رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

جهاد الخازن يكتب :(الحسرة ونحن نتابع حريات الآخرين)

جهاد الخازن
جهاد الخازن

أهم خبر في الصحف البريطانية منذ سنة لم يكن الأزمة المالية العالمية المستمرة، أو ثورات الربيع العربي أو برنامج إيران النووي، وإنما كان تحقيق لجنة القاضي اللورد ليفسون في مخالفات مجموعة الميديا التي يملكها روبرت ميردوخ، وهو استرالي الأصل، مر في لندن وانتهى في أميركا، ويملك بعض أهم الصحف وشركات التلفزيون على جانبي المحيط الأطلسي.

الأسبوع الماضي وحده فاق حجم تغطية التحقيق في صحف لندن مجموع الأخبار الرئيسية الأخرى، وكانت هناك تغطية يومية موازية في الصحف الأميركية.
الفضيحة بدأت بكشف التنصت على هاتف الصبية المسكينة ميلي داولر التي اختفت وهي عائدة من المدرسة الى البيت في 21/3/2002 وعثر على جثتها بعد سبعة أشهر ودين القاتل السنة الماضية. مراسلو «نيوز اوف ذي وورلد» تنصتوا على بريدها الصوتي فأطلق اكتشاف ذلك الفضائح التالية.
والتحقيق القضائي المستمر أظهر ممارسات صحافية راوحت بين تجسس وفساد وكذب ونقود ورشى، وهذه كلمات منشورة في عناوين الأخبار.
لعل أهم جزء في التحقيق الأسبوع الماضي تراكم المعلومات عن دور حكومة المحافظين الليبراليين، وتحديداً وزير الثقافة جيرمي هانت، في تسهيل محاولة شركة ميردوخ «نيوزكوربس» السيطرة على تلفزيون «بي سكاي بي»، وهي محاولة انتهت بالفشل بعد انفجار الفضائح الأخرى. وقرر أعضاء البرلمان البريطاني أن ميردوخ لا يصلح لادارة شركة كبرى.
مستشار خاص للوزير استقال بعد كشف مجموعة هائلة من الاتصالات بين مكتب الوزير ومجموعة ميردوخ. غير ان الوزير نفسه تحت الضغط والذين يطالبون باستقالته ليسوا أعضاء في المعارضة فقط، وإنما بينهم بعض أعضاء الائتلاف ومعهم محامون وصحافيون، وقد أصبح اسمه «وزير ميردوخ».
قضية ميلي داولر كشفت عن ان مجموعة ميردوخ رشت عدداً من رجال الشرطة وحصلت على معلومات سرية عن عشرات السياسيين والفنانين والشخصيات العامة الأخرى، وأحياناً انتقل رجال شرطة للعمل في شركات المجموعة. (عرب كثيرون يعتقدون أن ميردوخ يهودي، إلا إنه من طائفة بروتستانتية وجده كان قسّاً).
ودفعت المجموعة تعويضات هائلة الى عدد كبير من الضحايا حتى أن مسؤولاً في جمعية كرة القدم للمحترفين هو غوردون تايلور حصل على 720 الف جنيه تعويضاً حتى لا تصل قضيته الى المحاكم. وهناك الآن محاولات لرفع قضايا تنصت مماثلة أمام المحاكم الأميركية، وهذه ستكون أصعب كثيراً من القضاء البريطاني.
ماذا قال روبرت ميردوخ دفاعاً عن نفسه أمام لجنة التحقيق الأسبوع الماضي؟ قال انه لم يكن يعرف ما يجرى، وأن ابنه جيمس رئيس الشركة قليل الخبرة،

وأن مجموعة الميديا التي يرأسها ساعدت الشرطة في الواقع، وأن «نيوزكوربس» أصبحت شركة جديدة.
شخصياً لا أصدق شيئاً من دفاع ميردوخ ولكن أترك الحكم للمحققين والقضاة، وأقول بانتظار ذلك إن ميردوخ ارتكب خطأ هائلاً وهو يدافع عن نفسه فقد اتهم المحامين عن جريدة «نيوز أوف ذي وورلد» التي أغلقها بالتغطية على فضيحة التنصت، واتهم معهم كولن مايلر آخر رئيس تحرير للجريدة الاسبوعية السابقة، ما جعل هذا يقول ان كلام ميردوخ «كذبة معيبة». وهي كذبة قد تصل الى المحاكم اذا قرر المتهمون الدفاع عن أنفسهم.
أهم من كل ما سبق أن مجموعة صحافية تستطيع أن تتحكم في السياسيين الحاكمين وسياستهم في دول ديموقراطية، واذا أخذنا جريدة «الصن» مثلاً فهي كانت الى جانب الفائز في الانتخابات البرلمانية البريطانية منذ مارغريت ثاتشر في أواخر السبعينات، وتحولت بعد جون ميجور الى العمال ففازوا، ثم احتضنت ديفيد كاميرون ففاز.
هل تصل الميديا العربية يوماً الى نصف نفوذ مجموعة ميردوخ او واحد في المئة منه؟ لا أعتقد ذلك فغياب الحريات في بلادنا يعني منع استخدام ما ليس موجوداً ليحسن استخدامه أو يساء. الصحافة الغربية ليست كلها من نوع مجموعة ميردوخ، فهي تمارس حريتها ضمن نطاق القانون، بعكس «نيوزكوربس» التي ربما اعتبرت نفسها فوق القانون أو خارجه لما لها من نفوذ على السياسيين في الحكم.
أرجو للميديا العربية حريات ترفع حكومات وتسقطها، مع إنني لا أتوقع أن أرى يوماً لصحافتنا شيئاً من نفوذ مجموعة ميردوخ. ما أتوقع هو مزيد مما نحن فيه، أي الحسرة ونحن نتابع حريات الآخرين.
نقلا عن صحيفة الحياة