رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رضوان السيد يكتب:مآلات الاستنفار في المشرق والخليج

رضوان السيد
رضوان السيد

دخل الإسرائيليون على المشهد المتوتر في المشرق العربي بالاتجاه إلى تشكيل حكومةٍ سموها حكومة «الوحدة الوطنية»؛ بضمّ حزب كديما بزعامة الجنرال موفاز إليها. وباستثناء رفْع الصوت وإظهار الخَطَر من النووي الإيراني، ومن الثورة في سوريا؛ فإنهم نأَوا بأنفسهم في الشهور الماضية عن التحرك المفرط في هذا الاتجاه أو ذاك.

والائتلاف الجديد صار تقليدا في السياسة الإسرائيلية منذ السبعينات، عندما تريد الدولة العبرية شنَّ حربٍ على جيرانها أو إشعار الداخل الإسرائيلي والمجتمع الدولي بأنّ هناك خَطَرا يستدعي التحشُّد والاستنفار. ولا يكتم جنرالات إسرائيل - رغم اختلافهم في تقدير الخَطَر - أسبابَ ودواعي هذا الاستنفار: إنه النووي الإيراني! والمعروف أنّ الأميركيين والروس على حدٍ سواء، وقبل اجتماع إسطنبول وبعده، دأَبوا على طمأنة إسرائيل إلى أنّ الحلَّ التفاوُضي مع إيران لا يزال ممكنا؛ في حين ظلَّ الساسةُ الإسرائيليون مُصرّين على أنّ الخطر قائمٌ ومتفاقم، وأنّ ما حصل في إسطنبول إنما كان هديةً لإيران دون داعٍ أو مقابل. وسواء كان رأْي أهل التفاوُض أو أهل الحرب هو الصحيح؛ فلا شكَّ أنّ الحكومة الإسرائيلية الحالية والموسَّعة صارت تجمع سياسيَّين من الطراز الغليظ هما نتنياهو رئيس الحكومة، وليبرمان وزير الخارجية، وجنرالين من العيار نفسه هما: باراك وموفاز. وإذا لم يكن ذلك نذيرا بالحرب؛ فإنه على أي حالٍ تنبيهٌ للمجتمع الدولي بأنهم لا ينتظرون الكثير من اجتماع بغداد بين إيران والـ 5+1 في 23/5/2012.
أمّا إيران، التي اشتدّ ضيقُها من الحصار الخانق، ومن الاضطراب والتمرد في مناطق نفوذها العربية؛ فإنها تستطيعُ أمام شعبها الضائق والمتذمّر الاستناد إلى «نجاحاتٍ» حقّقتْها على الشكل التالي:
- ثبَّتَتْ وضْعَها في العراق بأنْ وضعت المالكي تحت مظلتها، ولو لم يبق بيده الكثير بعد تمرد الأكراد والسنة ومقتدى الصدر عليه. فالوضْعُ في العراق صعبٌ، لكنه صعبٌ على خصوم المالكي وخصومِها أيضا.
- اطمأنت إلى وضع حليفها بشّار الأسد في سوريا إلى حدودٍ معينة. فخصوم النظام السوري وأصدقاؤه يعرفون الآن أنه لن يسقط قريبا بسبب الموقفين الإيراني والروسي. وفي الاحتمالين الباقيين سيظلُّ دورُها قائما: في الحرب الأهلية الداخلية، أو في التسوية (الممكنة أو غير الممكنة) التي يقودها المبعوث الدولي والعربي كوفي أنان.
- ثبَّتتْ وَضْعَ حكومة حزب الله في لبنان إلى أمدٍ قد يطول. فالرئيس ميقاتي ما عاد يستطيع التصرُّفَ بأي شيء، كما لا يستطيع الاستقالة. وعندما أوقفت السلطات اللبنانية باخرة أسلحةٍ مشبوهة التوجُّه والمقصد، وسارع سفير سوريا في لبنان إلى التصريح من أمام وزارة الخارجية اللبنانية أنّ السعوديين والقطريين هم الذين أَرسلوها، ما جرؤ ميقاتي على نفي ذلك، أو على لوم وزير خارجيته، مما اضطرَّ رئيس الجمهورية إلى استنكار ذلك دونما عودةٍ لميقاتي.
- أَقْبلت على اتخاذ موقف الهجوم بتصعيد التوتُّر مع دول الخليج من خلال زيارة رئيسها للجزر الإماراتية المحتلة منذ عام 1971، وإظهار الأمر كأنما وحدة «الأراضي الوطنية الإيرانية» هي موضوع تهديد، وأنها ستُدافعُ عن ذلك بالقوة.
- بادلت الدوليين في الملفّ النووي المشتعل من سنوات، تنازُلا بتنازُل. تنازل الدوليون بالسماح لها بالتخصيب المنخفض في الداخل بإشراف وكالة الطاقة؛ مما سمح لها بتصوير الأمر في عيون شعبها وكأنه انتصار؛ في حين تنازلت هي عن إنتاج سلاح الدمار الشامل أو أنها أجّلتْه. ويُشيعُ أنصار إيران في لبنانَ الآن أن الإيرانيين في اجتماع بغداد سيقدمون تعهُّدا خطيا من المرشد الأعلى بأنهم لا ينوون إنتاج نووي لأنه مُخالفٌ لأحكام الإسلام! والاقتراحُ الآن مُتابعة التفاوُض على المسار في أذربيجان بعد بغداد!
وقد قابل العرب الخليجيون - ولا عرب غيرهم في الساحة الآن - التوتير الإيراني باستنفارٍ من جهتهم:
- أجْروا مناوراتٍ لقوات درع الجزيرة في مياه الإمارات إشارةً إلى اعتزامهم الدفاعَ عن أمنهم بكلّ سبيل. وعقدوا قمةً تشاوريةً في الرياض هذا الأُسبوع لزيادة الضغط على إيران دبلوماسيا وعسكريا.
- واستجابت المملكة العربية السعودية لمطالب المُعْرضين عن استيراد النفط من إيران بزيادة إنتاجها من النفط لسدّ احتياجات السوق العالمية قبل بضعة أشهُر.
- وأَظهروا هم وتركيا استنكارهم لتصرفات المالكي في بغداد، واستقبلوا خصومَ المالكي وإيران.
- وأَعلنوا عن قبولهم بالمبادرة الدولية ذات النقاط الست، وهي تكتملُ إذا نجحت بتنحية بشار الأسد. وأَعلنوا في الوقت نفسه عن دعم الثوار بالسلاح لحماية أَنفسهِمْ من بطش جحافل الأسد إن فشل الحلُّ التفاوُضي.
ما هي مآلاتُ هذا الاستنفار

في المشرق العربي والخليج؟ السببُ المُعْلَنُ لأُصول هذه الاستنفارات هي الصراع بين إيران والمجتمع الدولي على الملفّ النووي. والأُمورُ الأُخرى تتعلق بالامتدادات الإيرانية في المشرق والخليج. ويعتقد القادةُ الإيرانيون الآن أنهم يستطيعون تأجيل النووي والدخول في مفاوضاتٍ طويلةٍ مع الولايات المتحدة، بحيث يحصلون على شيء مقابل شيء عند كل خطوة. والأولويةُ عندهم لتفكيك الحصار. والغربيون يعرفون ذلك. ولذا، فسوف يتشددّون حتى يروا خطواتٍ ملموسة.
إنما من جهةٍ أُخرى؛ فإنّ الإيرانيين الذين اعتمدوا دائما سياسة حافة الهاوية، ويعتبرون أنهم نجحوا فيها، سيصعدون وينزلون في التفاوُض على النووي ليس تبعا للتدرُّج في تفكيك الحصار فقط؛ بل تَبَعا أيضا للقدرة على استخدام أَوراقهم في مناطق النفوذ. فإذا توقّف التهديد الإسرائيلي تبعا للتقدم في التفاوض على النووي؛ فسيظلُّ عندهم حزبُ الله وصواريخه للضغط على الغرب بتهديد أَمْنِ إسرائيل، واستمرار الغَلبة في لبنان. ثم إنّ عندهم بقايا من النفوذ لدى وُلاة أمر غزّة بحيث يستطيعون إرسال بعض الصواريخ من هناك إذا لزم الأمر. ولديهم في المدى القريب أو القصير الملفّان العراقي والسوري. وهم يُصرُّون في الملفّ السوري على أن يكونَ لهم دَورٌ أو مُشاركة فيما بعد الأسد. ووضْعُهُم في العراق أَثْبَتُ، لكنّ الضغْطَ به غير ممكنٍ أو غير آمِن، لأنه يزيد الصعوبات على حلفائهم وأنصارهم. أمّا لبنان فهو رهانٌ ورهينة. إذ هم يريدون أن يظلَّ سلاحُ حزب الله محميا ليظلَّ التهديدُ به ممكنا، ولا ضمانَ لذلك إلاّ باستمرار الحكومة الحالية أو الفوز هم وحليفهم عون في انتخابات العام القادم. وإذا لم ينجح هذا الأمر أو ذاك في المدى المنظور، فهل يجرءون على الاستيلاء على السلطة بالقوة؟!
إنما ما نتيجةُ هذا الاستنفار المتبادَل بالخليج؟ الاستنفارُ العربي دفاعي. أمّا الاستنفارُ الإيراني فليس له تعليلٌ واضحٌ إلاّ إذا كانوا يعتقدون أنهم بذلك يستطيعون إظهار القدرة على تهديد المصالح الغربية.
والأمر الآخَرُ المُهمُّ هو أنه وسط هذا الضجيج وقعقعة السلاح؛ فإنّ القوة العسكرية الإيرانية لم تُختبر بعد. فطوال العقدين الماضيين استخدم الإيرانيون حزبَ الله وحماس والجهاد الإسلامي والميليشيات الشيعية في العراق وتكتيكات النظام السوري والمناورات البحرية الصاخبة بالخليج مع تجنب الاصطدام القاطع بالأميركيين مباشرةً في أي مكان. وربما كان هذا الإصرار الطويل على النووي من بين أسبابه (غير السمُعة والدخول في عداد الدول النووية) تجاوُز مرحلة الحرب بالسلاح التقليدي حفظا للهيبة، وحتى لا تتكرر التجربة مع العراق، وهذه المرة مع دولٍ تمتلك أسلحةً تقليديةً متقدمة، أو أسلحة تقليدية وغير تقليدية.
لن يتراجع هذا الاستنفار في المدى المنظور. ليس لأنّ الإيرانيين لن يتراجعوا عن النووي؛ بل لأنّ الامتدادات في العالم العربي بالنسبة لإيران، تفوقُ في الأهمية الواقعية النووي وغيره. ويوشك أن يثبت الآن أنّ «التوافُق» على النووي ممكن؛ إنما كيف يمكن التسليم لإيران بالنفوذ في العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن.. إلخ؟!
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط