رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

محمد الرميحى يكتب : لعبة توريط المملكة في الشأن المصري

بوابة الوفد الإلكترونية

نحن أمام واقعة اعتداء كامل على عروبتنا كمصريين وكسعوديين في آن واحد، فالزج باسم المملكة العربية السعودية في الصراع السياسي المصري الداخلي مضر، ليس بالمملكة فقط ولكن في مصر أيضا، بل وفي كل الدول العربية، فهذه ليست مصر التي نعرفها والتي عشقناها واحتوتنا ذات يوم وتعلمنا في جامعاتها،

يبدو الأمر حين تنظر له من زاوية بعيدة وكأن هناك من يريد إشغال الرأي العام المصري بقضايا أخرى هامشية، لم تكن قضية أحمد الجيزاوي آخرها، فمن يتأمل العلاقات المصرية - السعودية يكتشف أنها طوال الوقت علاقة تبادل فكري وديني وثقافي وسياسي حتى حدثت ثورة 25 يناير (يناير الثاني)، واستعلت الجبهة الداخلية المصرية وتبعثرت، وجاء في ركبها أولئك الذين يعرف عنهم ترويج الإشاعات واختلاق الأكاذيب التي تحملها رياح الظنون إلى آذان الشارع المصري، ومنها أن المملكة العربية السعودية تقف في وجه ثورة مصر، وأنها عرضت تقديم «بدل مالي» مقابل خروج حسني مبارك وأسرته وترحيلهم إلى المملكة!! وحين تبحث عمن أدار هذه الصفقة الدبلوماسية الكاذبة ومن خطط لها لا تجد سوى الشيطان، أو بعضا ممن يجلسون في آخر الليل يتنسمون الهواء العليل ويحيكون قصصهم اقتداء بألف ليلة وليلة، فلا دول الخليج قدمت إغراءات مالية لمصر من أجل الإفراج عن مبارك، ولا هي سعت إلى ذلك، ولما أنجزت المهمة الخاصة لاختلاق تلك الإشاعة البشعة، خرجت إلى الشارع المصري إشاعات أخرى، من بعضها أن المملكة تمول الإخوان المسلمين والسلفيين والأحزاب الدينية في مصر، وتتعاطف المملكة في نفس الوقت مع الرئيس السابق مبارك الذي كان يعتقل «الإخوان» والسلفيين ويضطهدهم، ويلقي بهم في دهاليز زنازينه، وهي تمول هؤلاء!

بالتأكيد تم اختلاق الأمرين: التعاطف مع مبارك وتمويل المملكة للسلفيين، هذا التضاد الظاهر للعيان، لم يلتفت إليه أحد في الشارع المصري، ولا من الكتاب الذين تناولوا الأمرين بالنقد والهجوم على المملكة، ومن ثم تم شحذ الشارع المصري عبر أشخاص معينين لإلهاء الشعب عن مهام معينة تنفذ في الخفاء لتفرض في العلن، ولم يعن هؤلاء إصابة العلاقات بين البلدين في مقتل.

لقد استطاعت الدبلوماسية السعودية تجاوز هذه الاختلاقات برجاحة عقلها، وعدم الرد على إشاعات تعرف لماذا تطلق وماذا تعني؟

لقد صمتت المملكة عن اللغو الفارغ لأنها تقدر مصر، وتقدر أزمتها السياسية الراهنة، حتى جاءت الإشاعة الكبرى وهي أن المملكة العربية السعودية لا تريد المساهمة في إنقاذ الاقتصاد المصري، وتم تداول المعلومات المختلقة في عصر تتاح فيه المعلومات للجميع، بل سارع بعض الكتاب لطرح الأمر على العامة على طريقة «الحقونا»، ومن المفروض أن يتقصى الكاتب المعلومة ويتحقق منها قبل نشرها، ولو طرق باب أي مسؤول سعودي فلا أعتقد أنه سوف لن يجد الإجابة على ما يسأل عنه، فلم تتوانَ أي دولة من دول الخليج عن الوقوف إلى جوار مصر وشعبها. فنحن نعلم إذا مرضت مصر أصيب العرب جميعهم في مقتل، كان الأمر على حقيقته أن كل دول الخليج تريد مد يد العون إلى مصر وإنقاذها من عثرتها.

لكن كان السؤال الذي لم توجد له إجابة حتى الآن: من الذي يتم الدفع إليه من المؤسسات المصرية وهي لم تستوِ بعد؟ كان الأمر بحاجة إلى مؤسسة فاعلة.. إلى جسر للتواصل الرسمي تتم عبره ومعه بناء الجسور، وإلى ضمانة بأن هذه الأموال تخص الشعب المصري والاقتصاد المصري، ومع كل تلك العقبات فقد تعدت المملكة الموقف عن طريق دعم مباشر، وهو ليس بجديد ولا ممنون، وأعتقد أن دول الخليج ستقوم أو قامت بفعل الشيء نفسه، ولم تتوقف أي من هذه الدول أمام تلك الاختلاقات المشوهة التي غذاها بعض ممن لهم مواقف تاريخية عدائية تجاه العلاقات بين البلدين، وقد دأبت في كل العصور على محاولة تشويهها، بأن خلطوا - عن علم ويقين - بين مساعدات من «سلف» أو «إخوان» في الخليج على أساس العلاقات التنظيمية بين أجنحة «السلف» و«الإخوان»، والادعاء بأن الدول ذاتها هي التي تدعم «السلف» و«الإخوان» في مصر، وبعض تلك القوى أصلا معادية سياسيا لأهلها.

ثم إن محاولة اقتحام السفارة السعودية

في مصر ليست بجديدة، فالمجموعات التي هاجمت قبل ذلك السفارة الإسرائيلية ذهبت مباشرة إلى الهجوم على حرم السفارة السعودية، مع كل الفروق المعروفة بين هذه وتلك، أبسطها أن هذه دولة تمثل العدوان على فلسطين وبيت المقدس، وهذه تمثل الكعبة المقدسة وقبلة المسلمين في مصر والعالم أجمع. ولعل الذي يستطيع أن يقول لنا من الذي أطفأ كهرباء المنطقة المحيطة بالسفارة وقتها يستطيع أن يجيبنا عن سؤال: لماذا لم تتوفر الحماية الأمنية الكاملة للسفارة السعودية بعد ذلك؟ وهو أمر طبيعي، بصرف النظر عمن هاجمها.

فالذين هاجموا السفارة هاجموها بعد الشحذ الإعلامي لشارع غير مسيس، والهجوم غير المبرر على مواقع التواصل الاجتماعي، الذي غذاه البعض من قوى النظام السابق التي لا تريد أن ترى الأمور هادئة وطبيعية، أو من قوى اعتقدت أن الشحذ تجاه المملكة ودول الخليج يكسبها شيئا من التقدم السياسي الرخيص، عطفا على مخزون لدى البعض قديم وتاريخي كان دائما يريد أن تضطرب العلاقات بين دولة كمثل مصر في مركزيتها، ودولة مثل المملكة العربية السعودية بما تمثل من ثقل سياسي واقتصادي. دق إسفين خطر بين الدولتين يؤدي خدمات كبيرة لدول إقليمية تضرب على هذا الخلاف، وقد تبذل الجهد في توسيعه بدفع الغالي والنفيس وأيضا الأنصار.

من هنا فإننا نرى أن جماعات مثل بعض مشجعي الكرة ومن حام حولهم، جاهزون تماما من أجل إشعال الفتيل ورميه إلى العامة وتوسيع خرق غير المعروف والموهوم، حتى يصبح رتق الخرق كبيرا في مرحلة تمر بها مصر تواجه استحقاقات تاريخية في إصلاح ذات البين من المختلفين والمتنافسين.

لقد تم الاقتراب من الإخلال بمصالح أكثر من مليوني مصري وأكثر في المملكة وأيضا دول الخليج، كما تجاوزوا مصالح نحو ثلاثة أرباع مليون سعودي وخليجي مقيمين في مصر بشكل دائم نسبيا، آمنين منذ زمن بين أهلهم. ولم يخطر ببال كثيرين أن إشعال فتيل الفتنة لا يصيب الذين ظلموا فقط بل يمتد إلى خيار الناس.

من الأفضل أن يقوم كل العقلاء بإطفاء مثل هذه الفتن على أعلى مستوى وبأسرع وقت ممكن وبكل شفافية، والعمل على ذلك عن طريق مخاطبة القضايا المركزية وتخليصها من الإشاعات والدعوى الكاذبة، ليس في أمر مواطن مصري له مشكلة، لكن في البحث عن أصل المشكلات وتخليص الحقائق من الأوهام، والتحوط أن لا يلعب بالنار عابثون في علاقات راسخة وتاريخية تتجاوز الأشخاص لتصب في مصالح الشعوب.

آخر الكلام:

سحب السفير السعودي وإغلاق القنصليات خطوة لم تتخذ إلا بعد أن طفح الكيل، والمصريون لم يتعودوا منذ قرون أن يكون رأس الدولة خاليا، بخلوه يفسح الأمر للأفاقين، فانتخاب رئيس مصري يحقق لمصر ربانا يقودها إلى خيارات في صالح شعبها.

نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط