عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

سليمان جودة يكتب:دفاع غير منتج في الدعوى.. «أبوإسماعيل» و«الجيزاوي» نموذجا

سليمان جودة
سليمان جودة

كان الرأي العام في مصر، بشكل خاص، وفي العالم العربي، بشكل عام، مشغولا، ولا يزال، بمسألتين على وجه التحديد، ضمن مسائل أخرى بالطبع.. أما الأولى فهي قضية المرشح الرئاسي المستبعد حازم صلاح أبوإسماعيل، وأما الثانية فهي قضية المحامي المصري أحمد الجيزاوي المحتجز في السعودية.

الملايين في القاهرة، وفي غيرها من العواصم العربية، مشغولون بقضايا كثيرة، ينامون عليها، ويقومون لينشغلوا بها من جديد.. ولكن.. تبقى هاتان القضيتان هما الأكثر استحواذا، طوال أيام، وربما أسابيع مضت، على عقل ووجدان كثيرين..
وإذا كنت قد اخترتهما معا، دون غيرهما من قضايا الرأي العام، التي هي بلا حصر، فالسبب أن الأصل فيهما واحد، كما أن المرض الذي أصابنا جميعا، إلا قليلا، عند تناولهما، واحد أيضا، ولو أن أحدا تأمل كل مسألة منهما، كيف بدأت، وكيف مضت، ثم كيف عالجناها، وكيف تعاملنا معها، فسوف يتبين له، إلى حد بعيد، حجم الأزمة التي عانينا منها، ولا نزال، فيهما تحديدا.. وبطبيعة الحال، فإنهما ليستا حالة خاصة، ولا فريدة، وإنما تمثلان معا، مجرد رمز، يمكن من خلاله أن نفهم، أين نحن بالضبط، من العالم حولنا، وكيف نفكر في قضايانا، وكيف نأخذها، عندما نتصدى لها!
فالشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، رجل قرر أن يرشح نفسه لانتخابات الرئاسة التي تجري في القاهرة 23 مايو (أيار) الحالي، وهذا، وفي حد ذاته، حق مطلق له، لا يقبل الجدل، بمثل ما إنه حق لغيره من المواطنين تماما.. غير أن هذا، على بعضه، نصف جملة.. وهناك نصف آخر لها، هو أن يكون المرشح مستوفيا لشروط الترشح التي حددها القانون، ومن قبل القانون، حددها الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس (آذار) قبل الماضي، والذي يمثل دستورا مؤقتا يحكم الفترة الانتقالية الممتدة من لحظة تخلي الرئيس السابق عن الحكم، إلى لحظة وضع دستور دائم جديد.. العقل يقول إن أي مرشح لا يستوفي الشروط، يتم استبعاده تلقائيا، دون تردد من الأجهزة المعنية بتطبيق مواد الإعلان الدستوري إياه، ودون اعتراض من أحد.
وقد حدث أن تبين أن والدة المرشح أبو إسماعيل، تحمل الجنسية الأميركية، بما يخرجه على الفور، من سباق الرئاسة، لا لشيء، إلا لأن إحدى مواد الإعلان الدستوري تقول إن المرشح للرئاسة لا بد أن يكون أبواه مصريين، وبما أن والدة الشيخ حازم، فقدت هذا الشرط، فقد أخرجت ابنها من سباق الرئاسة دون نقاش.
كل هذا جرى أمام الجميع، وكل هذا كان موضع متابعة من الملايين، ولم يكن فيه شيء يصطدم مع العقل.. فنحن أمام دولة تطبق قانونها، أو دستورها بمعنى أدق، الذي هو «أبو القوانين» على أرضها.. والحكاية كما تبدو من كل وجوهها، قانونية مجردة، ولا سبيل إلى تناولها على أي وجه آخر..
ولكن.. فجأة نسي أصحاب الشأن، الذين هم الشيخ حازم ومؤيدوه، أصل الموضوع، وحولوه، دون مناسبة ولا مقدمات، ولا مبرر، من موضوع قانوني بحت، إلى قضية سياسية بالدرجة الأولى، مع أنها ليست سياسية من بعيد ولا من قريب، وإذا كان من حق الشيخ حازم أن يرد، فقد كان أمامه طريق واحد يرد من خلاله، بأن يثبت، بالأوراق والأدلة والبراهين، وليس بالصياح، أن والدته لا تحمل الجنسية الأميركية، وبدلا من أن يشغل الرجل نفسه، بإثبات عكس ما أعلنته لجنة انتخابات الرئاسة، إذا به ينخرط مع مؤيدين له، في تصرفات وسلوكيات لا تليق به، كمواطن، فضلا عن كونه رجلا متدينا وملتحيا وإماما للناس في المساجد، وقد كان أولى به، والحال كذلك، أن يخرج علينا، من تلقاء نفسه، ومنذ البداية، ليقر بأنه يفتقد أحد شروط الترشح، وأنه يحترم قانون ودستور بلده، وأنه لا يقبل على نفسه أن يقول غير الحقيقة للمصريين، وأنه، لذلك، ينسحب، متمنيا التوفيق لسائر المرشحين في السباق.. هذا هو السلوك الصحيح الذي

كان متوقعا من رجل يحمل الإسلام، كقيم ومبادئ في قلبه، وفي عقله.. ولكن شيئا من هذا لم يحدث، وراح الرجل مع مؤيدين له، يعترضون، دون وجه اعتراض، ويحتجون، دون وجود مبرر واحد للاحتجاج، ويعتصمون ويتظاهرون في الميادين العامة، دون أدنى مسوِّغ لأي اعتصام أو احتجاج.. فهل هذا، بالله، سلوك يليق بإنسان مسلم؟! وهل يجوز له، أن يحول الأمر، من ملف قانوني خالص، إلى قضية سياسية، متحولا بذلك، عن الأصل فيها، إلى فرع لا وجود له في أي تفصيلة من تفاصيل الحكاية من أولها إلى آخرها؟!
مسألة المحامي الجيزاوي، لا فرق بينها، هي الأخرى، وبين قضية الشيخ حازم، لأن السلطات السعودية المعنية، قالت إنه قد تم ضبطه يحمل أشياء مخالفة، في أثناء دخوله إلى أراضيها، بما يعني مباشرة، أن يخضع لتحقيق، أولا، ثم يجري التصرف معه، فيما بعد، حسبما سوف يقول التحقيق.. إما بالبراءة، أو الإدانة.. وقد كان من الممكن، في هذا الإطار، التعامل مع القضية، دون صخب، ودون ضوضاء، ودون شوشرة على علاقات بلدين بحجم مصر والسعودية، ودون الدخول في تفاصيل لا علاقة لها بالأصل الذي نقف إزاءه، ودون تسييس قضية هي في جوهرها، قضية قانونية تماما.
كان من الممكن، منذ أول وهلة، أن نطلب التحقيق المحايد مع الجيزاوي، وأن تكون السفارة المصرية هناك طرفا حاضرا في التحقيق، وأن تكون أي جهة أخرى، طرفا ممثلا، إذا رغبت في الحضور، ولكن، جرى التغاضي عن ذلك كله، وأخذ الملف مسارا سياسيا، لم يكن له ليأخذه في أي مرحلة من مراحله، لأن تسييسه يحمّله أكثر مما يحتمل، ويأخذنا، وهذا هو الأهم، في اتجاه آخر تماما، ونظل، طوال الوقت، نسعى إلى توفير علاج لمرض لا نعرفه!
في الحالتين، كنا، ولا نزال، أشبه ما نكون بطبيب أخطأ في تشخيص المرض، وراح يعطي المريض علاجا، لمرض لا يعاني منه، لتكون النتيجة في النهاية، من النوع الذي يمكن أن نتوقعه كاملا.
أهل القانون يصفون مثل هذه الدفوع في المحاكم، وفي غرفات التحقيق، بأنها «غير منتجة في الدعوى» بما يعني أن المحامي يمكن أن يظل يدافع عن موكله ويظل يقول كلاما جميلا وبديعا، ولكنه، رغم ذلك، يبقى «غير منتج في الدعوى» بمعنى أنه لا علاقة له بمضمونها الحقيقي، وهذا، بالضبط، ما قيل، ولا يزال يُقال في الدعويين.. دعوى الشيخ حازم، ودعوى الأستاذ الجيزاوي.. فمتى، يارب، نتخلص من هذا المرض العام، ونقول كلاما ينتج في الدعوى.. أي دعوى.. أو نسكت؟!
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط