عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أنانية البشر

أسامة غريب
أسامة غريب

يتساءل المرء أحياناً عن أي المراحل في حياتنا كانت أفضل.. هل هي فترة حكم الرئيس عبد الناصر التي امتلات بالفخار الوطني والهزائم المروعة أم فترة حكم السادات التي فتحت للشره أبواباً كانت موصدة؟ أم سنوات الخراب الشامل تحت حكم سيد الانطاع؟.

سبب سؤالي هو ان الناس لم تكن راضية عن حياتها في أي من الحقب الثلاث، على الرغم من اختلاف الحقبة الاولى عن السنوات التي تلتها.ولعل انهيار دول المعسكر الشرقي وتحلل الاتحاد السوفييتي يوضح لماذا لم تكن الناس سعيدة في الفترة الناصرية على الرغم من ان الحكم كان وطنياً.. الحُكم الذي لا يأخذ في اعتباره أنانية البشر ونفاد صبرهم لا يكتب له الاستمرار حتى لو كان يوفر للناس احتياجاتهم الأساسية بأسعار رخيصة ويقدم لهم التعليم والعلاج بالمجان.دول المعسكر الشرقي قدمت للناس كل هذا علاوة على قاعدة صناعية وملاعب خضراء ومعامل بحث ومختبرات علمية وأبطال في كل الرياضات. ومع ان الحكم الناصري لم يقفز بمصر في أي من هذه المضامير الا بقدر محدود الا ان فلسفة الحكم الاجتماعية راعت الفقراء ولم تسحقهم، لكن التشابه بين مصر في الستينات ودول الكتلة الشرقية يتمثل في ان كليهما ضنّ على المواطن باللبان الشيكلتس وعلب الكولا وأكياس الشيبسي وبنطلونات الجينز والسجائر المارلبورو.صحيح ان غياب الحريات السياسية كان عاملاً أساسياً في الانهيار، لكني أعتقد ان السلع التافهة السالف ذكرها كان لغيابها أثر في عدم دفاع الناس عن مكاسبهم التي حققوها فتركوها تنفرط وجروا وراء الأوهام.دليلي على هذا مشاهد رأيتها بعيني وكانت من فرط كوميديتها تدفع للبكاء.لا أنسى بورسعيد عندما تحولت الى ما اسموه مدينة حرة مارست حريتها فقط في تجارة السلع المستوردة التي كان الناس متعطشين لها.كان من المناظر المألوفة في ذلك الوقت ان تجد في موقف سيارات أحمد حلمي حيث الحافلات وسيارات البيجو التي تحمل المسافرين الى بورسعيد أناساً يفترض أنهم محترمون وقد نزل كل منهم من بيته مرتدياً بيجاما مهلهلة وشبشباً ممزقاً، أو قميصاً وبنطلونا لا يقبل زبال ارتداءهما، ثم يسافرون الى المدينة الحرة ويعودون وقد ارتدى كل منهم طبقات من القمصان فوقها حُلة راقية من ماركة فاخرة ومعطف باذخ مع حذاء آخر موضة، وذلك بعد ان خلع

كل منهم الاسمال التي كان يرتديها وألقى بها في احدى الخرابات التي قام بتغيير ملابسه فيها!.كان البعض يحضر الملابس لنفسه وبعضهم يأتي بها للمتاجرة والخروج بمكسب من بيعها، والنوعان كانا يلجآن لهذا السلوك من أجل الهروب من الجمارك، اذ كيف يمكن لموظف الجمرك ان يحاسب شخصاً على ملابس يرتديها؟.
رأيت أيضاً في ذلك الوقت تجارة الشنطة التي نشطت من بيروت ولندن وغيرها من العواصم، وكان أبطالها من العاملين بشركات الطيران الذين يحصلون على تذاكر مجانية بحكم الوظيفة.كان تجار شارع الشواربي يتعاقدون مع الموظف أو العامل من هؤلاء على دفع ليلتين بالفندق ثم تحميله بحقائب الملابس التي كان عليه ان يعبر بها من الجمرك بطريقته حتى ينال المكافأة من التاجر بعد توصيل البضاعة اليه.ولا أنسى أبداً منظر الحاج صابر وكان يعمل ساعياً بالمطار وهو عائد من بيروت مرتدياً ثلاث بدلات فوق بعض، بالاضافة الى معطف من الصوف الانجليزي وذلك في شهر أغسطس حيث الجو قائظ ودرجة الحرارة نار.. لقد سقط الرجل مغشياً عليه بعد ان خنقته البضاعة التي سعى الى اخراجها دون دفع الرسوم الجمركية.الى هذا الحد كانت رغبة الناس جارفة الى الملابس والأشياء المستوردة، وكان شوقهم عارماً الى ما تصوروه الحياة الجميلة المليئة بالسلع.لذلك أتصور ان على أي رئيس وطني قادم لمصر ان يضع في اعتباره وهو يحاول تحقيق النهضة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية أنانية البشر ونفاد صبرهم وتفضيلهم للخرز الملون على القمح والطحين!.
نقلا عن صحيفة الوطن الكويتية