفات، مضيفا أنه لو تعرض للاعتداء كما تدعو اللافتة المعادية، فهناك محكمة تأخذ حقه وتعوضه عن الأضرار، أما منع شخص من التعبير بحجة حماية المجتمع من «الإهانة»، فهو اعتداء على الديمقراطية يصيب المجتمع بجروح يصعب اندمالها وتترك عاهات مستديمة في جسم الوطن..
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط