عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أسامة غريب يكتب:فكن ذخري إذا خلت اليدانِ

أسامة غريب
أسامة غريب

في قصيدة «الهي» التي كتبها الأستاذ زكي الطويل، ولحنها ابنه الفنان كمال الطويل معانٍ جميلة لا يشعر بها الا من ملك الاحساس والايمان.تقول كلماتها:

الهي ليس لي الاك عوناً..فكن عوني على هذا الزمانِ
الهي ليس لي الاك ذخراً..فكن ذخري اذا خلت اليدانِ
الهي ليس لي الاك حصناً..فكن حصني اذا رام رماني
الهي ليس لي الاك جاهاً..فكن جاهي اذا هاجٍ هجاني
الهي أنت تعلم ما بنفسي..و تعلم ما يجيش بي جناني
فهب لي يا رحيم رضا وعفواً..اذا ما زل قلبي أو لساني
الهي ليس لي الاك عزاً..فكن عزي وكن حصن الأمانِ
كل الأبيات جميلة لكن يستوقفني منها لدرجة البكاء قول الشاعر: الهي ليس لي الاك ذخراً، فكن ذخري اذا خلت اليدانِ.تذكرت هذا البيت عندما كنت أشاهد احدى قنوات الحياة البرية التي تقدم عالم الحيوان والطير، وهي قنوات أحبها بشدة وأتابعها أكثر من غيرها..كان البرنامج يعرض حياة أفاعي الكوبرا ذات اللدغة الفتاكة ويقدم وسائلها في اصطياد الفرائس وقدرتها على ان ترتفع لأعلى بضعة أمتار وتجري مسرعة حتى تصبح قادرة على لدغ أي حيوان مهما بلغت ضخامته وارتفاعه.عرض البرنامج بالتصوير البطيء زخات السم التي تنفثها الأفعى في المرة الواحدة والتي تكفي لقتل فيل، واستعرض زحفها على الأرض وتربصها بالفرائس وكذلك تسلقها الأشجار.عرض أيضاً كيف يقوم الثعبان بلدغ الأرنب البري ثم أرانا ببطء طريقة ابتلاع الأرنب عن طريق فتح الأفعى لفمها على اتساعه وادخال الأرنب خطوة بخطوة، بينما جسم الأفعى يتسع ويتمدد لاستقبال الفريسة التي تتقدم داخل جسم الثعبان حتى تستقر بكاملها داخله، ومن ثم تبدأ الأحماض والسوائل القوية في اذابته وهضمه.ما استرعى انتباهي عند مشاهدة الفيلم هو الدقائق العشر التي استغرقها ادخال الأرنب فم الثعبان حتى ابتلاعه بالكامل واختفائه تماماً في الجوف الرهيب..هذه الدقائق العشر تمثل فترة عصيبة يمر بها الثعبان عند كل صيد، اذ أنه في أثنائها يكون في أضعف حالاته ويكون أمنه الشخصي مكشوفاً تماماً، كما تكون حياته على المحك وبامكان أي طفل صغير ان يقتله بحجر كما أنه بامكان أي نمس أو ثعلب أو حتى فأر ان ينهش الحية الرقطاء بينما فمها مشغول ومحشور به فريسة تجعلها عاجزة عن الدفاع عن نفسها وعض أو نفث السم في وجه الطرف المهاجم..وهذا ما عرضه الفيلم التسجيلي عندما رأينا أحد العناكب السامة الكبيرة يخرج من جحره ليتقدم من الكوبرا وهي تحاول ابتلاع الأرنب وفمها (سلاحها الفتاك) معطل تماماً وخارج الخدمة..في هذا الوقت تذكرت شطر الشعر القائل: فكن ذخري اذا خلت اليدان.كان هذا هو حال الكوبرا تماماً فقد أعيتها الحيلة ولم يعد أمامها من سبيل للنجاة الا ان يرحمها الله ويزودها بمدد من لدنه يحميها ويحفظ عليها حياتها..ولعلها قد ناجت الله سبحانه وتعالي وسألته العون على هذا الزمان بعد ان ضاقت سبل النجاة في وجهها

وتعطل مصنع السم في جوفها.وحتى تكتمل الحكمة الالهية فقد رأينا أحد العناكب السامة ينقض على رفيقه العنكب الذي كان بسبيله لقتل الثعبان ويصرعه أمامنا بعد ان دارت بينهما معركة قصيرة، كانت كفيلة بأن يفرغ الحنش من انهاء ابتلاع فريسته والتفرغ للأعداء وهو وافر العدة وعلى أتم استعداد للمواجهة.
في ظني ان شيئاً يشبه هذا هو ما نتعرض له في مصر الآن بعد ان تكاثر علينا الأعداء في الداخل والخارج وملأت الدماء الشوارع بفعل صبيان المخلوع الذين سعوا الى نشر الفزع والرعب في المجتمع ودأبوا على اشعال حريق جديد كل يوم في موقع مختلف مثل حريق السويس ومن بعده حريق طنطا ثم حريق عمر أفندي بمصر الجديدة وقبلهم مذبحة بورسعيد، غير مجازر ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وأخيراً العباسية..كما احتل الانكشارية ساحات الاعلام ومعهم كتائبهم من النعال الاعلامية التي ملأت العقول بتخاريف عن الثورة التي عطلت الانتاج وطفّشت السياح ونشرت الفوضي وأحدثت الانفلات الأمني، مع ان الثورة بريئة من كل هذا لأن الثوار لم يتولوا السلطة لكن أصدقاء المخلوع هم الذين يحكمون.كل هذا الخراب أحدثوه حتى وصلنا اليوم لوضع بات أمن شعب مصر فيه مكشوفاً وقد خلت اليدان من وسائل للدفاع في وجه أعوان المخلوع في الداخل وأصدقائه في الخارج الذين يقومون بتمويل الخراب ويرفضون تمويل البناء.بتنا اليوم بلا أسلحة في مواجهة من يحملون السلاح الثقيل ومن يحملون السلاح الخفيف ومعهما كتائب البلطجية الذين يقومون بالقتل ويتمتعون بالحماية القانونية من أهل الحكم الذين لم يحاكموا قاتلاً واحداً من الذين سفكوا دماء عشرات الآلاف من الشباب المصري طوال الستة عشر شهراً الماضية.واليوم لا يملك شعب مصر في مواجهة أصحاب السلاح الثقيل والخفيف الا ان يقف متضرعاً ناظراً الى السماء ومردداً:
الهي ليس لي الاك ذخراً..فكن ذخري إذا خلت اليدانِ.
نقلا عن صحيفة الوطن الكويتية