رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نبيل عمرو يكتب: النزول عن عرش الإعلام

نبيل عمرو
نبيل عمرو

أحد الأصدقاء من قرائي في «الشرق الأوسط»، شكرني ثم لامني لإصراري المواظبة على الكتابة في الشأن الفلسطيني، في وقت نزلت فيه القضية الفلسطينية عن عرش الإعلام، المقروء والمرئي والمسموع، وتوارت وراء المعالجات الواسعة والكثيفة لأحداث «الربيع العربي»، أو أنها تطل بين وقت وآخر على استحياء، إما بفعل مأساة يسيل فيها دم كثير، أو بفعل حدث من نوع ما تتناوله المنابر الإعلامية العربية من قبيل رفع العتب.

والاحتجاب الإعلامي للشأن الفلسطيني ليس كله بسبب غزارة أحداث الربيع العربي، خاصة في سوريا ومصر، حيث قانون العرض والطلب فرض نفسه على الإعلام مثلما كان ولا يزال يفرض نفسه على السلع التجارية.. بل إن هنالك سببا أكثر فاعلية وهو غياب الحدث المنافس الذي يفرض نفسه على الإعلام، نظرا لأهميته في زمن العولمة الفضائية التي نجحت في إلغاء الحدود والسدود وفرضت على الاهتمامات الشعبية الجمعية، قضايا لم تكن تتابع قبل هذا الزمن إلا على مستوى الخبراء والباحثين الذين كانوا يعدون في عالمنا العربي على أصابع اليد.
إن فقر الأحداث الفلسطينية - المنافسة – ونمطية القضايا المطروحة، لم تعد مغرية للإعلام كي يتاجر بها ويعتبرها سلعة تستحق العرض على الواجهة الرئيسية «للمحل» فإن تحدثنا عن الاستيطان مثلا فالخبر هو ذات الخبر.. ورد الفعل هو ذات رد الفعل، وإن تحدثنا عن شهيد سقط بفعل القصف أو بفعل اشتباك.. فإن مثله عشرات أو ربما مئات يقتلون على ساحات الربيع العربي، وغيرها من الساحات المتوالدة والواعدة بقتل جماعي يقع أو يوشك على الوقوع، وإن جرى إغراء الناس بمتابعة حدث ما يتعلق بالمصالحة كلقاء في القاهرة أو الدوحة أو حتى فيتنام، فمن يشتري خبرا كهذا، بعد ألف خبر مماثل، تابعه الناس لأهمية المصالحة بالنسبة لهم، فإذا بالأمر مجرد جهد مفتعل هدفه ملء الفراغ والقول بأن هنالك جهدا يبذل دون أدنى قدر من الجدية أو احتمالات التحقق، ذلك إلى جانب غزارة التصريحات الصادرة عن القادة وهي في معظمها قليلة المصداقية إما بسبب تناقضاتها أو بسبب نفيها بعد قراءة ردود الفعل عليها، أو بسبب هزال موضوعها، مثل: على العالم أن يفعل كذا وكذا، وعلى العرب أن يقوموا بكذا وكذا، وعلى الشعب الفلسطيني أن يواصل كذا وكذا وكذا، أخبار بهذا المستوى تبدو لنمطيتها بلا روح وبلا أي قدر من مقومات الجذب وإغراء المتابعة، وحين يصل الخبر الفلسطيني إلى

هذا المستوى، فمع كثافة الربيع العربي ومن دونه، تظل المعالجة الإعلامية فقيرة بمقدار فقر الحدث، وتظل التغطية من قبيل الواجب ورفع العتب هي سمة المرحلة الإعلامية بالنسبة للقضية الفلسطينية.
غير أنه لا بد أن نكتب، ولا بد من إجهاد العقل والقلم لإيجاد موضوع يمكن أن يقرأ، أو معالجة تبدو كما لو أن فيها بعض جديد يستحق التوقف أمامه، وأعترف أن الأمر في غاية الصعوبة، وأخشى أن يصل الكاتب إلى منطقة لا يجد فيها ما يقول.
إن ما أقصده هنا هو الكتابة في الشأن السياسي وأحداثه الباهتة المتكررة وتصريحات القادة ثقيلة الظل.
ولا لوم على المنابر الإعلامية حيال معضلة كهذه، لأن اللوم كله يقع على من يملأهم اعتقاد سقيم بأن القضية الفلسطينية لا تزال الجاذب الرئيسي والمحوري لاهتمام الملايين العربية وغير العربية، وينامون على حرير هذا الاعتقاد ولا يشعرون بحاجة لبذل أي جهد.
صحيح أن المحللين السياسيين يدركون أهمية هذه القضية وتأثيرها المباشر وغير المباشر في الأوضاع الإقليمية والدولية، إلا أن ذلك لا يعني تلقائيا بقاءها على عرش الإعلام، أي محل الاهتمام الرئيسي الذي لا ينافس، فعرش الإعلام محجوز على الدوام ليس للقضايا العادلة حتى لو وصفت بالمركزية، وإنما للأحداث الكبرى التي تعطي للقضايا زخمها وقوة جذبها للاهتمام.. وهذه البديهية المنطقية التي يدركها المواطن العادي دون عناء التدقيق والبحث تبدو أنها غائبة عن وعي القادة السياسيين الذين يرون القضية الأساسية تتوارى خلف القضايا البديلة، ويصرون على البقاء داخل دائرة النمطية في القرارات والأنشطة، بينما القطار يقطع المحطات الأخرى بسرعته القصوى.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط